قال الشيخ حمود بن عبدالله التويجري رحمه الله تعالى في كتابه غربة الإسلام من صفحة 57 إلى صفحة60 :
الحديث التاسع والثلاثون : عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما – قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا العجمي والأعرابي قال : فاستمع . قال : فقال : (( اقرءوا فكل ٌ حسنٌ , وسيأتي قومٌ يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه )) . رواه الإمام أحمد وأبو داود . (1).
وفي رواية لأحمد : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا فيه قوم يقرءون القرآن قال : (( اقرءوا القرآن وابتغوا به الله عز وجل من قبل أن يأتي قومٌ يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه )).
الحديث الأربعون : عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : (( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ً ونحن نقتري فقال : (( الحمد لله , كتاب الله واحد ٌ, وفيكم الأحمر , وفيكم الأبيض , وفيكم الأسود , اقرءوه قبل أن يقرأه أقوام ٌ يقيمونه كما يقوّم السّهم , يتعجّل أجره ولا يتأجّله )) رواه أبو داود . (2).
الحديث الحادي والأربعون : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال بينما نحن نقرأ فينا العربيّ والعجميّ والأسود والأبيض إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أنتم في خيرٍ , تقرءون كتاب الله وفيكم رسول الله , وسيأتي على النّاس زمانٌ يثقفونه كما يثقف القدح , يتعجّلون أجورهم ولا يتأجّلونها )) . رواه الإمام أحمد .
وفي هذا الحديث والحديثين قبله فوائد :
إحداها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب القراءة السهلة .
الثانية : أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه أن يقرأ كل منهم بما تيسر عليه , وسهل على لسانه .
الثالثة : ثناؤه عليهم بعدم التكلف في القراءة .
الرابعة : أنه لم يكن يعلمهم التجويد , ومخارج الحروف , وكذلك أصحابه رضي الله عنهم لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يعلم في التجويد ومخارج الحروف , ولو كان خيراً لسبقوا إليه , ومعلومٌ ما فتح عليهم من أمصار العجم من فرس وروم وقبط وبربر وغيرهم وكانوا يعلمونهم القرآن بما يسهل على ألسنتهم ولم ينقل أنهم كانوا يعلمونهم مخارج الحروف , ولو كان التجويد لازماً ما أهملوا تعلّمه وتعليمه .
الخامسة : ذمٌّ المتكلفين في القراءة , المتعمّقين في إخراج الحروف .
السادسة : الردّ على من زعم أن قراءة القرآن لا تجوز بغير التجويد , أو أن ترك التجويد يخل بالصلاة , وقد أخبرني بعض أئمة المسجد النبوي أن جماعة من المتكلفين أنكروا عليه إذ لم يقرأ في الصلاة بالتجويد , وما علم أولئك المتكلفون الجاهلون أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ العربيّ والعجميّ والأحمر والأبيض والأسود على قراءتهم وقال لهم : (( كل حسن )) , وذمّ المتكلفين الذين يقيمونه كما يقام القدح والسهم ويثقفونه ويتنطعون في قراءته كما هو الغالب على كثير من أهل التجويد في هذه الأزمان , فالله المستعان .
السابعة : الأمر بقراءة القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل .
الثامنة : ذمّ من يأخذ على القراءة أجراً كما عليه كثير من قرّاء الإذاعات ونحوهم , وأردأ منهم من يجعل القرآن وسيلة لسؤال الناس ، وقد رأيتهم يفعلون ذلك في المسجد الحرام يجلس أحدهم فيقرأ قراءة متكلفة يتنطع فيها , ويعالج في إخراجها أعظم شدة ومشقة , وتنتفخ أوداجه , ويحمر وجهه ويكاد يغشى عليه مما يصيبه من الكرب في تكلفه وتنطعه ويفرش عنده منديلاً او نحوه ليلقى فيه المستمعون لقراءته ما يسمحون به من أوساخهم , وهذا مصداق حديث عمران بن حصين الآتي , فصلوات الله وسلامه على نبينا المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى .
(1) الألباني صحيح 830
(2) حسن صحيح