الفائدة الأولى :
قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} .
قد قدمنا مرارا أن كل فعل مضارع في القرآن مجزوم بلم، إذا تقدمتها همزة الاستفهام كما هنا فيه وجهان من التفسير معروفان.
الأول منهما: هو أن تقلب مضارعته ماضوية، ونفيه إثباتا، فيكون بمعنى الماضي المثبت، لأن لم حرف تقلب المضارع من معنى الاستقبال إلى معنى المضي، وهمزة الاستفهام إنكارية فيها معنى النفي، فيتسلط النفي الكامن فيها على النفي الصريح في لم فينفيه. ونفي النفي إثبات، فيرجع المعنى إلى الماضي المثبت. وعليه فالمعنى، {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ} أي آن للذين آمنوا.
والوجه الثاني: أن الاستفهام في جميع ذلك للتقرير، وهو حمل المخاطب على أن يقر فيقول: بلى, وقوله: يأن: هو مضارع أنى يأنى إذا جاء إناه أي وقته، ومنه قول كعب بن مالك رضي الله عنه:
ولقد أنى لك أن تناهي طائعا ... أو تستفيق إذا نهاك المرشد
فقوله: أنى لك أن تناهي طائعا، أي جاء الإناه الذي هو الوقت الذي تتناهي فيه طائعا، أي حضر وقت تناهيك، ويقال في العربية: آن يئين كباع يبيع، وأنى يأني كرمى يرمي، وقد جمع اللغتين قول الشاعر:
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي ... وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
والمعنى على كلا القولين أنه حان للمؤمنين، وأنى لهم أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي جاء الحين والأوان لذلك، لكثرة ما تردد عليهم من زواجر القرآن ومواعظه.
الفائدة الثانية :
{ذَرْهُمْ}، يعني اتركهم، وهذا الفعل لم يستعمل منه إلا الأمر والمضارع، فماضيه ترك، ومصدره الترك، واسم الفاعل منه تارك، واسم المفعول منه متروك.
الفائدة الثالثة :
لم يأت في القرآن العظيم فعل المضارع بعد إن الشرطية المدغمة في ما المزيدة لتوكيد الشرط، إلا مقترناً بنون التوكيد الثقيلة، كقوله هنا: {وَإِمَّـا نُرِيَــنَّـكَ} الآية [10/46]، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ} الآية[43/41]، {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} الآية[8/57]، {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ} الآية [8/58].
ولذلك زعم بعض علماء العربية وجوب اقتران المضارع بالنون المذكورة في الحال المذكورة، والحق أن عدم اقترانه بها جائز.
يتبع إن شاء الله ..
منقوووووول