[ ص: 15 ] . [ أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن ] [ وقصة شق وسطيح الكاهنين معه ] [ رؤيا ربيعة بن نصر ]
قال ابن إسحاق : وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضعاف ملوك التبابعة فرأى رؤيا هالته وفظع بها فلم يدع كاهنا ، ولا ساحرا ، ولا عائفا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه ، فقال لهم : إني قد رأيت رؤيا هالتني ، وفظعت بها ، فأخبروني بها وبتأويلها ، قالوا له : اقصصها علينا نخبرك بتأويلها ، قال : إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها ، فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها .
فقال له رجل منهم : فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق ، فإنه ليس أحد أعلم منهما ، فهما يخبرانه بما سأل عنه .
[ ربيعة بن نصر وسطيح ]
قال ابن إسحاق : فبعث إليهما ، فقدم عليه سطيح قبل شق ، فقال له : إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها ، فأخبرني بها ، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها . قال أفعل ، رأيت حممه خرجت من ظلمه ، فوقعت بأرض تهمه ، فأكلت منها كل ذات جمجمه ، فقال له الملك : ما أخطأت منها شيئا يا سطيح ، فما عندك في تأويلها ؟ فقال : أحلف بما بين الحرتين من حنش ، لتهبطن أرضكم الحبش ، فلتملكن ما بين أبين إلى جرش ، فقال له الملك : [ ص: 17 ] وأبيك يا سطيح ، إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى ، هو كائن ؟ أفي زماني هذا ، أم بعده ؟ قال : لا ، بل بعده بحين ، أكثر من ستين أو سبعين ، يمضين من السنين قال : أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع ؟ قال : لا ، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ، ثم يقتلون ويخرجون منها هاربين ، قال : ومن يلي من ذلك من قتلهم وإخراجهم ؟ قال : يليه إرم ( بن ) ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحدا منهم باليمن ، قال : أفيدوم ذلك من سلطانه ، أم ينقطع ؟ قال : لا ، بل ينقطع ، قال : ومن يقطعه ؟ قال : نبي زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي ، قال : وممن هذا النبي ؟ قال : رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر ؟ قال : وهل للدهر من آخر ؟ قال : نعم ، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون قال : أحق ما تخبرني ؟ قال : نعم ، والشفق والغسق ، والفلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق .
ثم قدم عليه شق ، فقال له كقوله لسطيح ، وكتمه ما قال سطيح ، لينظر أيتفقان أم يختلفان ، فقال : نعم ، رأيت حممه ، خرجت من ظلمه ، فوقعت بين روضة وأكمه ، فأكلت منها كل ذات نسمه .
[ ص: 18 ] قال : فلما قال له ذلك ، وعرف أنهما قد اتفقا وأن قولهما واحد إلا أن سطيحا قال : وقعت بأرض تهمه ، فأكلت منها كل ذات جمجمه وقال شق : وقعت بين روضة وأكمه ، فأكلت منها كل ذات نسمه . فقال له الملك : ما أخطأت يا شق منها شيئا ، فما عندك في تأويلها ؟ قال : أحلف بما بين الحرتين من إنسان ، لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان ، وليملكن ما بين أبين إلى نجران .
فقال له الملك : وأبيك يا شق ، إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن ؟ أفي زماني ، أم بعده ؟ قال : لا ، بل بعده بزمان ، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن ، ويذيقهم أشد الهوان ، قال : ومن هذا العظيم الشان ؟ قال : غلام ليس بدني ، ولا مدن ، يخرج عليهم من بيت ذي يزن ، ( فلا يترك أحدا منهم باليمن ) ، قال : أفيدوم سلطانه ، أم ينقطع ؟ قال : بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل ، بين أهل الدين والفضل ، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل : قال : وما يوم الفصل ؟ قال : يوم تجزى فيه الولاة ، ويدعى فيه من السماء بدعوات ، يسمع منها الأحياء والأموات ، ويجمع فيه بين الناس للميقات ، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات ، قال : أحق ما تقول ؟ قال : إي ورب السماء والأرض ، وما بينهما من رفع وخفض ، إن ما أنبأتك به لحق ما فيه أمض .
قال ابن هشام : أمض : يعني شكا ، هذا بلغة حمير ، وقال أبو عمرو : أمض أي باطل .
[ هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق ]
فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا . فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم ، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ ، فأسكنهم الحيرة .