بسم الله الرحمن الرحيم
السّؤال :
سائل يقول : ( هل في نفي العمل الذي يختصّ بالأركان الأربعة يعتبر نفى جنس العمل ويكون مرجئا؟ وهل جنس العمل محصور في الأركان الأربعة؟ ) إهـ.
الجواب :
( الذين يقولون جنس العمل إلى الآن لم يفسّروا لنا مقصودهم، مقصودهم غير واضح، فإنّ أهل السّنة و الجماعة اختلفت أقوالهم في التّكفير بهذه الأركان.
فمن أهل السّنة من يكفّر بترك واحد من هذه الأركان، ولو ترك الحجّ عند بعضهم كافر، لو ترك الزّكاة عندهم كافر، تركها عمدا يعني غير جاحد، ولو ترك الصّلاة من باب أولى يكون كافرا حتّى لو لم يجحد، هذه تفاصيل مذهب أهل السّنة.
ولا يكفّرون فيما عدا هذه الأركان، لم يكفّروا بعمل من الأعمال غير هذه الأركان لا بمعاص ولا بأعمال واجبة غير هذه الأركان، لم يكفّروا إلّا بهذه الأركان، منهم من يكفّر بالصّلاة وحدها، ولا يكفّر بترك الزّكاة والصّوم و الحجّ، يكفّر بترك الصّلاة، فإذا ترك الحجّ ليس بكافر عنده، إذا منع أداء الزكاة يكون غير كافر، يكون مجرما وتؤخذ منه قهرا ويؤخذ شطر ماله عقوبة وما شاكل ذلك، لكنه مع ذلك لا يرونه كافرا.
الشّاهد :
أنّ كلمة أهل السّنّة بما فيهم الصّحابة اجتمعت كلمتهم أنّهم لا يكفّرون بترك شيئ من الأعمال غير هذه الأركان، يعني الأعمال.
ثمّ قال الشّيخ تعليقا :
هذا ماكان يظهر لي سابقا ولغيري، ثمّ كثرت الدّراسات في موضوع ترك العمل بالكلّية، فوقفت على مقال لأحد الإخوة أكثر فيه من النّقل عن السّلف بأن تارك جنس العمل كافر، وفسّر جنس العمل بكلّ العمل، فقلت : إذا كان المراد بجنس العمل هذا فأنا لا أتردد في تكفيره، بل لا يتردد مسلم في تكفيره.
وأنا أرى الابتعاد عن لفظ جنس العمل لما فيه من الإجمال و الاشتباه، ولأنّه يتعلّق به أهل الفتن، ولأنّه لا يوجد هذا اللفظ في كتاب ولا سنّة، ولا استعمله السّلف في تعريف الإيمان.
ومنهج السّلف الابتعاد عن استعمال الألفاظ المجملة والمتشابهة، والابتعاد عن الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسّنة، ولما تحدثه من الفتن بين المسلمين، بل بدّع السّلف من يسلك هذا المسلك، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – .
وقد استنكر استعمال لفظ(جنس العمل)؛ وهل العمل شرط صحّة أو شرط كمال في الإيمان؛ العلّامة :محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – ، وقال : (هذه طنطنة لاخير فيها) أو كما قال.
ولقد نصحت كثيرا وكثيرا في دروسي الشّباب بأن يلتزموا بما قرّره السّلف في تعريف الإيمان و أنّه : قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطّاعة وينقص بالمعصية، ونشرت بهذا الصّدد مقالا بعنوان : (كلمة حق حول جنس العمل)؛ فاستجاب لذلك السّلفيّون الصّادقون الملتزمون بمنهج السّلف قولا وعملا، وأبى ذلك أهل الفتن والشّغب الذين جعلوا الشّغب على أهل السّنة محور نشاطهم وهجّرانهم.
