( بدعة ختم قراءة القرآن بقول صدق الله العظيم )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن اتبعه إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن الأصل في إقامة العبادات الحذر والمنع حتى يقوم عليها دليل فلا يجوز إقامة عبادة إلا بدليل شرعي صحيح معمول به فإن أي عبادة من العبادات أو قربة من القربات لا تستند إلى دليل شرعي فما هي إلا بدعة منكرة وعمل مردود على صاحبه كما قال (e) " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم
وروى البيهقي في السنن الكبرى بسند صحيح عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه فقال : ياأبا محمديعذبني الله على الصلاة قال : لا ولكن يعذبك علىخلافالسنة قال المحدث الألباني رحمه الله في إرواء الغليل : و هذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى وهوسلاح قوي على الذين يستحسنون كثيرا من البدع باسم أنها ذكر وصلاة ثم ينكرون علىأهل السنة إنكار ذلك عليهم ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة وهم فيالحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك . اهـ
وإن من مخالفة السنة الآن التصديق بعد القرآن ـ قول صدق الله العظيم بعد الانتهاء من قراءة القرآن ـ وأمر البدعة ليس بالأمر الهين كما يظن بعض الناس فقد قال ابن عمر رضي الله عنه " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " رواه ابن بطة في الإبانة واللالكائي في السنة والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى وصححه الألباني .
وقال الحسن البصري رحمه الله " لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا حجاًَ ولا عمرةً حتى يدعها " أخرجه اللالكائي .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله " لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلى الشرك خيرٌ له من أن يلقاه بشئ من الأهواء ــ أي ــ البدع " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى " ... والزنا معصية والبدعة شر من المعصية كما قال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها " .
وقال الإمام مالك رحمه الله : من ابتدع في الإسلام بدعة وظن أنها حسنة فقد اتهم النبي بخيانة الأمانة لأن الله يقول ( اليوم أكملت لكم دينكم ... الآية ) .
وقال العلامة القسطلاني رحمه الله في إرشاد الساري " ... وتركه (e) سنة كما أن فعله سنة فليس لنا أن نسوي بين ما فعله وتركه فنأتي من القول في الموضع الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله " .
وقال العلامة ابن حجرالهيثمي الشافعي في فتواه : ( إن البدعة هي مالم يقم دليل شرعي على أنه مستحب أو واجب ... وكذا ما تركه (e) مع قيام المقتضى فيكون تركه سنة وفعله بدعة مذمومة .
وقال الإمام ألشاطبي المالكي رحمه الله : والضرب الثاني أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص أو يترك أمراًمن الأمور وموجبه المقتضى له قائم وسببه في زمان الوحي موجود ولم يحدد فيه الشارع أمراً زائداً على ما كان من الدين فهذا القسم باعتبار خصوصه هو البدعة المذمومة شرعاً ... " .
وقال ابن القيم الحنبلي رحمه الله في إعلام الموقعين " وأما نقلهم لتركه (e) فهو نوعان وكلاهما سنة أحدهما تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ... والثاني عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله ... " .
وقال ملا أحمد رومي الحنفي رحمه الله : لا تكون البدعة في العبادات البدنية كالصلاة والصوم والذكر والقراءة إلا سيئة لأن عدم وقوع الفعل في الصدر الأول إما لعدم الحاجة إليه أو لوجود مانع أو لعدم تنبه أو لتكاسل أو لكراهة وعدم مشروعية والأولان منتفيان في العبادات البدنية المحضة لأن الحاجة في التقرب إلى الله تعالى لا تنقطع وبعد ظهورالإسلام لم يكن منها مانع ولايظن بالنبي (e) عدم التنبه والتكاسل فذلك أسوأ الظن المؤدي إلى الكفر فلم يبقى إلا كونها سيئة غير مشروعة ... " .
