السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أدَّى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله تعالى وأنِيبوا إليه، واثبتوا على دينه واستقيموا إليه؛ فإن دين الله واللهِ دين الحق ووسيلة الصلاح والإصلاح في الدنيا والآخرة، واحذروا الزيغ والضلال عن الدين؛ فإن في ذلك فساد الدنيا والدين بل وفساد الآخرة، واحذروا الفتن ما ظهر منها وما بطن وإن الفتن بالمعنى العام: كل ما يصدُّ عن دين الله من مال، أو أهل، أو ولد أو عمل، يقول الله عزَّ وجل: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾[التغابن: 15-16] .
أيها المسلمون، اتَّقوا فتنة ينتشر شرُّها وفسادها إلى الصالحين كما أصابَ الظالمين، ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[الأنفال: 25]، احذروا فتنة العقيدة الباطلة والآراء المنحرفة والأخلاق السافلة، احذروا كل فتنة في القول أو في العمل؛ فإن الفتن أوبئة فتَّاكة سريعة الانتشار إلى القلوب والأعمال، إلى الجماعة والأفراد فتصيبُ الصالح والطالح في آثارها عقوبتها .
عباد الله، لقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمّته من الفتن فقال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم: يُصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا ويُمسي مؤمنًا ويُصبح كافرًا، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا»(1)أخرجه مسلم .
إنها فتن مظلمة ليس فيها نور، إنها كقطع الليل المظلم تُؤثِّر في عقيدة المسلم بين عشيّة وضحاها: يُصبح مؤمنًا ويُمسي كافرًا أو يُمسي مؤمنًا ويُصبح كافرًا؛ وذلك لأنها فتن قويّة تَرِدُ على إيمان ضعيف أضعفته المعاصي وأنهكته الشهوات فلا يجد مقاومة لتلك الفتن ولا مدافعة فتفتكُ به فتكًا وتُمزّقه كما يمزق السهمُ رميَّته .
عباد الله، إنَّنا في هذا العصر بما فتح الله علينا من الدنيا فتداعت علينا الأممُ من أجلها فاختلطوا بنا كفّارًا ومنافقين وفاسقين ومُفسدين، إننا بهذا الفتح الدنيوي لعلى مفترق طرق وفي دور تحوّل، نرجو الله - عزَّ وجل - ألا يكون تحوّرًا .
فيا عباد الله، عليكم بدنيكم، على دينكم فاثبتوا ولطريق نبيّكم - صلى الله عليه وسلم - وسلفكم الصالح فاسلكوا، يقول الله تعالى في كتابه: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153]، فهذه - عباد الله - وصية الله تعالى إليكم أن تتَّبعوا صراطه المستقيم وألا تتَّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله وتجترفكم الأهواء .
أسأل الله لي ولكم أن يرزقنا جميعًا اتباع صراطه المستقيم .
أيها الناس، إننا نسمع ونُشاهد في كل وقت فتنًا تترى علينا بدون فتور أو ضعف؛ لأنها وللأسف تجد مكانًا مُتّسعًا ومربعًا مرتعًا، فتنًا تُوجب الإعراض عن كتاب الله وعن سُنة رسول الله عن العلم بهما وعن العمل، فتنًا تتوارد لا أقول من هناك فحسب ولكنها من هناك ومن هاهنا، من أعدائنا ومن بني جلدتنا .
إننا نسمع مثلاً مَن يدعو إلى اختلاط النساء بالرجال وإلغاء الفوارق بينهم إما بصريح القول أو بالتخطيط الماكر البعيد والعمل من وراء الستار وكأن هذا الداعي يتجاهل أو يجهل أن دعوته هذه خلاف الفطرة والجبلَّة التي خلق الله عليها الذكر والأنثى وفارَقَ بينهما خلقةً وخُلقًا، كأن هذا الداعي يتجاهل أو يجهل أن هذا خلاف ما يهدف إليه الشرع المطهّر من بناء الأخلاق الفاضلة والبُعد عن الرذيلة .
فلقد شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يُوجب بُعد المرأة عن الاختلاط بالرجل، فكان صلى الله عليه وسلم يَعزل النساء عن الرجال في الصلاة ويقول: «خير صفوف النساء آخرها وشرّها أوّلها»(2)، لماذا يقول هكذا النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لأن أول صفوف النساء أقربُ إلى الرجال من آخرها فكان شرّها، وآخرها أبعدُ عن الرجال من أوّلها فكان خيرها .
