فضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين : الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
أولاً : من الأحكام الدنيوية :
• (1) سقوط ولايته :
فلا يجوز أن يولىَّ شيئًا يشترط في الولاية عليه الإسلام ، وعلى هذا فلا يولىَّ على القاصرين من أولاده وغيرهم ، ولا يزوج أحدًا من مولياته من بناته وغيرهن .
وقد صرح فقهاؤنا - رحمهم الله تعالى - في كتبهم المختصرة والمطولة : أنه يشترط في الولي الإسلام إذا زوج مسلمة ، وقالوا : ( لا ولاية لكافر على مسلمة ) .
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ( لا نكاح إلا بولي مرشد ، وأعظم الرشد وأعلاه دين الإسلام ، وأسفه السفه وأدناه الكفر والردة عن الإسلام ) .
قال الله تعالى : ( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ) . [ البقرة : 130 ] .
• (2) سقوط إرثه من أقاربه :
لأن الكافر لا يرث المسلم ، والمسلم لا يرث الكافر ، لحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم ) . [ أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ] .
• (3) تحريم دخوله مكة وحرمهما :
لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) . [ التوبة : 28 ] .
• (4) تحريم ما ذكاه من بهيمة الأنعام :
( الإبل والبقر والغنم ) وغيرها مما يشترط لحله الذكاة .
لأن من شروط الذكاة : أن يكون المذكي مسلمًا أو كتابيًا : [ يهوديًا أو نصرانيًا ] ، فأما المرتد والوثني والمجوسي ونحوهم فلا يحل ما ذكاه .
قال الخازن في " تفسيره " : ( أجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبدة الأصنام ، ومن لا كتاب له ) .
وقال الإمام أحمد : ( لا أعلم أحدًا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة ) .
• (5) تحريم الصلاة عليه بعد موته ، وتحريم الدعاء له بالمغفرة والرحمة :
لقوله تعالى : ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ ) . [ التوبة : 84 ] .
وقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) . [ التوبة : 113 - 114 ] .
ودعاء الإنسان بالمغفرة والرحمة لمن مات على الكفر بأي سبب كان كفره اعتداء في الدعاء ، ونوع من الإستهزاء بالله ، وخروج عن سبيل النبي والمؤمنين .
وكيف يمكن لمن يؤمن بالله واليوم الآخر : أن يدعو بالمغفرة والرحمة لمن مات على الكفر وهو عدو لله تعالى ؟! كما قال - عز و جل - : ( مَن كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) . [ البقرة : 98 ] .
فبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن الله تعالى عدو لكل الكافرين .
والواجب على المؤمن : أن يتبرأ من كل كافر . لقوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ ، إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ) . [ الزخرف : 26 - 27 ] .
وقوله تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ ) . [ الممتحنة : 4 ] .
وليتحقق له بذلك متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال الله تعالى : ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) . [ التوبة : 3 ] .
ومن أوثق عرى الإيمان : أن تحب في الله ، وتكره في الله ، وتوالي في الله ، وتعادي في الله ، لتكون في محبتك ، وكراهيتك ، وولايتك ، وعداوتك ، تابعًا لمرضاة الله - عز وجل - .
• (6) تحريم نكاحه المرأة المسلمة :
لأنه كافر ، والكافر لا تحل له المرأة المسلمة بالنص والإجماع .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) . [ الممتحنة : 10 ] .
قال في " المغني " : (6/592) : ( وسائر الكفار غير أهل الكتاب لا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم ، وذبائحهم ) .
قال : ( والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت ، لأنه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي انتقلت إليه في إقرارها عليه ففي حلها أولى ) .
وقال في " باب المرتد " : (8/130) : ( وإن تزوج لم يصح تزوجه لأنه لا يقر على النكاح ، وما منع الإقرار على النكاح منع انعقاده كنكاح الكافر المسلمة ) .
فأنت ترى أنه صرح بتحريم نكاح المرتدة ، وأن نكاح المرتد غير صحيح ، فماذا يكون لو حصلت الردة بعد العقد !؟
قال في " المغني " : (6/298) : ( إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، ولم يرث أحدهما الآخر ، وإن كانت ردته بعد الدخول انفسخ النكاح في الحال ، ولم يرث أحدهما الآخر ، وإن كانت ردته بعد الدخول ففيه روايتان : إحداهما : تتعجل الفرقة . والثاني : تقف على انقضاء العدة ) .
وفي " المغني " : (6/639) : ( أن انفساخ النكاح بالردة قبل الدخول قول عامة أهل العلم ، واستدل له ، وأن انفساخه في الحال إذا كان بعد الدخول قول مالك ، وأبي حنيفة ، وتوقفه على انقضاء العدة قول الشافعي ) .
وهذا يقتضي أن الأئمة الأربعة متفقون على انفساخ النكاح بردة أحد الزوجين . لكن إن كانت الردة قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كانت بعد الدخول فمذهب مالك وأبي حنيفة الانفساخ في الحال ، ومذهب الشافعي ، الانتظار إلى انقضاء العدة . وعن أحمد روايتان كالمذهبين .
