فهنا سؤال: كيف يكون الشكر؟ وما موارد الشكر؟ وبم يكون العبد شاكرا؟
الشكر:
° يكون باللسان.
° ويكون بالجوارح؛ يعني بالأعضاء.
° ويكون بالقلب.
فالشكر له ثلاثة أركان، من اجتمعت في حقه كان شاكرا تام الشكر:
* أن يكون شاكرا بقلبه.
* شاكرا بلسانه.
* شاكرا بعمله.
أما شكر القلب فأن يعترف العبد لله جل وعلا بأنّه هو الذي أسدى النعم، وهذه قد تفوت بعض الناس، فيظن أن النعم جاءته من جرّاء عمله، أو من جراء جهده، كما قال الأول الهالك {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}[القصص:78]، وهذه يأتي الشيطان إلى العبد بها فيقول: اجتهدت فحصلت كذا، وفعلت فحصلت كذا. فينسب ما جاءه من النعم وما حصله من الخيرات؛ ينسب ذلك إلى نفسه، والله جل وعلا هو الذي أعطاه ولو منعه سبحانه لما حصل شيئا.
إذن شكر القلب أن يعترف العبد بالنعمة باطنا بأن الله جل وعلا هو الذي أعطى، من الذي أعطانا الأمن والطمأنينة في هذه البلاد؟ ربنا جل وجلاله، من الذي آلف بين قلوب الناس ووحد قلوب أهل الإيمان ربنا جل وعلا لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وهو النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}[الأنفال:63] فشكر النعمة أن تكون بقلبك في أول مواردها، معتقدا أنه ما ثَمّ نعمة إلا من الله كما سبحانه {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}[النحل:53]، قوله {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} يقول أهل العلم: إن هذا تنصيص صريح في العموم لا يخرج عنه فرد من أفراده. يعني أنه ليس ثَم نعمة إلا وهي من الله جل جلاله.
فإذن اعتراف العبد واعتقاده بقلبه أن النعمة التي يتقلب فيه إنما هي من الله هذا دليل أن العبد حاز هذا الركن من الشكر، وهو أنه صار قلبه شاكرا لربه جل وعلا {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}[الإسراء:3] شاكرا لله بقلبه، شاكرا لله بلسانه شاكرا لله جل وعلا بعمله.
إذا كان كذلك، فما الذي يصنعه العباد؟
يصنع العباد بعضهم لبعض أسباب حدوث النعم، الله جل وعلا أجرى سنته أن الشيء يحصل بشيء
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}[الكهف:89]، الأسباب مُقامة تنتج المسببات، تنتج النتائج، فالعبد أكرمه الله جل وعلا أن كان سببا في الخير، ولهذا يُشكر الإنسان، يشكر من عمل خيرا؛ لأن صنع ذلك بمحض اختياره وإرادته، وفي الحقيقة أن الذي قيَّضه هذا الأمر وأعانه عليه إنما هو ربنا جل جلاله، هو الذي حضه وهو الذي يسّر ذلك، وهو الذي وفق وهو الذي أعان.
فإذن شكر الله جل وعلا بالقلب أن نعترف أن الله سبحانه هو الذي أدى هذه النعمة، وهو الذي أعطى العباد، وأنه ما ثَمّ نعمة إلا من الله جل جلاله، ثم تشكر الناس؛ لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله جل وعلا؛ لكن الناس أسباب وليسوا بفاعلي النعم ومعطي النعم من أنفسهم، وإنما الله جل علا هو الذي قيّضه.
والركن الثاني من أركان الشكر أن يكون العبد شاكرا بلسانه وهذا هو الذي يعيه أكثر المسلمين من كلمة الشكر؛ يعني أن يقول الحمد لله أن يقول الشكر لله على هذه النعم ويُثني على الله جل وعلا بلسانه، وهذا نوع من أنواع الشكر كما أحدث الله جل وعلا لعبد نعمة إلا وهو يستحق شكرا عليها شكر اللسان بأنْ تنسب هذه النعمة لله جل وعلا، وأن تثني على الله جل وعلا بها وأن تشكر من كان سببا فيها.
فإذن شكر اللسان له ثلاث موارد:
* أن تنسب هذه النعمة لله جل وعلا، لهذا قال بعض العلماء الصالحين: ليس مني شيء، وليس إلي شيء، إنما هو من الله جل جلاله.
* ثم تتحدث بلسانك مثنيا على الله شاكرا الله جل وعلا على النعم.
* وثالثا ذا كان ثم متسبب في إحداث هذه النعمة والدك تسبب في نعمة إيجادك وأن منت مسلما موحدا من له فضل عليك من عالم أو مربي أو أخ لك أو إلى آخره، فتشكر من يستحق الشكر؛ لأن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ صح عنه أنه قال «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»؛ يعني من لم يشكر الناس، من أحدث له نعمة، من تسبّب في نعمة فلم يشكره لم يشكر الله جل وعلا؛ لأنه يكون جاحد بعض ما أنعم الله جل وعلا به عليه.
الثالث من الشكر أن يكون العبد شاكرا بعمله، وهذا من أعظم أنواع الشكر، فكل طاعة تُحدثها لله جل جلاله فهي شكر لله تعالى، وكل قربة تتقرب بها إلى ربك جل وعلا فهي شكر، وأعظم ما يكون الشكر به الشكر لله جل وعلا بأعظم الحسنات، وهي حسنة التوحيد، فحسنة لا إله إلا الله محمد رسول الله هذه أعظم أنواع الشكر بالعمل؛ لأن العبد كان موحدا فقد أتى بأعظم أنواع الشكر العملي ألا وهو التوحيد والتوحيد منه مورد قلبي.
قال سبحانه في سورة سبأ {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ:13]؛ يعني اعملوا آل داوود عملا يكون شكرا وقليلٌ من عبادي الشكور بعمله، فالعمل موردٌ من موارد الشكر، والشكر يكون بالقلب وللسان ويكون بالعمل، فتوحيد المؤمن شكر وصلاة المؤمن شكر، وتقربه إلى الله بالفرض وبالنفل شكر، تلاوته للقرآن شكر، وهكذا في أنواع الطاعات، تعامله مع والديه برّه بأهله، صلة الأرحام، وهكذا هذه شكر لله جل وعلا.
لهذا ينبغي العناية لهذا الأصل العظيم؛ لأن نعم الله جل وعلا تطرى، والسعيد من إذا أعطي شكر:
شكر بقلبه معترفا متذلل لله لأنه هو الذي أسدى هذه النعم.
شكر بلسانه وتحدث بالنعمة ولم يكتمها، ليس كالذي لا يشكر ليس عندي شيء ولا أملك شيء فيكتم نعمة الله جل وعلا التي أعطاه، والله سبحانه والله سبحانه قال {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى:11] يعني اشكر الله جل وعلا على النعمة بلسانك وتحدث بها لا تكتم نعمة الله جل وعلا عليك.
وكذلك شكرك لله جل وعلا على النعم وعلى العطية يكون بأنواع الصالحات.
فإذن زِن الأمر مع نفسك ما مقدار شكرك لله جل وعلا، فكلما زادت العقيدة في قلب الموحد زاد شكره، وكلما زاد ثناؤه على الله بلسانه زاد شكره، وكلما قوي عمله الصالح زاد شكره لله جل وعلا، وكلما كثرت معاصيه قلّ شكره لله جل وعلا؛ لأن حق الله أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر جل جلاله.
المصدر الصوتي
عنوان السّعادة
فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
منقول