سُئل الشيخ ربيع حفظه الله وبارك في عمره : ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يطيل العمر إلا البر " ؟
أجاب الشيخ إجابة مفصّلة وقال فيها : " .. وبالنسبة للشق الثاني أقول : رأيت من أحسن الأجوبة عنه ما قاله ونقله الحافظ ابن حجر عن ابن التين حيث قال : " قال ابن التين ظاهر الحديث يُعارض قوله تعالى : ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون ) والجمع بينهما من وجهين :-
أحدهما : أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ، ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم ، فأعطاه الله ليلة القدر ، وحاصله : أن صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية ، فيبقى بعده الذكر الجميل ، فكأنه لم يمت.
ومن جملة ما يحصل له من التوفيق : العلم الذي ينتقع به من بعده والصدقة الجارية عليه والخلف الصالح ، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر - إن شاء الله تعالى - .
ثانيهما - أن الزيادة على حقيقتها ، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر ، وأما الأول الذي دلت عليه الآية فالبنسبة إلى علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلاً : إن عمر فلان مائة مثلاً إن وصل رحمه ، وستون إن قطعها ، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع ، فالذي في علم الله لا يتقدم أو يتأخر ، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص .
وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويُثبت وعنده أم الكتاب ) ، فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب : هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه ألبتة ، ويقال له القضاء المبرم ، ويقال للأول : القضاء المعلق ، والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب ، فإن الأثر ما يتبع الشيء ، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فَقدِ المذكور .
وقال الطيبي : الوجه الأول أظهر ، وإليه يشير كلام صاحب الفائق ، قال : ويجوز أن يكون المعنى أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلاً فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم ، ولما أنشد أبو تمام قوله في بعض المراثي :
توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر
قال له أبو دلف : لم يمت من قيل فيه هذا الشعر .
ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام : ( واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين ) .
أورده الحافظ هذا الكلام في شرحه لحديثي أبي هريرة وأنس وهما :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وأَُنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
عن ابن شهاب قال : أخبرني أنسُ بن مَالكٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ و يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
[ انظر : " الفتح " ( 10 / 429 - 430 ) ]
انتهى جواب الشيخ ربيع حفظه الله عن هذا السؤال من الذريعة ( 2/ 158-160 )
********************************************
صبيحة الأحد 10 جمادى الأولى 1436هـ
شبكة سحاب السلفية