إذًا، نأخذ من هذا الحديث قاعدة إسلامية شرعيَّة وهي: أنه كُلَّما ابتعدت المرأة عن الاختلاط بالرجال فهو خيرٌ لها وكلَّما قربت من ذلك فهو شرٌ لها، هكذا قال المعلّم صلى الله عليه وسلم، فيأتي هؤلاء الدعاة الذين بَهَرتهم حضارة الغرب الزائفة فيدعون إلى اختلاط النساء بالرجال إما بصريح القول وإما بالتخطيط الماكر البعيد .
نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يُفسد عليهم أمورهم، وأن يُحق الحق بكلماته؛ إنه جوادٌ كريم .
أيها المسلمون، كأنّ هذا الداعي إلى اختلاط النساء بالرجال يتجاهل أو يجهل ما حصل لأمة الاختلاط الذين بهروه والذين اغترَّ بهم كأنه يجهل أو يتجاهل ما حصل لهذه الأمة المدمَّرة من الفساد والانحطاط: انحطاط الأخلاق وانتشار الزنى وكثرة أولاد الزنى حتى أصبحوا يتمنَّون الخلاص من هذه المفاسد فلا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً .
إننا نسمع مَن يدعو إلى سفور المرأة وتبرّجها وإبراز وجهها ومحاسنها وخلع جلباب الحياء عنها، يُحاول أن تَخرج المرأة سافرة بدون حياء وكأن هذا الداعي يَجهل أو يَتجاهل أن الحياء من جِبِلّة المرأة التي خُلِقَتْ عليه وأن الحياء من دينها الذي خُلقت له، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحياءُ من الإيمان»(3)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن مِمَّا أدركَ الناسُ من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»(4)، كأن هذا الداعي إلى السفور يجهل أو يتجاهل ما يُفضي إليه السفور من الشر والفساد واتِّباع السفهاء للنساء الجميلات ومحاولة غير الجميلة أن تُجمِّل نفسها؛ لئلا تبدو قبيحة مع مَن يمشي من الجميلات في السوق، فيبقى مجتمع النساء الإسلامي مَعرضَ أزياء .
ومن عجب أني قرأت لكاتب من دعاة السفور كلامًا ساقَ فيه حديثًا ضعيفًا قال عنه هذا الكاتب الجاهل: إنه حديث صحيح متّفق على صحته وهذا الحديث رواه أبو داوود «أن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رِقاق - أي: خفيفة - فأعرض عنها وقال: يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت سنَّ المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفَّيه»(5)، ولكن هذا الحديث ضعيف وأول مَن ضعَّفه مَن رواه وهو أبو داوود؛ حيث قال رحمه الله: إن خالد بن دريك الذي رواه عن عائشة لم يُدرك عائشة .
إذًا: فهذا الحديث منقطع السند ولا يمكن أن يكون الحديث صحيحًا ولا حسنًا إلا إذا اتَّصل سنده ووثِّقت رواته وهذا الحديث منقطع السند ورواته ليسوا موثقين كلهم بل منهم مَن طُعِن فيه .
إذًا: فلا يجوز للإنسان أن يَحتجّ بهذا الحديث ولا يُمكن أن يُوصف هذا الحديث بالصحة مع أنه فيه سببين من سبب الطعن في الحديث وهما: انقطاع السند وضعف بعض رواته .
ونسمع أيضًا من الفتن ما يُروّجه أعداء الإسلام من الدعاية الكاذبة العارمة لتفخيمهم وتعظيمهم وترويج بضاعة مدنِيّتهم الزائفة وآرائهم الزائغة وحضارتهم المنهارة، يروِّجون ذلك باسم التقدم والرقي والتطور والتثقيف العالمي وما أشبه ذلك من العبارات الفخمة الجزلة التي تنبهر بها عقول كثير من الناس فيصدِّقون بما يُقال ثم يلهثون وراء هؤلاء الأعداء المروِّجين بالتقليد الأعمى والتبعيَّة غير العاقلة وغير المعقولة بدون تأمُّل ولا نظر في الفوارق والعواقب، ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ [القلم: 35]، ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [الصافات: 154] .
أيها المنخدع بحضارة هؤلاء، وأستغفر الله أن أقول إنها حضارة ولكنها واللهِ حقارة، فرويدك - أيها المنخدع - رويدك؛ إن كل شيءٍ نافع فيما يدعي هؤلاء أنه حضارة فإن في دينك ما هو أنفع منه ولا يمكن أن يوجد شيء نافع للأمة إلا وفي الدين الإسلامي ما هو أنفع منه .
