قال الإمام ابن بطه العُكبري- رحمه الله -:" ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ اعْتِقَادُ الدِّيَانَةِ بِالنَّصِيحَةِ لِلْأَئِمَّةِ وَسَائِرِ اَلْأُمَّةِ فِي اَلدِّينِ وَالدُّنْيَا وَمَحَبَّة الْخَيْرِ لِسَائِرِ اَلْمُسْلِمِينَ, تُحِبُّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ, وَتَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ"
قال الشيخ محمد بن هادي حفظه الله:
النصيحة لأئمة المسلمين أصل عظيم عندنا نحن المسلمين؛ وهو من الأصول التى ندين الله بها، وبقيامنا بها ينتظم أمر الحياة الدنيا، ويستقيم الدين مع الولاة الذين يلوننا؛ وقد بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرضها علينا كما في حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )).
فأئمة المسلمين تجب لهم علينا النصيحة ابتداءً؛ وإذا قام الموجب لها تتأكد.
ونصيحة ولاة أمور المسلمين تكون بالدعاء لهم بالخير والسداد والتوفيق، وبصلاح الحال، والدعاء لهم بصلاح البطانة، وتسديدهم فيما يُرى أن فيه النقص، وذلك بتنبيههم وتذكيرهم حتى يستدركوه، وكذلك تألف قلوب عامة المسلمين عليهم حتى تتحد الكلمة وينتظم الصف ويجتمع الشمل.
وذكر محاسنهم بين الناس، وعدم ذكر مساوئهم ومعايبهم بين الناس، والحث على السمع لهم والطاعة في طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعدم غرهم بالمدح الكاذب والتملق إليهم الكاذب؛ وإنما يمحضون بالنصح ويخصون به لأن في صلاحهم صلاح العباد والبلاد، وهذا الحديث قد أوجب علينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النصيحة للأئمة المسلمين.
فلا يجوز لمسلمٍ أن يبيت غاشًا لإمام المسلمين ولا يرى ما يُوجب عليه النصيحة، ولا ينصح فإن النصيحة عليه واجبة بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لأنه إذا صلح هؤلاء فالصلاح أكثر لأن صلاحهم نفعه متعدٍ إلى الآخرين؛ فينبغى أن يحرص على ذلك.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يأخذ البيعة على أصحابة بالنصيحة كما في حديث عبادة في البيعة في العقبة أنه أخذ عليهم البيعة بالسمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره والنصح لكل مسلم.
فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشترط هذا على أصحابه في المبايعة - صلوات الله وسلامه عليهم- فأولى الناس منا بالنصيحة هم الولاة والحكام؛ لأن صلاحهم متعدٍ، ونفعهم متعد إلى غيرهم؛ فإن استقاموا استقامت الرعية، وإن اعوجوا اعوجت الرعية.
فالأولى بك أن تحرص على ما كان نفعه متعديًا، فتحرص عليه؛ فهذا أصل من الأصول عندنا نحن معاشر المسلمين أهل السنة فلا تنطوي قلوبنا على غش لولاة أمرنا، ولا لأمرائنا ولا لسلاطيننا؛ ندعو لهم بالصلاح والمعافاة، ونرى أن طاعتهم فريضة ما دامت في طاعة الله- تبارك وتعالى- ونرى الخروج عليهم محرمًا؛ ونسعى جاهدين في تأليف القلوب عليهم لما في ذلك من الخير العظيم.
ثم النصح لسائر الأمة من إخواننا المسلمين؛ إذا رأيت أخاك المسلم في أمر مخالف يوجب له عليك النصح قمت بذلك سواءً كان الدين أو في الدنيا؛ رأيته يوسيء في صلاته تنصح له فهذا من دين الله - تبارك وتعالى - رأيته سيء في بعض معاملاته تنصح له وهكذا.
وأيضًا من اعتقاد أهل السنة محبة الخير لسائر المسلمين وهذا ضابطه ما ذكره المصنف محبة الخير لسائر إخوانك المسلمين تحب لهم الخير وتكره لهم الشر؛ ضابطه هو ما ذكره المصنف -رحمه الله تعالى- : " أن تُحِبُّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ, وَتَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ"
فإذا أحببت لإخوانك المسلمين ما أحببته لنفسك وكرهت لهم ما تكرهه لنفسك فقد نصحت لهم، والنصيحة للناس من أخلاق الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - قال الله -جلَّ وعلا- عن هود: ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ [ الأعراف:68] يقول لقومه - عليه الصلاة والسلام- ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ [ الأعراف:68] يعني حينما أمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وحذرهم من الشرك، وبين لهم ما أعده الله لمن أطاعه وما أعده لمن عصاه، قال: ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ [ الأعراف:68].
وقال - جلَّ وعلا - عن صالحٍ - عليه الصلاة والسلام - مخاطبًا قومه في هذا الباب: ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف:79]
فالواجب على كل عاقل أن يقبل النصيحة من أخيه إذا بذلها له، وبين له الغلط ووضحه له ودلل عليه، فلا يجوز له أن يتكبر على النصيحة، وتأخذه العزة بالإثم؛ كما أنه لا يجوز للأول أن يسكت عن أخيه وهو يراه على الخطأ؛ فإن الذي ينصح لك هو الذي يحبك، لمَّ؟! لأنه يحب لك ما يحبه لنفسه؛ ويكره لك ما يكرهه لنفسه في أمور الدين والدنيا.
المصدر
الإبانة الصغرى - الدرس الثالث
الشيخ محمد بن هادي المدخلي
حفظه الله تعالى