أي الجارحتين أفضل اللسان أم العينان ؟
لا شك أن أشرف ما في الإنسان محل العلم منه وهو قلبه ولسانه وسمعه وبصره ولما كان القلب هو محل العلم ، والسمع رسوله الذي يأتي به ، والعين طليعته ، كان ملكا على سائر الأعضاء يأمرها فتأتمر بأمره ، ويصرفها فتنقاد له طائعة بما خص به من العلم دونها ، فلذلك كان ملكها والمطاع فيها .
قال الإمام المحقق ابن القيم في مفتاح دار السعادة : اللسان أحد آيات الله الدالة عليه ، وهو ترجمان ملك الأعضاء يبين عنه ويبلغ عن مقاصده ومراداته ، فجعله سبحانه ترجمانا لملك الأعضاء الذي هو القلب مبينا عنه ، كما جعل الأذن رسولا مؤديا مبلغا إليه ، فهي رسوله وبريده الذي يؤدي إليه الأخبار ، واللسان رسوله وبريده الذي يؤدي عنه ما يريد .
واقتضت حكمته سبحانه أن جعل هذا الرسول مصونا ، محفوظا مستورا غير بارز مكشوف كالأذن والعين والأنف ، لأن تلك الأعضاء لما كانت تؤدي من الخارج إليه جعلت بارزة ظاهرة ، ولما كان اللسان مؤديا منه إلى الخارج جعل مستورا مصونا لعدم الفائدة في إخراجه لأنه لا يأخذ من خارج إلى القلب .
قال وأيضا فإنه لما كان أشرف الأعضاء بعد القلب ، ومنزلته منه منزلة ترجمانه ووزيره ، ضرب عليه سرادق يستره ويصونه ، وجعل في ذلك السرادق كالقلب في الصدر .
فعلم من كلامه أن أشرف الأعضاء بعد القلب اللسان ، وهو كذلك .
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
م . ن