*✒🌴مسارعة السَّلف للعمل بالعلم*
مما يبيِّن هذا المقام: حال السَّلف ـ*رحمهم الله ـ العجيبة في المبادرة للأعمال والمسارعة إليها والمواظبة على فعلها ، والإتيان بها فَوْرَ سماعِها من رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وفورَ سماعهم لحديثه ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ يُبادرون مبادرةً عجيبة، ويسارعون مسارعةً عظيمة للعمل بما يأمرهم به ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، ويواظبون على ذلك.
*وفي هذا المعنى؛ يُنقل عنهم نقولٌ كثيرة جدًّا تدلُّ على شدَّة عنايتهم وعظيم رعايتهم لهذا الأمر.*
🍁ومن ذلكم ما جاء في «الصَّحيحين» وغيرهما من حديث عليٍّ رضي الله عنه ، في قصَّة فاطمة بنت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، عندما جاءت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم* تطلب خادمًا، فقال لها ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ: *«أَوَلَا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ: إِذَا أَوَيْتِ إِلَى الفِرَاشِ تُسَبِّحِينَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدِينَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ»،*
قال عليٌّ رضي الله عنه : *«فما تركتها منذ سمعتُها من رسولِ الله عليه الصلاة والسلام».*
فاختارَ أحدُ الحاضرين ليلةً عصيبةً، قد يُذهل في مثلها الإنسان، قال: *"ولا ليلة صفِّين؟! ـ وهي اللَّيلة الَّتي دارت فيها الحرب المعروفة والمعركة المشهورة ـ قال: «ولا ليلةَ صفِّين».*
🍁وعَنْ دَاوُدَ بنِ أَبي هِنْدٍ، عن النُّعْمَانِ بنِ سالم، عن عَمْرو ابنِ أَوْس، قال:
*"حدَّثنى عَنْبَسَةُ بن أبي سفيان في مَرَضِهِ الَّذي مَات فيه بحديثٍ يُتَسَارُّ إليْه، قال: سمعتُ أمَّ حبيبة تقولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ»، قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ،*
وقَالَ عَنْبَسَةُ: *"فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، وقَالَ عَمْرُو ابنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ، وَقَالَ النُّعْمَانُ بنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو ابنِ أَوْسٍ"* رواه مسلم
🍁فهذه همَّة عالية جدًّا في المسارعة والمواظبة معًا، في المسارعة إلى العمل، والمبادرة إلى القيام به، والمواظبة عليه.
🍁وجاء في «صحيح البخاري» من حديث أبي هريرة* قال: *«أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، ونَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ».*
🍁ومثله تمامًا ما رواه مسلم في «صحيحه» من حديث أبي الدَّرداء* قال: *«أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لن أدعَهُنَّ ما عشتُ»، وذكر هذه الثَّلاث.*
*وإذا نظرنا في سير السَّلف الصَّالح بعد الصَّحابة يُنقل عنهم في هذا المعنى نقولٌ عظيمة جدًّا، مثل قول سفيان الثَّوري:: *«ما بلغني حديثٌ عن رسول الله إلَّا عملتُ به».*
🍁وقال عمرو بن قيس الملائي ::
*«إذا بلغَك الحديثُ عن رسول الله فاعمل به ولو مرَّةً تَكُنْ من أهله».*
*وقوله: «فاعمل به ولو مرَّة» هذا في السُّنن والرَّغائب، أمَّا الواجبات والفرائض فلا يكفي ليكون من أهله أن يعمل به مرَّة.*
🍁ونقل ابن القيِّم : عن شيخه ـ شيخ الإسلام ابن تيمية ـ
*"لمَّا ذكر ابن القيِّم حديث أبي أمامة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ».*
قال ابن القيِّم: *«بلغني عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّه قال: ما تركتها عُقَيْبَ كلِّ صلاة».*
*🍁وجاء عن الإمام أحمد : أنَّه قال:
*«ما كتبت حديثًا ـ*وقد كتب «المسند» ومعروف حجمه وكثرة الأحاديث الَّتي فيه ـ، قال: ما كتبت حديثًا إلَّا عملتُ به، حتَّى إنَّني سمعتُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحاجم دينارًا فاحتجمتُ وأعطيتُ الحاجم دينارًا».*
🌱فهذه طريقة السَّلف في حرصهم ومواظبتهم ودأبهم، وعظيم عنايتهم بالعلم مسارعةً إلى فعلِه، ومواظبةً عليه.
🔹🔹🔹🔹🔹🔹🔹🔹🔹🔹🔹
*✒من كتاب ثمرة العلم العمل
🌴للشيخ عبدالرزاق البدر .