من فضائل أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله و سلم على من بعثه الله رحمة للعالمين، نبينا محمد الأمين، و على آله و صحبه أجمعين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
و بعد، فهذا مقال آخر في فضل واحد من أفضل صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم، هو من خيار هذه الأمة، بل هو أمين هذه الأمة، صحِب رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان خير الصاحب، و كان من أحب الناس إلى نبينا، قُبض النبي صلى الله عليه و سلم و هو عنه راض، هو أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، عاشر العشرة المبشرين بالجنة.
من فضائل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه :
_ أبو عبيدة رضي الله عنه مبشر بالجنة : روى الترمذي في سننه عن عبد الرحمن بن عوف، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة " صححه الألباني رحمه الله.
_ أبو عبيدة رضي الله عنه أمين هذه الأمة :
_ روى البخاري في صحيحه، عن حذيفة بن اليمان، قال : جاء العاقب والسيد، صاحبا نجران، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال : فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل، فوالله لئن كان نبيا فلاعنا لا نفلح نحن، ولا عقبنا من بعدنا، قالا : إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا. فقال "لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين"، فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "قم يا أبا عبيدة بن الجراح" فلما قام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا أمين هذه الأمة".
_ و في رواية له عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
_ أمَّره النبي صلى الله عليه و سلم على جيشه رضي الله عنه : روى البخاري و مسلم و اللفظ له عن جابر بن عبد الله قال : "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ثلاث مائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، نرصد عيرا لقريش، فأقمنا بالساحل نصف شهر، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخَبَط، فسمي جيش الخبط، فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر، فأكلنا منها نصف شهر، وادهنا من ودكها حتى ثابت أجسامنا"، قال : "فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه، ثم نظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل فحمله عليه، فمر تحته"، قال : "وجلس في حجاج عينه نفر، قال : "وأخرجنا من وقب عينه كذا وكذا قلة وَدَك" ، قال : "وكان معنا جراب من تمر، فكان أبو عبيدة يعطي كل رجل منا قبضة قبضة، ثم أعطانا تمرة تمرة، فلما فني وجدنا فقده".
_ لو استخلف النبي صلى الله عليه و سلم لكان ممّن يستخلفهم أبو عبيدة رضي الله عنه : روى مسلم في صحيحه عن عن ابن أبي مليكة، سمعت عائشة، وسئلت : "من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلفه؟ قالت : أبو بكر، فقيل لها : ثم من؟ بعد أبي بكر قالت : عمرُ، ثم قيل لها من؟ بعد عمر، قالت : أبو عبيدة بن الجراح" ثم انتهت إلى هذا.
_ نِعْمَ الرجلُ أبو عبيدة رضي الله عنه : روى ابن حبان في صحيحه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، بئس الرجل فلان وفلان" سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمهم لنا سهيل. انظر الصحيحة (875).
_ مِن أحبِّ الصحابة إلى النبي صلى الله عليه و سلم : روى الترمذي في سننه، عن عبد الله بن شقيق، قال : قلت لعائشة : أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبّ إلى رسول الله؟ قالت : "أبو بكر"، قلت : ثم من؟، قالت : " عمر"، قلت : ثم من؟، قالت : "ثم أبو عبيدة بن الجراح"، قلت : ثم من؟ قال : فسكتت.
_ مكانة أبي عبيدة عند أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما : روى أحمد في الفضائل بسند حسن، عن عمر بن الخطاب أنه قال يوما لمن حوله : تمنوا، فقال بعضهم : أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا فأنفقه في سبيل الله، ثم قال : تمنوا، فقال رجل : أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا أو زبرجدا أو جزهرا، فأنفقه في سبيل الله و أتصدق، ثم قال عمر : تمنوا، فقالوا : ما ندري يا أمير المؤمنين، قال عمر : أتمنى لو أنها مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح و معاذ بن جبل و سالم مولى أبي حذيفة و حذيفة بن اليمان.
و بهذا نكون قد أتينا على بعض فضائل عاشر العشرة رضي الله عنهم، و ختمنا سلسلة فضائل العشر المبشرين بالجنة، و لم يكن المقصد من الكتابة استيفاء جميع ما ثبت لهم من الفضائل، فهذا ليس لأمثالي، إلا أنه لا يمنع المشاركة من الذب عن هؤلاء الأخيار، و ذكر محاسنهم، لاسيّما في هذا الزمن الذي لا تكاد تطلع شمس نهار إلا و يظهر لنا أحد الرويبضات الجدد، فتجد من يجعل همَّه سبَّ صحابة رسول الله رضي الله عنهم أجمعين، فما كان على أهل السنة إلا يحملوا السَّيف و السِّنان و في وجه اللعّان الطعان، فجاهدوه بالحجة و الربهان، فجزاهم الله خيرا لم يقصروا في ذلك.
فنسأل الله تعالى أن يكفَّ عنا شر الرَّوافض و أذنابهم، و أن يرزقنا حب صحابة نبينا و من أحبهم، و أن يرحمنا و يدخلنا الجنة، إنه ولي ذلك و القادر عليه.
و صَلَّى الله و سلم على نبينا محمد، و على آله و صحبه أجمعين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و الحمد لله رب العالمين.