معنى حديث على كل مسلم صدقة
في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( على كل مسلم صدقة ) قيل :
أرأيت إن لم يجد؟ قال : ( يَعْتَمِلُ بيديه فينفع نفسه ويتصدق ) ، قال : أرأيت إن لم يستطع؟ قال :
( يعين ذا الحاجة الملهوف ) ، قال : قيل له : أرأيت إن لم يستطع؟ قال : ( يأمر بالمعروف أو
الخير ) ، قال : أرأيت إن لم يفعل؟ قال : ( يمسك عن الشر فإنها صدقة ) .
وفي الصحيحين عن أبي ذر قال : قلت : يارسول اللّه ، أي الأعمال أفضل؟ قال : ( الإيمان باللّه ،
والجهاد في سبيله ) قال : قلت : أي الرقاب أفضل؟ قال : ( أَنْفَسُها عند أهلها ، وأكثرها ثمنًا )
قال : قلت : فإن لم أفعل ، قال : ( تعين صانعًا ، أو تصنع لأخْرَق ) قال : قلت : يارسول اللّه ،
أرأيت إن ضَعُفْتُ عن بعض العمل؟ قال : ( تكف شرك عن الناس ، فإنها صدقة منك على نفسك ) .
ففي هذا الحديث أنه أوجب الصدقة على كل مسلم ، وجعلها خمس مراتب على البدل :الأولي الصدقة
بماله ، فإن لم يجد اكتسب المال فنفع وتصدق . وفيه دليل وجوب الكسب ، فإن لم يستطع فيعين
المحتاج ببدنه ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يفعل فيكف عن الشر . فالأوليان تقع بمال إما
بموجود أو بمكسوب ، والأخريان تقع بِبَدَنٍ إما بيد وإما بلسان .
وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يصبح على كل سُلامَي من
أحدكم صدقة ؛ فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ،
وأَمْرٌ بالمعروف صدقة ، ونَهْي عن المنكر صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحي ) ،
ففي هذا الحديث أنه جعل الصدقة الكلمات الأربع . والأمر والنهي ، وركعتا الضحي كافيتان .
وفيه عنه ، أن ناسًا من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم :
يارسول اللّه ذهب أهل الدُّثُور بالأجور ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون
بفضول أموالهم ، قال : ( أَوَليس قد جعل اللّه لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة
صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة ،
وفي بُضْعِ أحدكم صدقة ) . قالوا : يارسول اللّه ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : (
أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) .
قلت : يشبه واللّه أعلم أن يكون قوله : صدقة أي : تقوم مقام الصدقة التي للأغنياء ،فيكون الحديث
الثاني مفسرا للأول ، بخلاف حديث أبي موسى فإنه موجب للصدقة ، أو تكون صدقة نفسه على
نفسه ، كما في حديث أبي ذر المتقدم تكف شرك عن الناس .
مجموع فتاوي ابن تيمية (الجزء الثامن عشر صفحة ٢١٣ مجلد ٩)