السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين..
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وتفقهوا في دينكم في عقائده وفي أحكامه فإن ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )(1)تعلموا أيها المسلمون شرائع الله لتعبدوا الله على بصيرة وتدعوا إليه على بصيرة فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنا معشر الأنبياء لنورث وإنما ورّث الأنبياء العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظٍ وافرٍ من ميراثهم)(2) اطلبوا العلم فإنه زخرٌ لكم في الحياة وبعد الممات قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان أنقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٌ صالحٌ يدعو له)(3) اطلبوا العلم يكن لكم لسان صدق في الآخرين فإن آثار العلم تبقى بعد فناء أهله فالعلماء الربانيون لم تزل آثارهم محمودة وطريقتهم مأثورة وسعيهم مشكوراً وذكرهم مرفوعاً إن ذكروا في المجالس امتلأت المجالس بالثناء عليهم والدعاء لهم وإن ذكرت الأعمال الصالحة والآداب العالية كانوا قدوة الناس فيها أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها اطلبوا العلم مبتغين به الأجر من الله عز وجل لا لتنالوا عرضاً من الدنيا ( فإن من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرفْ الجنة يوم القيامة أي لم يجد ريح الجنة )(4) اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن أنفسكم فإن الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ولا علم إلا بالتعلم اطلبوا العلم لترفعوا به الجهل عن عباد الله فتنشروا العلم بين الخلق فإن على أهل العلم حق تبليغه قال النبي صلى الله عليه وسلم (بلّغوا عني ولو آية)(5) وقال(ليبلغ الشاهد منكم الغائب )(6) اطلبوا العلم لتحفظوا به شريعة الله فإن الشريعة تحفظ بشيئين بالكتابة وبالحفظ في الصدور وهو العلم اطلبوا العلم لتدافعوا به عن شريعة الله فإن الدفاع عن الشريعة إنما يكون برجال الشريعة أرأيتم لو أن رجلاً ضالاً مبتدعاً أو ملحداً أو مخرفاً قام يدعو إلى ضلالته بين قومٍ لا علم عندهم فهل يستطيع أحد منهم أن يبين ضلالته ويحمي الشريعة من عدوانه ولو قام هذا الضال يدعو إلى ضلالته وحوله من كتب الحق والهدى ما لا يحصى فإن هذه الكتب لن يقفز منها كتابٌ واحدٌ يبين ضلالته ويكبح عدوانه ولو قام هذا الضال يدعو إلى ضلالته في قومٍ بينهم عالم لقام هذا العالم مبيناً ضلاله داحضاً حجته مبطلاً لدعوته إذن فهذه قيمة طالب العلم اطلبوا العلم لتدعوا به إلى الله عز وجل فإن الدعوة إلى الله لا تتم بدون العلم وكم من شخصٍ نصب نفسه داعيةً إلى الله لكنه لا علم عنده فلا تكمل دعوته ولا تتم وربما تكلم عن جهلٍ فأفسد أكثر مما يصلح قال الله تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108] أيها الناس إن طلب العلم من أفضل الأعمال لما فيه من هذه المطالب العالية لاسيما في وقتنا هذا الذي كثر فيه طلب الدنيا والتكالب عليها وكثر فيه القراء العارفون دون الفقهاء العاملين إن ثمرة العلم العمل والدعوة إلى الله به فمن لم يعمل بعلمه كان علمه وبالاً عليه ومن لم يدعو الناس به كان علمه قاصراً عليه من عمل بما علم ورثه الله علم ما لا يعل﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [ محمد:17]ومن ترك العمل بما علم أوشك أن ينزع عنه العلم ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة: 13] وقد قيل العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا أرتحل وقيل قيدوا العلم بالعمل كما تقيدونه بالكتابة أيها الناس إن لنيل العلم طريقين أحدهما أن يتلقى ذلك من الكتب الموثوق بها والتي ألفها علماء مرضيون بعلمهم وأمانتهم والثاني أن يتلقى العلم من معلمٍ موثوقٍ به علماً وديانة ولكن هذه الطريق أعني طريق تلقي العلم عن المعلم أسلم وأسرع وأثبت للعلم لأن الطريق الأول طريق التلقي من الكتب قد يضل فيه الطالب وهو لا يدري إما لسوء فهمه أو قصور علمه أو لغير ذلك ولأن الطريق الثاني طريق تلقي العلم من معلم تكون فيه المناقشة والأخذ والرد بين الطالب والمعلم فينفتح للطالب بذلك أبوابٌ كبيرةٌ في الفهم والتحقيق وكيفية الدفاع عن الأقوال الصحيحة ورد الأقوال الضعيفة وإن جمع الطالب بين الطريقين التلقي من الكتب ومن المعلمين كان ذلك أكمل وأتم وليبدأ الطالب بالأهم فالأهم وبمختصرات العلوم قبل مطولاتها حتى يكون مترقياً من درجةٍ إلى ما فوقها فلا يصعد إلى درجةٍ إلا وقد تمكن مما تحتها ليكون صعوده سليماً أيها الناس إن طلب العلم فرض كفاية فالقائم به قائمٌ بفرض وما تقرب أحد إلى الله بشيءٍ أحب إليه منما أفترضه عليه وإذا أحتاج الإنسان إلى نوعٍ منه كان فرض عينٍ عليه فعلى من أراد الوضوء مثلا أن يتعلم كيف يتوضأ وعلى من أراد الصلاة أن يتعلم كيف يصلي وعلى من عنده مال أن يتعلم كيف يزكيه وعلى من يدفع الزكاة وعلى من أراد الصوم أن يتعلم كيف يصوم وماذا يصوم عنه وعلى من أراد الحج أن يتعلم كيف يحج حتى يعبد الله على بصيرةٍ وبرهان وعلى من أراد البيع والشراء أن يتعلم ما يكون به البيع الصحيح من البيع الباطل وعلى من أراد أن يسبّل شيئاً من ملكه أن يعرف كيف يسبله وعلى أي وجهٍ يصرفه إلى غير ذلك من الأبواب الكثيرة التي يجب على من أحتاج باباً معيناً منها أن يتعلم أحكام الله فيه أيها المسلمون اعبدوا الله تعالى على بصيرة ولا سبيل لكم إلى ذلك إلا بالعلم فاسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم للهدى والرشاد اللهم وفقنا جميعا للهدى والرشاد اللهم جنبنا الضلال والغي والفساد اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا رب العالمين إنك جواد كريم اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
الحمد لله الذي علّم بالقلم علم الإنسان ما لا يعلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم الأكرم وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من دعى إلى الله وعلّم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وسلم..
أيها الناس اتقوا الله تعالى وإني أنبه شبابنا طلبة العلم أنبههم إلى أن يتفطنوا لمسألةٍ هامة وهي أن طلبهم للعلم جهادٌ في سبيل الله عز وجل فهم كالذين يقاتلون في الميدان أو كالذين يصنعون الدبابات والصواريخ والمدافع ليهاجموا بها أعداء المسلمين ويكفوهم عن المسلمين والإسلام لأن الله عز وجل جعل التفقه في دين الله قصيماً للجهاد في سبيل الله وقال الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾ [التوبة: 122] أي ما كان لهم أن ينفروا جميعاً للجهاد في سبيل الله ﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَة﴾[التوبة: 122] أي وبقي طائفة ﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122 ] فجعل بقاء هؤلاء الذين بقوا ولم يخرجوا في الجهاد لكن بقوا ليفقهوا في سبيل الله بمنزلة الذين خرجوا للجهاد في سبيل الله ولا شك أن تعلم العلم أعم وأشمل من الجهاد في سبيل الله لأنه يدخل في جميع الدين في عقائده وأحكامه فلا يعرف الإنسان كيف يقول في صفات الله عز جل وكيف يعتقد في صفات الله إلا بالعلم ولا يعرف كيف يتطهر وكيف يصلي وكيف يزكي وكيف يصوم وكيف يحج وكيف يعلم وكيف يعمل وكيف يتخلّق بالأخلاق الفاضلة إلا بالعلم إذن فالعلم داخلٌ في جميع شؤون الحياة في العبادات والأخلاق والمعاملات فلهذا كان تعلم العلم الشرعي جهاداً في سبيل الله عز وجل بل قال بعض أهل العلم إنه أفضل من الجهاد بالسلاح لأنه لا يمكن ولا الجاهد بالسلاح إلا أن يكون لدى الإنسان علمٌ بشريعة الله ومعرفة وبهذا أنبه أخواني طلبة العلم من الشباب وغيرهم إلى أنهم إذا كانوا في مجلس العلم فكأنهم كالذين يصنعون القنابل ويصنعون الصواريخ ويصنعون الدبابات لجهاد أعداء الله تعالى بها إذن فهم في جهادٍ في سبيل الله لهذا ينبغي لهم أن يشعروا هذا الشعور عند تلقيهم العلم وعند دراستهم العلم وعند حفظهم العلم وعند مناقشتهم العلم حتى تكون جميع أوقاتهم أو