وإنما سقت كل هذه النصوص لتعلم أن علماء المذاهب الأربعة على أن ما تركه النبي (e) مع قيام المقتضى على فعله فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة وأنه لا معنى للإبتداع في العبادات لأن النبي (e) لم يفارق الدنيا إلا بعد أن أكمل الله له الدين وأتم نعمته على المسلمين ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ... ) اهـ من كلام الشيخ علي محفوظ رحمه الله عضو هيئة كبار علماء الأزهر من كتاب الإبداع
وقد قال أنس رضي الله عنه : ما فرحنا بشئٍ بعد الإسلام فرحنا بقوله (e) " المرء مع من أحب " وإن من محبة النبي (e) الإقتداء به في فعله وتركه وقد قال ابن عمر رضي الله عنه : إن الله بعث إلينا محمداً (e) ولا نعلم شيئاً فإنما نفعل كما رأيناه يفعل " ذكره القاضي عياض في الشفاء وصححه الألباني في تعليقه على صحيح ابن حبان وأخرج البيهقي عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال : أبغض الأمور إلى الله البدع " .
ورحم الله ابن القيم في قوله :
وبالسنة الغراء كــــــــــــــن متمسكاً هي العروة الوثقى التي ليس تفصم
تمسك بها مسك البخيل بمـــــــــــاله وعض عليها بالنواجذ تســــــــــلم
ودع عنك ما قد أحدث الناس بعدها فمرتع هاتيك الحوادث أوخــــــــم
وها أنا أنقل أقوال بعض أئمة الدين في بدعية قول صدق الله العظيم عند الانتهاء من قراءة القرآن الكريم :
قول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله :
قال " اعتياد الكثير من الناس أن يقولوا " صدق الله العظيم " عند الانتهاء من قراءة القرآن الكريم هذا لا أصل له ولا ينبغي اعتياده بل هو على القاعدة الشرعية من قبيل البدع إذا اعتقد قائله أنه سنة فينبغي ترك ذلك وألا يعتاده لعدم الدليل وأما قوله تعالى " قل صدق الله " فليس في هذا الشأن وإنما أمره الله عز وجل أن يبين لهم صدق الله فيما بينه في كتبه العظيمة من التوراة وغيرها وأنه صادق فيما بينه لعباده في كتابه العظيم القرآن ولكن ليس هذا دليلاً على أنه مستحب أن يقول ذلك بعد قراءة القرآن أو بعد قراءة آيات أو قراءة سورة لأن ذلك ليس ثابتاً ولا معروفاً من النبي (e) ولا عن صحابته رضوان الله عليهم . راجع مجموع الفتاوى
قول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
قال " قول صدق الله العظيم " بعد قراءة القرآن الكريم لا أصل له من السنة ولا من عمل الصحابة رضي الله عنهم وإنما حدث أخيراً ولا ريب أن قول القائل " صدق الله العظيم " ثناء على الله عز وجل فهو عبادة وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أن نتعبد لله به إلا بدليل من الشرع وإذا لم يكن هناك دليل من الشرع كان ختم التلاوة به غير مشروع ولا مسنون فلا يسن للإنسان عند انتهاء القرآن الكريم أن يقول " صدق الله العظيم " فإن قال قائل أفليس الله يقول " قل صدق الله " ؟
فالجواب : بلى قد قال الله ذلك ونحن نقول صدق الله لكن هل قال الله ورسوله (e) إذا أنهيتم القراءة فقولوا صدق الله العظيم وقد صح عن النبي (e) أنه كان يقرأ عليه ابن مسعودٍ رضي الله عنه من سورة النساء حتى بلغ " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً " فقال النبي (e) حسبك ولم يقل صدق الله العظيم ولا قاله ابن مسعودٍ كذلك وهذا دليل على أن قول القائل صدق الله ليس بمشروع . اهـ
قول العلامة محمد أحمد عبد السلام الشقيري المصري :
قال رحمه الله : وقول بعض المأمومين صدق الله العظيم عند فراغ الإمام من السور بدعة فكيف بها في الصلاة . اهـ من كتاب السنن والمبتدعات
قول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
قال : وأما التزام قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن فقد قال الله تعالى " قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً " وقال سبحانه " ومن أصدق من الله قيلاً " ومع هذا فليس هذا في الذكر شئ يؤثر ... ولم نرى من ذكره أنه مشروع من العلماء المعتبرين ولا الأئمة المشهورين ولهذا فالتزام هذا الذكر بعد قراءة القرآن أمر مخترع لا دليل عليه فهو محدث وكل وحدث بدعة . اهـ من كتاب تصحيح الدعاء
وقال الشيخ عمرو عبد المنعم المصري : صدق الله العظيم هذه الأعجوبة المنتشرة منذ أزمان ليس لها دليل في الشرع أبداً ولم يصح عن أحد من السلف أنه قالها بل الذي صح عن النبي (e) بخلافها فإنما كان يقول " حسبك " إذا أراد أن يستوقف القارئ كما ورد في الصحيحين من حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه وقد بوب له البخاري رحمه الله باب : قول القارئ للمقرئ " حسبك " فلو كانت مشروعة أو مستحبة لأرشدنا إليها النبي (e) ولأرشد إليها أحد صحابته رضي الله عنهم . اهـ من كتاب السنن والمبتدعات
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :
قول صدق الله العظيم بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة لأنه لم يفعله النبي (e) ولا الخلفاء الراشدون ولا سائر لصحابة رضي الله عنه ولا أئمة السلف رحمهم الله مع كثرة قرائتهم للقرآن وعنايتهم ومعرفتهم بشأنه فكان ذلك بدعة محدثة .