فرويدك أيها المنخدع، ارجع إلى دينك، ارجع إلى ربك، تجد الخيرَ كله في دينك وتجد الشَّرَ كله فيما يخالف دينك .
أيها المنخدع، لا تغرنَّك دعايتهم، لا تغرنَّك دعايتهم، ارجع إلى كتاب الله، ارجع إلى سنَّة رسول الله، ارجع إلى سيرة خلفاء نبي الله، ارجع إلى سلف هذه الأمة تجد الخير كله فيما ترجع إليه .
أسأل الله أن يجعل شعبنا شعبًا منطلقًا من دينه محكِّمًا لكتاب الله ولسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].
أيها المنخدع، ارجع إلى ذلك، ارجع إلى ما قلنا لك إن كُنت تريد الهدى لا العمى، ارجع إلى ذلك لترى ما يُحاول هؤلاء الأعداء بكل قواهم أن يصدوك عن دينك؛ لأنهم يعلمون أنك لو طبَّقته تمامًا لَمَلَكْتَ عواصم بلادهم وزلزلت أقدامهم عن أماكنها، يقول الله عزَّ وجل: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: 21] .
ولقد سمعنا أن بعضهم في هذه الأيام وبعد أن تدهورت الشيوعية قال: إننا لا نخشى من قيام الشيوعية ولكننا نخشى من قيام الإسلام بهؤلاء المتطرِّفين، ويعني بالمتطرفين: الذين اتَّجهوا إلى دين الله، وفي الحقيقة أن هؤلاء هم القوم الوسط، هم الذين يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا .
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، إن أعداءنا ليُهوِّنُون هذه الفتن في نفوسنا، إنهم يجلبونها إلينا بعد أن أفسدتهم ليُفسِدُونا بها كما فسدوا كما قال ربنا عزَّ وجل: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء: 89]، ومازال الناس في عصرنا هذا يُشاهدون ويسمعون كل وقت مظهرًا جديدًا من مظاهر الفتن، كل فتنة تأتي يستنكرها الناس ويشمئزون منها حتى إذا لانت نفوس بعضهم إليها جاءت فتنة أُخرى أعظم منها، وإن السعيد كل السعادة لَمَن وقي الفتن ومَن أُبتلي بها فلْيصبر على دينه ولْيثبت .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أُمَّتكم هذه جُعِلَ عافيتُها في أوَّلها وسيصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها وتجيء فتنة فيُرقِّقُ بعضُها بعضًا وتجيء الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنةُ فيقول المؤمنُ هذه هذه»، وهذه الجملة للتعظيم؛ يعني: هذه هي الفتنة الدَّاهية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فمَنْ أحبَّ أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنّة فَلْتأته منيتهُ وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه»(6) .
اللهم نسألك أن تقينا من الفتن، اللهم قِنَا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أَصْلح ولاة أمورنا، اللهم أَصْلح ولاة أمورنا صغيرهم وكبيرهم، اللهم أَبْعد عنهم كل بطانة سوء وأبدلهم ببطانة خير تدلّهم على الخير وتأمرهم به وتُبيِّن لهم الشر وتحذّرهم عنه .
اللهم إنا نسألك أن تُغيث بلادنا بصلاحنا وصلاح ولاتنا وصلاح وزرائهم وصلاح أُمرائهم وصلاح كل مَن يتولى لهذه الأمة أمرًا من أمورها، يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم قِنا الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنك جوادٌ كريم .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشْكره وقد تأذن بالزيادة لِمَن شكر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشركَ به وكفر، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله سيد البشر، الشافع المشفّع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى، اتّقوا الله تعالى وطهّروا قلوبكم من النفاق، طهِّروا قلوبكم من الشرك، طهِّروا قلوبكم من الشك، طهِّروا قلوبكم من كراهة ما أنزلَ الله على رسوله، واستعينوا الله تعالى على ذلك؛ فإن الله تعالى قال في أعظم سورة في كتابه والتي تقرؤونها في كل ركعة من صلواتكم والتي لا تصح صلاة الواحد منكم إلا بقراءتها، قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، فلم يقتصر الله - عزَّ وجل - على العبادة ولكنَّه قرَنَها بالاستعانة بالله، فاستعينوا الله تعالى على عبادته وتقواه وعلى جميع أموركم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمنُ القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»،«المؤمن القوي»؛ يعني: القوي في إيمانه؛ لأن الصفة إذا عادت إلى الموصوف كان المراد بها ما اشتق منه ذلك الوصف، فالمؤمن القوي في إيمانه أحب إلى الله من المؤمن الضعيف في إيمانه، ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي كلٍّ خير» في المؤمن الضعيف خير وفي المؤمن القوي في إيمانه خير ولكنّ المؤمن القوي في إيمانه أعظم خيرًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله»فقال عليه الصلاة والسلام: «احرص على ما ينفعك» ولم يقتصر على هذه الكلمة بل قال: «واستعن بالله»، فإذا لم يعنك الله - عزَّ وجل - على أُمورك فإنك لا تستطيع أن تقوم بها وإذا قمتَ بها قمتَ بها على وجه ضعيف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قلْ: قدر الله وما شاء فعل»(7) .
فاجتهدوا - أيها المسلمون - في إصلاح أنفسكم وفي إصلاح أهليكم وفي إصلاح مجتمعكم وفي إصلاح ولاتكم ولا تحقروا من الأمور شيئًا، بإمكان كل واحد إذا عثر على تقصير أو على شيءٍ مُخلٍّ أن يكتب إلى الجهة المسؤولة في هذا الأمر حتى يتبينَ لها؛ لأن المسؤولين قد يخفى عليهم كثير من الأمور ولكنّكم إذا ذكرتموهم بالكتابة فإنكم تحصلون على أمرين هامين، أحدهما: براءة ذممكم والثاني: إقامة الحجة على المسؤولين في هذا؛ لأن الله تعالى سوف يسألهم يوم القيامة، سوف يسألهم عمّا ولاهم عليه وعمّا استرعاهم عليه حتى يكون لهم الجواب في ذلك السؤال إما صوابًا وإما عجزًا ونكولاً .
أيها المسلمون، لا تحقروا أنفسكم في الكتابة إلى المسؤولين؛ فإن ذلك من إبراء ذممكم.
واتَّقوا الله - أيها المسلمون - وكونوا عونًا بعضكم على بعض في ذات الله وفي دين الله حتى يستتم الأمر على ما ينبغي .
اللهم أَصْلحنا وأَصْلح ولاتنا، اللهم أَصْلحنا وأَصْلح ولاتنا، اللهم أَصْلحنا وأَصْلح ولاتنا، اللهم أَصْلح لنا وأَصْلح بنا يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام .
و«اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة»(8) «فعليكم بالجماعة، عليكم بالجماعة، عليكم بالجماعة وهي: أن تجتمعوا على دين الله ولا تتفرّقوا فيه ومن ذلك: أن تجتمعوا على الصلوات الخمس في المساجد؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(9)، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جلَّ من قائل عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56] .
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتِّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم ارزقنا تقديم هَدْيِه على هدي كل أحد يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أَسْقنا من حوضه، اللهم أَدْخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيِّين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن أولاده الغر الميامين، وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا .
اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا غيثًا مُغيثًا، هنيئًا مريئًا، غدقًا مجلِّلاً، عامًّا نافعًا غير ضار .
اللهم أَسْقنا غيثًا تُحيي به البلاد، وتَرحم به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد .
اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أغثْ قلوبنا بالعلْم النافع والإيمان، اللهم إيمانًا لا كفر معه، ويقينًا لا شك معه، وإخلاصًا لا شرك معه واتِّباعًا لا بدعة معه، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا أرحم الراحمين .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم على نبيِّنا محمد وعلى صحبه أجمعين .
--------------------------
(1)أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الإيمان] باب: الحث على المبادرة بالأعمال الصالحة قبل تظاهر الفتن [169] .
(2)أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الصلاة] باب: تسوية الصفوف وإقامتها [169] ت ط ع .
(3)أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الإيمان] باب: الحياء من الإيمان [23]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الإيمان] باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما [52] ت ط ع.
(4)أخرجه الإمام الجليل البخاري -رحمه الله تعالى- وحجة واسعة في صحيحه، من حديث عقبة بن عمرو بن ثعلبة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [أحاديث الأنبياء] باب حديث الغار [3224_3225]، وأخرجه في كتاب [الأدب] باب: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت [5655] ت ط ع .
(5)أخرجه أبو داوود -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [اللباس] باب فيما تبدي المرأة من زينتها [3580] ت ط ع .
(6)أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الإمارة] باب: وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول [3431] ت ط ع .
(7)أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [القدر] باب: الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله [4816] ت ط ع .
(8)أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الجمعة] باب: تخفيف الصلاة والخطبة [1435] ت ط ع .
(9)أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب [الفتن] باب: ما جاء في لزوم الجماعة [2093] ت ط ع .