الرد على ما أثير حول الفوائد المصرفية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه؛ نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيلهم واتبع هداهم إلى يوم الدين، أما بعد:
[1]
فقد اطلعت على ما نشرته مجلة (منار الإسلام) - في عددها الثالث، الصادر في ربيع الأول من عام 1404هـ، السنة التاسعة - من إعلان إحدى دوائر المحكمة الاتحادية العليا في إحدى الدول العربية، بعض المبادئ بخصوص الفوائد المصرفية، والتقاضي بشأنها أمام المحاكم، وما تضمنته: من أن الفائدة البسيطة للقرض تجوز استثناءً من أصل تحريم الربا إذا دعت الحاجة إليها، واقتضتها المصلحة، واعتبار أن البنوك في حالتها الراهنة، ووفقاً لأنظمتها العالمية، تتطلبها حاجة العباد، ولا تتم مصالح معاشهم إلا بها.
وأن المحاكم لا تملك الامتناع من القضاء بالفوائد؛ بمقولة أن الشريعة تحرم الفائدة، وأنه ليس للقاضي في حالة الفائدة الاتفاقية إلا أن يحكم بها.
وأخيراً: القول بجواز الفائدة البسيطة ما دامت في حدود 12 % في المسائل التجارية، و 9 % في غيرها، واعتبارهم أن هذه الفوائد في تلك الحالات لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية - التي تلتزم بها تلك الدولة المسلمة -.
وإنني أستغرب جداً هذه الخطوة الجريئة على إعلان هذه المبادئ الغريبة، التي تحمل انتهاكاً لحرمات الله وتعاليم شريعته السمحة، المعلومة في دين الإسلام من نصوص القرآن الصريحة، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وخاصة أنها أعلنت في ظل دولة إسلامية يرأسها رجل مسلم، وفي هذه البادرة الخطيرة افتراء على الإسلام وتحليل لما هو من أشد المحرمات في شريعة الله.
ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الربا بجميع أشكاله وألوانه في كتابه العزيز في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ[2]، وقال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[3]، وقال: وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ[4]، وقال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ[5].
وهذا الأسلوب الشديد يدل على أن الربا من أكبر الجرائم وأفظعها، وأنه من أعظم الكبائر الموجبة لغضب الله، والمسببة لحلول العقوبات العاجلة والآجلة؛ قال سبحانه وتعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[6].
وقال عليه الصلاة والسلام: ((اجتنبوا السبع الموبقات))؟ قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال:((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))[7]، ومعنى الموبقات: المهلكات.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها مثل إتيان الرجل أمه))[8].
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه: ((لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء)) [9] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ، والمعطي فيه سواء))[10] رواه مسلم.
فهذه الآيات والأحاديث وغيرها تؤكد حرمة الربا قليله وكثيره، وتبين خطره على الفرد والمجتمع، وأن من تعامل به أو تعاطاه فقد أصبح محارباً لله ورسوله، وليس بين جميع أهل العلم خلاف في تحريم ذلك؛ لصراحة النصوص فيه.
وكيف يجيز المسلم الغيور على دينه، الذي يؤمن بأن هذا الإسلام العظيم جاء ديناً شاملاً كاملاً، متضمناً جلب المصالح ودرء المفاسد، صالحاً للتطبيق في كل العصور والأمكنة، كيف يجيز لنفسه إباحة الربا والتعامل به؟!
وإن هذه المبادئ - التي أعلنتها إحدى دوائر المحكمة الاتحادية العليا في تلك الدولة؛ لتحليل ما حرمه الله ورسوله؛ بحجة قيام الحاجة إليه - فيها جرأة على الله، ومحاداة لأحكامه، وقول عليه بغير علم.
وحاجة الناس إلى المصارف، لا تكون إلا بسيرها على أسس من الشريعة الإسلامية؛ بإحلال ما أحله الله وتحريم ما حرمه، فإذا كانت خلاف ذلك فهي شر وفساد.
وأحكام شريعة الله ثابتة وقطعية؛ لأنها صدرت من عزيز حكيم، يعلم شئون عباده وما يصلح أحوالهم، ولا يجوز لنا تحكيم الرأي أو الهوى أو ما أشبههما في تحليل حرام أو تحريم حلال.
وامتثالاً لأمر الله ورسوله في وجوب التناصح بين المسلمين؛ وأداء لما يجب على مثلي من البيان والتحذير عما حرمه الله ورسوله، جرى تحرير هذه الكلمة الموجزة.
وأسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، والنصح لله ولعباده، والحذر من كل ما يخالف شرعه المطهر؛ إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[1] رد من سماحته على ما نشرته مجلة (منار الإسلام)، ونشر في مجلة (الدعوة)، العدد: 946، ومجلة (البحوث الإسلامية)، العدد: 13، عام 1405.
[2] سورة البقرة، الآيتان، 275، 276.
[3] سورة آل عمران، الآية 130.
[4] سورة الروم، الآية 39.
[5] سورة البقرة، الآيتان 278، 279.
[6] سورة النور، الآية 63.
[7] رواه البخاري في (الوصايا)، باب (قول الله: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً)، برقم: 2767، وفي (الحدود)، باب (رمي المحصنات)، برقم: 6857، ومسلم في (الإيمان)، باب (بيان الكبائر وأكبرها)، برقم: 89.
[8] رواه الطبراني في (المعجم الأوسط)، برقم: 7251، ج7، ص: 158، ط / دار الحرمين بالقاهرة.
[9] رواه مسلم في (المساقاة)، باب (لعن آكل الربا ومؤكله)، برقم: 1598.
[10] رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة)، (مسند أبي هريرة)، برقم: 7131، وفي (مسند الأنصار)، (حديث أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -)، برقم: 21825، ومسلم في (المساقاة)، باب (الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً)، برقم: 1584، وبرقم: 1588.