الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فهذه فائدة عظيمة أنقلها لكم إخوة الإيمان لعل الله عزوجل ينفعكم بها ، و تكمن هذه الفائدة في سر دخول الباء في قوله : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)[الواقعة:74] ولما لم تدخل في قوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى )[الأعلى:01]؟
قال العلامة ابن القيم الجوزية رحمه الله: '' قيل : التسبيح يراد به التنزيه والذكر المجرد دون معنى آخر ويراد به ذلك مع الصلاة وهو ذكر وتنزيه مع عمل([1]) ولهذا تسمى الصلاة تسبيحا فإذا أريد التسبيح المجرد فلا معنى للباء لأنه لا يتعدى بحرف جر لا تقول سبحت بالله وإذا أردت المقرون بالفعل وهو الصلاة أدخلت الباء تنبيها على ذلك المراد كأنك قلت سبح مفتتحا باسم ربك أو ناطقا باسم ربك كما تقول صل مفتتحا أو ناطقا باسمه ولهذا السر والله أعلم دخلت اللام في قوله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)[ الحديد :01] والمراد التسبيح الذي هو السجود والخضوع والطاعة ولم يقل في موضع سبح الله ما في السموات والأرض كما قال : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )[ الرعد :15 ] وتأمل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)[ الأعراف: 206 ] فكيف قال: ( ويسبحونه) لما ذكر السجود باسمه الخاص ، فصار التسبيح ذكرهم له وتنزيههم إياه ''([2]).
فرحم الله العلامة ابن القيم رحمة واسعة و جعل هذا العمل في ميزان حسناته و الله أسأل أن ينفعني و إياكم بالقرآن العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
[1]: قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى(16/125) : ''والأمر بتسبيحه يقتضي أيضا تنزيهه عن كل عيب وسوء ، وإثبات صفات الكمال له ، فإن التسبيح يقتضي التنزيه ، والتعظيم ، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها ، فيقتضي ذلك تنزيهه ، وتحميده ، وتكبيره ، وتوحيده "
[2]: بدائع الفوائد (29/1-35) و انظر التفسير القيم (ص:464).