و أمّا العقائد فهذا شيئ آخر، قد يكذّب نبيّا فيكفر، يكذّب بالملائكة فيكفر، يكذّب بكتاب من الكتب فيكفر، يكذّب بآية من القرآن فيكفر، هذا ما يتعلّق بالإيمان، ونحن الآن في العمل؛ عمل الأركان ، هل تركها كفر أو ليس بكفر؟
منهم من لا يرى ترك الصّلاة والزكاة والصّوم والحج، كل هذه الأشياء يرى تركها ليس بكفر إذا لم يكن جاحدا؛ وإن تركها جاحدا فكافر بالإجماع، وإن تركها تكاسلا وتهاونا فإنّه ليس بكافر ولو ترك هذه الأركان كلّها .
ومنهم من يكفّره بترك الصّلاة، ومنهم من يكفّره ولو بترك واحد من هذه الأركان، وهؤلاء كلّهم أهل سنّة لا نضلل أحدا منهم، ولا يرمى بالإرجاء ولا برأي الخوارج.
إن كفّر بالأركان الأربعة لا نقول خارجي، وإن كفّر بترك الصّلاة فقط فلا نقول خارجي، وإن كفّر بترك الصّلاة والزّكاة فقط لا نقول خارجي لأن الخوارج يكفّرون بهذه الأشياء، لكنّ أهل السنّة يختلفون عن الخوارج، والفروق هائلة جدا بينهم وبين الخوارج؛ فإنّ الخوارج بمجرد أن يرتكب كبيرة يقولون خرج من الإسلام ، والمعتزلة كذلك، لكن عند المعتزلة؛ خرج إلى دائرة بين الإيمان والكفر؛ دائرة متوسّطة؛ والخوارج يخرج عندهم خروجا كلّيا إلى دارة الكفر.
وأمّا أهل السّنة من يقول منهم بكفر تارك الصّلاة؛ يخرجه من دارة الإسلام، ليس بارتكاب معصية أو بارتكاب محرّم بترك واجب،لأن هذه عندهم مباني الإسلام و أركان الإسلام، وهدمها يختلف عن ارتكاب المحرّمات فارتكاب المحرّمات شيئ عظيم؛ ولكن أعظم منه وأشدّ منه هدم هذه الأركان أو هدم شيئ منها.
فمنهم من يرى أنّ من ترك هذه الأركان فقد هدم أركان الإسلام فهو كافر أو هدم ركنا منها فهو كافر، ومنهم من لا يكفّره لكن يضلّله ويرى عليه القتل و الحدّ والسّجن وما شاكل ذلك، لكن لا يخرجونه من دائرة الإيمان على التّفاصيل التي ذكرنا.
أمّا عند المرجئة: فإنّ هذه الأعمال ما دخلت في الإيمان رأسا، ليست بداخلة في الإيمان وليست من الإيمان في شيئ، وعند غلاتهم لو ترك هذه الأعمال كلّها طول حياته فهو في الجنّة، لماذا؟ لأنّ الإيمان عندهم هو التّصديق أو المعرفة وقد حصل ، والمطلوب هو هذا فقط عندهم، والأعمال تركها لا يضرّ بهذا الإيمان ولا ينقص منه شيئا.
فهذا الفرق بين أهل السّنة و بين المرجئة، العمل ليس من الإيمان، لا صلاة لا زكاة لا صوم لا حجّ، وأمّا أهل السنّة فيقولون : إنّ العمل من الإيمان ويزيد وينقص، ثمّ تتفاوت أقوالهم بين تكفير تارك الصّلاة وبين مجرّمه، وأنه بتقصيره في هذه الأعمال ينقص إيمانه شيئا فشيئا حتّى قد يتلاشى عند كثير من تاركي الأعمال.
وهذا من الفروق بينهم وبين المرجئة. ) إهـ.
المصدر: (( المنتقى من فتاوى فضيلة الشّيخ العلّامة: ربع بن هادي المدخلي )) (1/424إلى430).
شبكة سحاب السلفية