التحذير من البردة وبيان ما فيها من الشرك
الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف رحمهم الله تعالى
الرسالة السابعة
التحذير من البردة وبيان ما فيها من الشرك
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف إلى عبد الخالق الحفظي. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد بلغنا من نحو سنتين اشتغالكم ببردة البوصيري، وفيها من الشرك الأكبر ما لا يخفى، من ذلك قوله: "يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك" إلى آخر الأبيات، التي فيها طلب ثواب الدار الآخرة من النبي صلى الله عليه وسلم وحده.
فأما دعاء الميت والغائب فقد ذكر الله في كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم النهي عن دعوة الأموات والغائبين بقوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ ) [سورة يونس آية: 106]، ولم يستثن أحداً.
والنبي صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله، وقال: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً
آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [ سورة الشعراء آية: 213].
. فانظر إلى هذا الوعيد الشديد المترتب على دعوة غير الله، وخاطب به نبيه صلى الله عليه وسلم ليكون أبلغ للتحذير. فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينهاه عن ذلك، ويذكر الوعيد عليه، ويرضاه أن يفعل ذلك أحد معه، أو مع غيره -صلوات الله وسلامه عليه-؟
ولما قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: "أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده" [أحمد :1/283].. ودعوة غيره تنافي الإخلاص، الذي هو دينه، الذي لا يقبل الله ديناً سواه. وذكر تعالى اختصاصه بالدعاء بقوله: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} [سورة الرعد آية: 14].
، وأخبر أن دعوة الحق مختصة به، وما ليس بحق فهو باطل، ولا يحصل به نفع لمن فعله، بل هو ضرر في العاجل والآجل لأنه ظلم في حق الله تعالى.
يقرر هذا تهديده تعالى لمن دعا الأنبياء والصالحين والملائكة بقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} [سورة الإسراء آية: 56]، نزلت في عيسى وأمه والعزير والملائكة، باتفاق أكثر المفسرين من الصحابة والتابعين والأئمة، فكيف يظن من له عقل أنه يرضى منه في حقه قولاً وعملاً تهديد الله من فعله مع عيسى وأمه والعزير والملائكة؟
وكونه صلى الله عليه وسلم- أفضل الأنبياء لا يلزم أن يختص دونهم بأمر نهى الله عنه عباده عموماً وخصوصاً، بل هو مأمور أن ينهى عنه، ويتبرأ منه كما تبرأ منه المسيح ابن مريم في الآيات في آخر سورة المائدة، وكما تبرأت منه الملائكة في الآيات التي في سورة سبأ.
وأما اللياذ فهو كالعياذ سواء، فالعياذ لدفع الشر، واللياذ لجلب الخير، وحكى الإمام أحمد وغيره الإجماع على أنه لا يجوز العياذ إلا بالله وأسمائه وصفاته، وأما العياذ بغيره فشرك ولا فرق.
وأما قوله: "فإن من جودك الدنيا وضرتها" فمناقض لما اختص به تعالى يوم القيامة من الملك في قوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [سورة غافر آية: 16] وفي قوله تعالى في سورة الفاتحة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الفاتحة آية: 4] وفي قوله تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [سورة الانفطار آية: 19] وغير ذلك من الآيات لهذا المعنى. وقال غير ذلك في منظومته مما يستبشع من الشرك.
هدي السلف في مدح النبي
ومدح النبي صلى الله عليه وسلم شعراء العرب الفصحاء، ولم يقرب أحد منهم حول هذا الحمى، الذي هو لله وحده؛ بل مدحوه بالنبوة، وماخصه الله به من الفضائل والأخلاق الحميدة، مثل حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير، وأمثال هؤلاء، فما تعلقت قلوبكم يا عبد الخالق إلا بنظم للشيطان فيه حظ وافر، قد أنكره الله ورسوله على من قاله أو فعله.
وهذه الأمور كانت عند محمد الحفظي وأبيه وأخيه فأقلعوا عنها، وتابوا إلى الله منها، وتجنبوا الشرك، وتبرؤوا إلى الله منه ومن أهله، وجاهدوا أهله نثراً ونظماً، وقد نزلت المنزلة التي كانوا عليها في الجاهلية، ثم تابوا منها، فأصغ سمعك لكتاب الله، فإنه يكفيك ويشفيك في كل خير، ويعصمك من كل شر. ا.ه آخر ما وجد والحمد لله.
رسائل وفتاوى الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهما الله تعالى [ 96 ]