في حكم تطهيرِ المرأةِ مَحْرَمَها العاجزَ وتنظيفِه
السؤال:
عمُّ أمِّي شيخٌ كبيرٌ عاجزٌ لا يقدر على فعلِ شيءٍ بما في ذلك شؤون طهارَتِه وتنظيفِه، وأمِّي ـ في الغالب ـ هي مَنْ تُباشِرُ تنظيفَه وتغسيلَه على نحوِ ما تفعل المرأةُ بالصبيِّ، وذلك لغياب الرِّجال في العمل عند الحاجة إلى تنظيفه غالبًا؛ فهل يصحُّ منها تطهيرُه؟ وكذلك هل يصحُّ منها صيامُها إذا صامَتْ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالأصل المقرَّرُ أنه يُمنَع على المكلَّفِ النظرُ إلى عورةِ غيرِه ومَسُّها ولَمْسُها، سواءٌ كان مِنَ الأجانب أو مِنَ المحارم؛ لقوله تعالى: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ 30 وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: 30 ـ 31] الآية، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «اصْرِفْ بَصَرَكَ»(1) الحديث؛ كما أنَّ الأصل أَنْ يقوم المريضُ أو العاجزُ بِغَسْل الأذى وإزالةِ النَّجاسة عن نفسِه بنفسِه، فإِنْ لم يَقدِرْ فزوجتُه تتولَّى تغسيلَه لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»(2)، فإِنْ كانت زوجتُه غيرَ قادرةٍ أو لم تكن له زوجةٌ فإنه يتولَّى تغسيلَه أبناؤه أو غيرُهم مِنَ الذكور، وهُم أَوْلى مِنَ الإناث، لأنَّ الرَّجل مع الرَّجل أسلمُ مِنْ قيامِ المرأة بهذا العملِ للرجل ولو كانت مَحْرَمًا له، والمرادُ بالمحارم: مَنْ يَحْرُمُ عليه نكاحُها مُؤبَّدًا بنَسَبٍ أو رضاعٍ أو مُصاهَرةٍ.
فإِنْ لم يُوجَدْ مَنْ يقوم بهذا العملِ مِنْ ذَوِيه أو غيرِهم مِنَ الرجال تطوُّعًا فيَلزَمُه تأجيرُ رجلٍ أو ممرِّضٍ يقوم عليه بالمال؛ فإِنْ تعذَّر ـ لسببٍ أو لآخَرَ ـ فلا حَرَجَ على ابنته أو إحدى محارمِه أَنْ تتولَّى تغسيلَه وتنظيفه للحاجة التي تُنزَّلُ منزلةَ الضرورة؛ لقوله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ [التغابن: 16].
هذا، وتقديمُ الرجال على مَحارِمِه مِنَ النساء في مباشرةِ تغسيل الرَّجل العاجز أو المريض مِنَ الأذى والنجاسة إنما هو مِنْ باب الحيطة في الدِّين، والسلامةِ مِنَ الغواية، والمحافظةِ على شرعِ الله وحدوده؛ وليس مِنْ بابِ سُوء الظنِّ والرِّيبة لانتفائهما مع المحارم غالبًا، و«الغَالِبُ يَقُومُ مَقَامَ الكُلِّ».
علمًا أنَّ الذي يُباشِرُ تغسيلَ المريضِ أو العاجزِ في مَحَلِّ عَوْرَتِه ينبغي عليه أَنْ يستر عورتَه أو يَغُضَّ هو بصرَه ـ على الأقلِّ ـ عمَّا لا تدعو الحاجةُ إلى النظر إليه، فإِنْ شقَّ عليه اجتنابُ النظرِ أو احتاج إليه فلا يجوز له أَنْ يغسل مَذاكِيرَه مُباشَرةًُ بدونِ حائلٍ على نحوِ ما تغسل المرأةُ صَبِيَّها؛ وذلك لِظهور الفارق بينهما؛ فينبغي أَنْ لا يَمَسَّ العورةَ مُباشَرةً، بل عليه أَنْ يُزيلَ الأذى بواسطةِ خِرْقةٍ أو منديلٍ مِنْ ورقٍ أو نحوِه ممَّا يُستعمَلُ ـ غالبًا ـ لهذا الغرض.
وهذه المرأة مأجورةٌ على خدمةِ عَمِّها وقيامِها بشؤونه ضرورةً؛ لعدم وجودِ مَنْ يقوم بهذا العملِ مِنَ الرجال، ولا تأثيرَ لِفعلِها على صحَّةِ صيامها إذ ليس هو مِنْ مُبطِلاتِه.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 03 صفر 1441ه
الموافق ل: 02 أكتوبر 2019م
(1) أخرجه بهذا اللفظِ أبو داود في «النكاح» بابُ ما يُؤمَرُ به مِنْ غضِّ البصر (2148) مِنْ حديثِ جرير بنِ عبد الله البَجَليِّ رضي الله عنه. وهو في مسلمٍ في «الآداب» (2159) عنه رضي الله عنه قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي».
(2) أخرجه أبو داود في «الحمَّام» بابُ ما جاء في التعرِّي (4017)، والترمذيُّ في «الأدب» بابُ ما جاء في حفظ العورة (2769)، وابنُ ماجه في «النكاح» باب التستُّر عند الجماع (1920)، مِنْ حديثِ بَهْز بنِ حكيمٍ عن أبيه عن جدِّه معاويةَ بنِ حَيْدةَ رضي الله عنهما. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (203).
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1226