تقف الأسرة المسلمة أمام مفترق طرق عند إرادتها استخدام خادم للخدمة الباطنة (داخل البيت) أو للخدمة الظاهرة (خارج البيت)!
صحيح أن الخادم يحقق من المصالح ما لا يمكن إنكاره؛
فالخادم تساعد ربة المنزل في أشغالها داخل البيت من كنس وغسل وطبخ ونحوه، مما يساعدها على أداء مسؤولياتها على الوجه الذي ترضاه!
والخادم تساعد الزوجة للتفرغ لتربية أبنائها ومتابعة شؤون البيت، بدلاً من انشغالها الدائم بأمور الخدمة السابقة!
والخادم تعطي للزوجة فرصة للتفرغ للزوج والتجمل والتزين له!
والخادم تمكن ربة المنزل من متابعة تحصيلها العلمي إن هي أرادت ذلك([1])، أو على الأقل من القراءة ومتابعة البرامج العلمية والتعليمية ونحو ذلك لتزيد من رصيدها المعرفي الثقافي!
وتعتبر الخادم الحل الأمثل لبيت يوجد فيه معوق أو عاجز أو كبير في السن إذ تساعد على حمل الكثير من العناء في خدمة هؤلاء!
بل وحتى في الجانب الاجتماعي فإن الخادم يساعد الأسرة على تحقيق درجة من التواصل في زيارات الأقارب واستقبالهم بصورة تضعف عند عدم وجوده!
والخادم يمكن رب الأسرة من التفرغ لأشغاله الخاصة، وأموره الحياتية التي لابد أن يقوم بها بنفسه، فالسائق يتابع طلبات البيت، ويحضرها بدلاً من الزوج!
ويقوم عن الزوج بإيصال الأولاد إلى مدارسهم صباحاً وإحضارهم منها ظهراً، دون أن يحتاج الوالد إلى ترك عمله أو الاستئذان منه!
ويقوم بإيصال الأسرة أو أي فرد منها إلى الأماكن التي تحتاجها من سوق ومستشفى وزيارة أو نحوه!
كل ذلك صحيح أن الخادم يحققه أو على الأقل يساعد في تحقيقه! لكن تبقى قضية تشغل بال الأسرة عند تفكيرها بإحضار خادم، فإنها تنظر في المساوئ المترتبة على ذلك؛
فإن الخادم مهما كانت حسنة الخدمة فإن خدمتها في البيت ليست كصاحبته، وقلبها عليه ليس كغيرها!
والزوجة إذا تفرغت للأولاد فإنها تقع في مسؤولية قد لا تكون هي متأهلة لها دراسياً، فإن موضوعات الدراسة المدرسية ليست هي اليوم كما كانت في الأمس؛ فالآن أسلوب تربوي خاص وطريقة تعليمية خاصة لا تستطيعها الأم بمجرد تفرغها لتدريس أولادها! ويكفي أن تتذكر أسماء المواد الدراسية لتعلم حقيقة الوضع فهناك الإنجليزي والرياضيات والفيزياء والكيمياء، طبعاً أنا لا أتحدث عن المستويات الدنيا للدراسة الابتدائية!
والفراغ الذي يحصل للزوجة بسبب الخادم يسبب وقوع الأسرة في مشكلات هي في غنى عنه؛
فمن ذلك أنه قد لا تحسن الزوجة ملأ الفراغ بما يناسب؛
فإما أن يؤول حالها إلى الكسل، والعطلة ويصحب هذا عادة المرض إلا ما رحم ربي!
وإما أن تلجأ إلى نوع من الممارسات التي أقل ما فيها أنها سمة للبطالة وعادات سيئة، مثل إكثار الكلام في الهاتف وشغله الساعات الطويلة مع صويحباتها في كلام لا قيمة له إلا نادراً إن لم يوقع في الحرام من غيبة ونميمة، أو كثرة الخروج من المنزل إمّا إلى الأسواق ومتابعة الجديد فيها وشؤون الموضة، أو الزيارات وحضور الأفراح القريبة والبعيدة!
وإمّا أن تتفرغ المرأة لمتابعة زوجها، فيظهر عندها أن زوجها منشغل عنها وأنه لا يعطيها حقها، وأنه منشغل عن البيت والعيال، ... إلى آخر ما يمكن أن يأتي على لسانها، فتحدث المشاكل بينها وبين زوجها والسبب وجود الخادم في البيت!
