هل يسمع الرسول ﷺ سلام الزائر له؟
إذا جاء أحد عند قبر النبي ﷺ ليصلي ويسلم عليه هل يسمعه ويراه وهل هذه العقيدة شرك أم لا؟
الجواب: المشروع للمسلم إذا زار مسجد الرسول ﷺ أن يبدأ بالصلاة في مسجده عليه الصلاة والسلام، وإذا أمكن أن يكون ذلك في الروضة الشريفة فهو أفضل، ثم يتوجه إلى قبر النبي ﷺ ويقف أمامه بأدب وخفض صوت، ثم يسلم على رسول الله ﷺ وعلى صاحبيه رضي الله عنهما.
وقد أخرج أبو داود بسند جيد عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام وقد احتج جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على أنه ﷺ يسمع سلام المسلمين عليه إذا ردت عليه روحه، وقال آخرون من أهل العلم ليس هذا الحديث صريحا في ذلك وليس فيه دلالة على أن ذلك خاص بمن سلم عليه عند قبره، بل ظاهر الحديث يعم جميع المسلمين عامة.
وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة بإسناد حسن. وسبق قوله ﷺ: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه ﷺ يبّلغ صلاة المصلين عليه وسلامهم، وليس فيها أنه يسمع ذلك فلا يجوز أن يقال: إنه يسمع ذلك إلا بدليل صحيح صريح يعتمد عليه، فإن هذه الأمور وأشباهها توقيفية ليس للرأي فيها مجال، وقد قال الله سبحانه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، وقد رددنا هذه المسألة إلى القرآن العظيم وإلى السنة الصحيحة فلم نجد ما يدل على سماعه ﷺ صلاة المصلين وسلامهم، وإنما في السنة الدلالة على أنه يبّلغ ذلك، وفي بعضها التصريح بأن الملائكة هي التي تبلغه ذلك والله سبحانه أعلم.
أما كونه ﷺ يرى المسلم عليه فهذا لا أصل له وليس في الآيات والأحاديث ما يدل عليه، كما أنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم أحوال أهل الدنيا ولا ما يحدث منهم لأن الميت قد انقطعت صلته بأهل الدنيا وعلمه بأحوالهم كما تقدمت الأدلة على ذلك، وما يروى في هذا الباب من الحكايات والمرائي المنامية وما يذكره بعض أهل التصوف من حضوره ﷺ بينهم واطلاعه على أحوالهم، وهكذا ما يذكر بعض المحتفلين بمولده عليه الصلاة والسلام من حضوره بينهم، فكل ذلك لا صحة له ولا يجوز الاعتماد عليه. لأن الأدلة الشرعية محصورة في كلام الله سبحانه وكلام رسوله ﷺ وإجماع أهل العلم المحقق. أما الآراء والمنامات والحكايات والأقيسة فليس لها مجال في هذا الباب ولا يعتمد على شيء منها في إثبات شيء مما ذكرنا.
والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].
نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد الرابع السنة السادسة لشهر ربيع الآخر عام 1394 هـ ص 175 – 182.