قال النبي (e) " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري وفي لفظٍ لمسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " . اهـ من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
قلت وقد قال ابن عباسٍ رضي الله عنه " كنا لا نعلم بختم السورة على عهد النبي (e) حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم " اسأل الله أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً ويجعلنا متمسكين بسنة خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين .
فإن قال قائل ـ وقد قيل ـ لعله بدعة حسنة فأقول سئل الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله هذا السؤال : اضطرب عندي مفهوم البدعة إذ يرى الشافعي أن البدعة نوعان وابن تيمية يرى أن البدعة ليست في درجة واحدة ولذا فهي قد تكون عنده مكروهة وقد تكون أشد كراهية والبعض قد قسمها إلى خمسة أقسام والبعض اعتبرها من المصالح المرسلة فأرجوا توضيح ذلك ؟
فأجاب الشيخ رحمه الله : أنا أرى أن التعريف والأدلة كافية عن هذا الإختلاف لماذا لأن العلماء كلاً يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله (e) فالبدعة في اللغة ما أحدث على غير مثال سابق فالميكروفون بدعة والطيارة بدعة والسيارة بدعة أي بدعة في اللغة والبدعة في اللغة ليست بمحرمة ومنه قوله تعالى " بديع السماوات والأرض " أي مبدعهما في اللغة فاحفظ التعريف اللغوي : ما أحدث على غير مثال سابق انتهينا من هذا؛ أما في الشرع : فُهو ما أدخل في الشرع وليس منه .
أما تقسيم البدعة إلى بدعة منكرة وبدعة أنكر منها وبدعة كفر هذا صحيح من البدع ما يعد كفراً ومنها ما يكون بدعةُ شديدةٌ؛ أنا اسألك الذي يتوسل بالنبي (e) فقط بدون عقيدةٌ سيئةُ يعتبر مبتدعاً لكن الذي يدعوا رسول الله (e) يعتبر مبتدعا بدعة شركيةُ كفرية فتقسيم البدعة أمرٌ طيب إلا أنه ليس هناك بدعة حسنة لأن رسول الله (e) يقول " كل بدعة ضلالة " وأيضاً رب العزة يقول في كتابه الكريم " اليوم أكملت لكم دينكم " والنبي (e) يقول "إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته" ويقول سفيان الثوري ونِعمَ ما قال : البدعة أضر على العبد من المعصية لأن المبتدع يظن أنه على حق وسيمت على بدعته بخلاف العاصي شخص يعيش على السرقة أوالرشوة فهو يعرف أنه مخطئ ولعله يرجع ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى بخلاف المبتدع فإنه يظن أنه على هدىً وسيموت على بدعته إلا أن يشاء الله .
وقال رحمه الله في جواب عن سؤال آخر : أما تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة فقد رد عليهم العلماء منهم الشاطبي رحمه الله : بقوله (e) " كل بدعة ضلالة " . اهـ
وأخيراً أخي في الله لاتستهون بالبدعة فإنها أشد من المعصية وإن آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام اُخرج من الجنة بأكلةٍ نُهي عنها وهو أبو البشر وإن إبليس طُرد من رحمة الله من أجل سجدة انتهى عن فعلها وإن الزاني يرجم ويقتل شر قتلة من أجل لذةٍ لدقائق فكيف لا تخشى على نفسك إن عصيت شديد العقاب أن تصاب بإشد العذاب " اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور "