حكم موافقة اليهود في عطلة يوم السبت
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين وبعد: فقد أثيرت منذ زمن مسألة جعل يوم الجمعة والسبت ويوم الأحد عطلة أسبوعية للموظفين والمدارس ثم سكت عن هذه الفكرة، وفي هذه الأيام أعيد الكلام في جعل يوم الجمعة ويوم السبت عطلة للمسلمين ولا نستبعد إلحاق يوم الأحد كما هي الفكرة الأولى لتكون العطلة الأسبوعية ثلاثة أيام موافقة لليهود والنصارى ورأينا من تسرع فأفتى بجواز ذلك دون تأمل ونظر، واليهود لم يجعلوا يوم السبت مجرد عطلة وإنما هو شعيرة دينية عندهم والقاعدة العامة في شرعنا منع التشبه بأهل الكتاب في عباداتهم وعاداتهم الخاصة بهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وهذا عام في منع التشبه بهم فيما هو من خصائصهم في العبادات والعادات ومن ذلك التشبه بهم في أعيادهم ومناسباتهم الخاصة بهم، وقد جعل الله لكل أمة يوما من الأسبوع يتفرغون فيه للعبادة، فاختارت اليهود يوم السبت لزعمهم أن الله استراح فيه بعد خلق السماوات والأرض وقد رد الله عليهم بقوله سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)، أي من تعب وفي الآية الأخرى: (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ)، واختارت النصارى يوم الأحد لأنه أول الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، واختار الله للمسلمين يوم الجمعة الذي فيه اكتمل الخلق وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعوا الله فيها وهو قائم يصلي إلا استجاب الله دعوته، وفيه صلاة الجمعة والذكر وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وفي الحديث: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة"، فلا يجوز للمسلمين أن يجعلوا يوم السبت يوم عطلة لهم لما في ذلك مشابهة اليهود ومشاركتهم في يوم عباداتهم قال الإمام بن كثير رحمه الله على قوله تعالى: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ)، فألزم الله تعالى اليهود به (أي يوم السبت) في شريعة التوراة و وصاهم أن يتمسكوا به وأن يحافظوا عليه ولهذا قال تعالى: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ)، قال مجاهد اتبعوه وتركوا الجمعة – انتهى.
فلا يجوز لنا مشاركتهم في تعطيل الأعمال في هذا اليوم لما في ذلك من مشاركتهم في تعظيمه والمشابهة لهم في تعظيم هذا اليوم لا سيما وأنهم يعتبرونه يوم عبادتهم وعيدهم لا مجرد عطلة وراحة ولذلك عدل الصحابة في عهد عمر عن استعمال التاريخ الإفرنجي واستبداله بالتاريخ الهجري ابتعادا عن التشبه بهم ومشاركتهم في شعيرتهم فالواجب أن نبقى على عطلتنا في يوم الجمعة وقبله يوم الخميس الذي أضيف إليه لأجل التوسعة على الناس لقضاء حوائجهم واستكمال راحتهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: فهذا العمل هو من خصائص دينهم إما أن يفعل لمجرد موافقتهم وهو قليل، وإما لشهوة تتعلق بذلك العمل، وإما لتشبه بهم تخيل أنه نافع في الدنيا أو الآخرة، وكل هذا لا شك في تحريمه لكن يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفرا بحسب الأدلة الشرعية انتهى كلامه، وقد يرى بعض الذين ينادون بتوحيد العطلة الأسبوعية مع عطلة الكفار أن هذا فيه مصلحة وهي توحيد الأعمال الوظيفية والمعاملات ونقول له لو فرض تحقق ذلك لكانت هذه مصلحة معارضة بمضرة حضر تحريم التشبه بهم وما زال المسلمون مخالفين للكفار في عطلهم السنوية والأسبوعية وفي أعيادهم ومناسباتهم عملا باستقلالية المسلمين عن الكفار ولم تتعطل عليهم مصالح ولم يحصل عليهم مضار في ذلك والمصلحة تكون في موافقة الشرع لا في موافقة الكفار.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
1434/06/17هـ
صورة المقال