غالب أوقاتهم جهاداً في سبيل الله عز وجل أيها المسلمون إن بلادنا هذه أعني المملكة العربية السعودية منها خرج الإسلام ومنها بدأ وإليها يعود فالإسلام خرج من مكة ثم المدينة وسيرجع إلى المدينة كما ترجع الحية إلى جحرها ولهذا كانت بلادنا هذه وهي قمة بلاد الإٍسلام في تطبيق شريعة الإسلام اليوم وهي أم الإسلام لأن فيها أم القرى التي يؤمها المسلمون في كل يوم في صلواتهم إن بلادنا هذه الآن مغزوةٌ من كل جانبٍ من الأعداء يغزونها في جانب العقائد ويغزونها في جانب العبادة ويغزونها من جانب الأخلاق ليدمروا دين هؤلاء القوم الذين هم أقوم الناس بدين الله اليوم فيما نعلم لهذا يجب علينا نحن في هذه البلاد يجب علينا أن نكرس جهودنا على تعلم العلم الشرعي في العقيدة وفي العبادة وفي المعاملات وفي الأخلاق لنكون بإذن الله وعونه توفيقه درعاً حصيناً لشريعة الله التي بعث بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم وإن الناس اليوم في ضرورةٍ إلى طلب العلم الشرعي أكثر من أي وقت مضى على هذه البلاد فيما أعلم لأني أرى وأسمع الشرعي أموراً عظيمة موجهةً إلى هذه البلاد إن لم نقابلها بسلاح العلم الحقيقي المبني على المنقول والمعقول فإن هذه الأفكار وهذه الأخلاق سوف تكتسح بلادنا لا قدر الله ذلك فاسأل الله تعالى أن يقيم من شبابنا شباباً صالحاً متعلماً يتعلم بهدوء ويأمر بهدوء ويدعو إلى الله بهدوء على بصيرةٍ وحكمة إنه ولي ذلك والقادر عليه فهيا أيها الشباب هيا إلى تعلم العلم الشرعي من معادنه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتكونوا شباب الإسلام في الجهاد بالكتاب والسنة كما كان شبابكم فيما سلف يجاهدون بذلك ويجاهدون بالسلاح احموا دينكم احموا بلادكم عن أعدائكم الذين يتربصون بكم وببلادكم الدوائر فاسأل الله أن يجعل دائرة السوء عليهم وأن يجعل كيدهم في نحورهم وأن يسلّم المسلمين المؤمنين من شرهم إنه جوادٌ كريم أيها المسلمون أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم وإمامكم وقائدكم إلى ربكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأعلموا أن من صلى عليه مرةً واحدة صلى الله عليه بها عشرة اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته وأتباعه ظاهراً وباطناً اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أعز المقاتلين في سبيلك اللهم أعز المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم كن معهم ولا تكن عليهم يا رب العالمين اللهم من أراد المسلمين بسوءٍ فاجعل كيده في نحره وشتت شمله وفرق جمعه وأهزم جنده واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم اللهم صلي على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.
------------------------
(1) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحة في كتاب العلم ( 69 ) وأخرجه الإمام مسلم في صحيحة في كتاب الزكاة ( 1721 ) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما.
(2) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده ( 9593 ) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(3) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحة في كتاب الوصية ( 3084 ) منة حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(4) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده ( 8103 ) وأبو داود رحمه الله تعالى في سننه في كتاب العلم ( 3179 ) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
(5) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى ( 3202 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه.
(6) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحة في كتاب العلم ( 102) وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحة في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات ( 3180 ) من حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه.