قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع من الفتاوى
((من أدى بعض الواجبات دون بعض ؛ فإن ذلك يقبل منه . ولكن المعتزلة لهم أصل فاسد وافقوا فيه الخوارج في الحكم وإن خالفوهم في الاسم فقالوا : إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار ولا يخرجون منها بشفاعة ولا غيرها وعندهم يمتنع أن يكون الرجل الواحد ممن يعاقبه الله ثم يثيبه ؛ ولهذا يقولون : بحبوط جميع الحسنات بالكبيرة . وأما الصحابة وأهل السنة والجماعة : أن أهل الكبائر يخرجون من النار ويشفع فيهم وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات ؛ ولكن قد يحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة ولا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته . وكتاب الله عز وجل يفرق بين حكم السارق والزاني وقتال المؤمنين بعضهم بعضا وبين حكم الكفار في " الأسماء والأحكام " .
والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة يدل على ذلك كما هو مبسوط في غير هذا الموضع . وعلى هذا تنازع الناس في قوله : { إنما يتقبل الله من المتقين } فعلى قول الخوارج والمعتزلة لا تقبل حسنة إلا ممن اتقاه مطلقا فلم يأت كبيرة ، وعند المرجئة إنما يتقبل ممن اتقى الشرك فجعلوا أهل الكبائر داخلين في اسم " المتقين " ، وعند أهل السنة والجماعة يتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره . ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره . والتوبة من بعض الذنوب دون بعض كفعل بعض الحسنات المأمور بها دون بعض إذا لم يكن المتروك شرطا في صحة المفعول كالإيمان المشروط في غيره من الأعمال كما قال الله تعالى : { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا } وقال تعالى : { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة } وقال : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون })).
مجموع الفتاوى (10/ 321-322-323)
منقول