تنظر الأسرة إلى الخادم حينما تأتي في البيت وفيه أولاد ذكور في سن المراهقة وما يمكن أن يصحب ذلك من مفاسد!
تنظر الأسرة إلى الخادم في البيت وما يمكن أن يخلقه من مشاكل توقع في الإثم والحرام إذ الخادم أجنبية لا يجوز للرجال الأجانب عنها النظر إليها، و لا الخلوة بها، ولا السفر بها دون محرم، وتزداد المشكلة سوءاً إذا كانت الخادم على قسط من الجمال! ولا تقف المشكلة عند الخادم داخل البيت بل الخادم السائق خارج البيت ينسحب عليه نفس الكلام السابق بما يناسبه، ماذا تصنع الأسرة حيال هذا؟
وتتساءل الأسرة مع هذا جميعه هل سددت وقاربت في تحقيق عدم الظلم لهذه الخادم؟ هل راعت شرع الله معها في عدم تكليفها بما لا تطيق؟
وإذا تذكرت الأسرة ما تسمعه من القصص عن بعض الخدم الذين يشتغلون بالسحر وأمور الشعوذة([2])فإنها تتردد مئات المرات قبل أن تعزم على استخدام الخادم!
وقد لا يتيسر للأسرة أو على الأقل لربة الأسرة الإشراف المباشر على الخادم لانشغالها بأمور عملها ووظيفتها([3])فتوكل أمر تربية الأولاد، وإدارة شؤون البيت إلى الخادم، التي عادة ليست من مجتمعنا، و لا تراعي قيمنا، و لا تحسن لغتنا، بل وأحياناً لا تكون مسلمة أصلاً؛ فهل يسهل على الأسرة الموافقة على إحضار خادم في البيت والحال هذه؟
وقضية الخادم السائق ـ وإن كانت أهون من الخادم داخل المنزل ـ لا تخلو من مشاكل شرعية ودنيوية؛ فالسائق لا يخلو الحال فيه من حصول خلوة مع من يوصلهن من النساء، وهو ليس بمحرم فلا يجوز شرعاً أن يسافر بهن من بلد إلى بلد دون وجود المحرم، وقد يكون بعيداً عن الدين فيُشتكى من طول عينه ومدّها إلى ما لا يحل! و قد لا يكون متقناً لعمله أو لا يعتني بالمركب الذي كلف باستعماله في إيصال الأهل والعيال، فيفسد المركب على صاحبه، ويضيع ماله!
وهناك جوانب أخرى سلبية في وجود الخادم تظهر على المدى البعيد؛
فالأسرة فيها الصغير والكبير، فإذا نشا الصغير وهو يرى أخاه أو أخته الأكبر منه تقوم بعمل ما في البيت، وهو يلجأ إليها من أجل أي شيء يحتاجه من كوب الماء إلى صحن الطعام إلى ما شاء الله من الأمور التي يحتاجها، فإذا فتح عينه على هذا الأساس نشأ في نفسه احترام وتودد إلى أخيه أو أخته، فما يكبر إلا وقد عرف لهما حقهما وقدرهما، وتنشأ له عند من هو أكبر منه رحمة يجده الكبير في قلبه للصغير الذي يحتاج إليه ولا يستغني عنه؛ فتسود البيت روح الحب والاحترام والرحمة، ويختلف الحال لمّا توجد في البيت خادمة! فإن الطفل لا يتعود على طلب شيء من إخوانه أو أخواته، إنما يطلب ما يحتاجه من الخادمة، التي تلبي له كل طلباته، فيكون لها في نفسه من المحبة ما ليس لباقي أفراد الأسرة حتى الأم أحياناً! وينبني على هذا أنك تجد الأسرة وقد قل فيها الحب والاحترام والرحمة بين أفرادها، بصورة ملفتة للنظر، ويتساءل الناس ما السبب؟! والسبب هو ما ذكرت من وجود الخادم في المنزل!
الزوج إذا رأى أن الخادم تقوم بكل العمل فإنه يشعر ـ إلا ما شاء الله تعالى ـ أن الزوجة لا تهتم به، وأنها مضيعة للأسرة، وأن البيت أصبح بلا روح، فماذا يصنع؟
هذا غير ما ينتج من وجود الخادم من إثقال لميزانية البيت بأعباء قد تجرّ بعض أرباب الأسر إلى شيء مما يحرم لأنه بظنه يريد أن يكفل لأسرته مستوى حياة معيشية تليق بهم! ولعله لو وضّح الأمر لأسرته لأجابت أنها في غنى عنها!
زد على هذا ما ينتج من وجود الخادم من تنامي خصلة الاعتماد على الغير لدى أفراد الأسرة، حتى إن البنات اللاتي على وجه الزواج لا يحسن تدبير المنزل بسبب أنهن نشأن وهن لا يعرفن من أمور خدمة البيت وحاجياته شيء!
وما قد ينتج من الشعور بالحسد والغيرة لدى الجيران والأقارب الذين ليس لديهم خادمات!
وهل يقتصر الأمر في الخدم على الأسرة؟ الجواب: لا! بل ويشمل المجتمع، إن الخــدم عادة ما يكونون مستقدمين من بلدان أخرى، ويكونون داخل البلد جماعات، فيجتمعون ويحصل بسبب اجتماعهم من المــشاكل ما الله به عليم! و لا أظن هناك من يُجادل بأن الكثير من عاداتنا الاجتماعية الحسنة قد تأثرت وتغيرت بسبب الخدم! و لا أظن أحداً ينكر تفشي بعض السلبيات من حوادث وغيرها في مجتمعنا بسبب كثرة الخدم!
وقد يكون الخادم موجودا بصورة غير نظامية فاستعماله والحالة هذه مخالفة لولاة الأمر، وهذا أمر محرم شرعاً! وله أضراره الجسيمة والخطيرة على المدى البعيد، التي لا تخفى ـ إن شاء الله تعالى ـ على من تأمل!
وبعد هذا جميعه وقبله إن سألتني ما الحل؟ فأقول: وهل هناك أصدق من كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وما انطوت عليه كلمته صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته لما أتته تطلب الخادم، فأتاها في بيتها مع زوجها علي وقال لهما:
"أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ". حديث صحيح. أخرجه البخاري في كتاب النفقات باب عمل المرأة في بيت زوجها، حديث رقم (5361)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التسبيح أول النهار وعند النوم، حديث رقم (2727)
علماً بأن هذا خير من الخادم لمن استطاعه أمّا من لم يستطعه فلا حرج عليه ـ إن شاء الله ـ من استخدام الخادم، ولكن يحتاج إلى تعلم الأحكام الشرعية المتعلقة به.
([1]) والـشرع لم يفرض على المسلم والمسلمة أكثر مما يحتاجانه من العلم في يومهما وليلتهما لإقامة دينهما، والمرأة على وجه الخصوص محلها وشغلها في بيتها بعد استكمال ما يلزمها العلم به من أمور دينها التي تحتاجهـــا، و لا تطالب بأكثر من ذلك، فيكون ماعدا هذا تحصيله من باب تحصيل المستحبات! فكيف الحال إذا خرجت من بيتها وسلمته للخادمة من أجل تحصيل الأمور التي هي من قبيل المستحبات لا الواجبات، بل قد تكون في حقها فقط من قبيل المباحات فقط!
([2]) ومن ذلك ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد (صحيح الأدب المفرد ص81): "عن عمرة أن عائشة رضي الله عنها دبّرت أمة لها فاشتكت عائشة فسأل بنو أخيها طبيباً من الزط، فقال: إنكم تخبروني عن امرأة مسحورة، سحرتها أمة لها، فأخبرت عائشة. قالت: سحرتيني؟ فقالت: نعم. فقالت: ولم؟! لاتنجبين أبداً! ثم قالت: "بيعوها من شر العرب ملكة"
قلت: فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين لم تسلم من أذاية خادمتها، فكيف الحال مع غيرها؟
([3]) علماً بأن عمل المرأة ووظيفتها ليست عليها من الواجبات فالنفقة عليها وعلى بيتها وأولادها واجبة على الزوج، فلماذا تركب هذه الصعاب التي قد تقع فيها ومعها في المحرمات، أفيجوز أن يسعى المسلم لتحصيل مباح بطريق يوقعه في المحرم؟