وفي ( ص 640 ) منه : ( وإن ارتد الزوجان معا ، فحكمهما حكم ما لو ارتد أحدهما إن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة ، وإن كان بعده فهل تتعجل أو تقف على انقضاء العدة على روايتين ؟ وهذا مذهب الشافعي ثم نقل عن أبي حنيفة أن النكاح لا ينفسخ استحسانًا ، لأنه لم يختلف بهما الدين ، فأشبه ما لو أسلما ، ثم نقض صاحب المغني قياسه طردًا وعكسًا ) .
وإذا تبين أن نكاح المرتد لا يصح من مسلم سواء كان أنثى أم رجلاً ، وأن هذا مقتضى دلالة الكتاب والسنة ، وتبين أن تارك الصلاة كافر . بمقتضى دلالة الكتاب والسنة ، وقول عامة الصحابة ، تبين أن الرجل إذا كان لا يصلي وتزوج امرأة مسلمة ، فإن زواجه غير صحيح ، ولا تحل له المرأة بهذا العقد ، وأنه إذا تاب إلى الله تعالى ورجع إلى الإسلام وجب عليه تجديد العقد .
وكذلك الحكم لو كانت المرأة هي التي لا تصلي .
وهذا بخلاف أنكحة الكفار حال كفرهم ، مثل أن يتزوج كافر بكافرة ، ثم تسلم الزوجة فهذا إن كان إسلامها قبل الدخول انفسخ النكاح ، وإن كان إسلامها بعده لم ينفسخ النكاح ، ولكن ينتظر فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة ، فهي زوجته ، وإن انقضت العدة قبل إسلامه فلا حق له فيها ، لأنه تبين أن النكاح قد انفسخ منذ أن أسلمت .
وقد كان الكفار في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلمون مع زوجاتهم ، ويقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، على أنكحتهم ، إلا أن يكون سبب التحريم قائمًا ، مثل أن يكون الزوجان مجوسيين وبينهما رحم محرم ، فإذا أسلما حينئذ فرق بينهما لقيام سبب التحريم .
وهذه المسألة ليست كمسألة المسلم الذي كفر بترك الصلاة ، ثم تزوج مسلمة فإن المسلمة لا تحل للكافر بالنص والإجماع ، كما سبق ولو كان الكافر أصليًا غير مرتد ، ولهذا لو تزوج كافر مسلمة فالنكاح باطل ، ويجب التفريق بينهما فلو أسلم وأراد أن يرجع إليها ، لم يكن له ذلك إلا بعقد جديد .
• (7) حكم أولاد تارك الصلاة من مسلمة تزوج بها :
فأما بالنسبة للأم فهو أولاد لها بكل حال .
وأما بالنسبة للمتزوج فعلى قول من لا يرى كفر تارك الصلاة فهو أولاده يلحقون به بكل حال لأن نكاحه صحيح .
وأما على قول من يرى كفر تارك الصلاة ، وهو الصواب على ما سبق تحقيقه في - الفصل الأول - فإننا ننظر :
• فإن كان الزوج لا يعلم أن نكاحه باطل ، أو لا يعتقد ذلك ، فالأولاد أولاده يلحقون به ، لأن وطأه في هذه الحال مباح في اعتقاده ، فيكون وطء شبهة ووطء الشبهة يلحق به النسب .
• وإن كان الزوج يعلم أن نكاحه باطل ويعتقد ذلك ، فإن أولاده لا يلحقون به ، لأنهم خلقوا من ماء من يرى أن جماعه محرم لوقوعه في امرأة لا تحل له .
ثانيًا : الأحكام الأخروية المترتبة على الردة :
• (1) أن الملائكة توبخه وتقرعه ، بل تضرب وجوههم وأدبارهم :
قال الله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ . ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) . [ الأنفال : 50 - 51 ] .
• (2) أنه يحشر مع أهل الكفر والشرك لأنه منهم :
قال الله تعالى : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، مِن دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) . [ الصافات : 22 - 23 ] .
والأزواج : جمع ( زوج ) . وهو ( الصنف ) أي احشروا الذين ظلموا ومن كان من أصنافهم من أهل الكفر والظلم .
• (3) الخلود في النار أبد الآبدين :
لقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ، يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا . [ الأحزاب : 64 - 66 ] .
وإلى هنا انتهى ما أردنا القول فيه في هذه المسألة العظيمة التي ابتلي بها كثير من الناس .
وباب التوبة مفتوح لمن أراد أن يتوب . فبادر أخي المسلم إلى التوبة إلى الله - عز وجل - مخلصًا لله تعالى ، نادمًا على ما مضى ، عازمًا على ألا تعود ، مكثرًا من الطاعات .
( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ، وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) . [ الفرقان : 70 - 71 ] .
أسأل الله تعالى أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا ، وأن يهدينا جميعًا صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين .