فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
فقد صرنا نسمع أخيرًا من يقول : " إن الدين ينقسم إلى ثوابت ومتغيرات " . وهذه عبارة لا وجود لها فيما نعلم في كلام أهل العلم ،
لأن دين الله كله ثوابت فما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد ما أكمل الله به الدين ، واستقرت به الأحكام ،
فلا تبدل ولا تغير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وليس لأحد صلاحية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبدل أو أن يغير ،
قال الله تعالى : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ﴾ . [ المائدة : 3 ] .
فالدين برخصه وعزائمه قد استقر وثبت بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يغير منه شيء ،
ولا يزاد فيه ، ولا ينقص منه : ﴿ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ . [ فصلت : 42 ] .
وهذه الكلمة : " الثوابت والمتغيرات " التي تجري على ألسنة بعض طلبة العلم ربما يستغلها أصحاب الأهواء في محاولة تغيير بعض الأحكام التي لا تتوافق مع رغباتهم وأهوائهم ،
التي قال الله تعالى فيها : ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ . [ المؤمنون : 71 ] .
وإن كان لهذه الكلمة - التي قد يقولها بعض الطلبة - من محمل صحيح ، فهم يريدون اجتهادات العلماء فيما لم يرد فيه نص ،
فإن اجتهاد المجتهد قد يتغير من حين لآخر حسبما يظهر له من الأدلة في كل وقت وفي حق كل نازلة .
وقد قال عمر - رضي الله عنه - لما اختلف اجتهاده في قضية ميراث : ( ذاك فيما قضينا وهذا فيما نقضي ) .
واجتهاد المجتهد إنما هو رأيه ، ولا يقال : أنه هو حكم الله ، بل قد يوافق حكم الله وقد يخالفه ، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
واجتهادات المجتهدين لا تنقسم إلى ثوابت ومتغيرات ، لأنها كلها قابلة للتغيير متى ثبت أنها مخالفة للدليل ، أما أحكام الله ودينه فإنها لا تقبل التغيير ولا التبديل ،
فيجب على طلبة العلم أن يتحفظوا في كلامهم ولا يدعوا فيه مجالاً لأهل الأهواء والنزعات الباطلة ، لأنهم يتكلمون بلسان العلماء ويحتج بقولهم في أمور الدين .
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .