بسم الله الرحمن الرحيم
السُّحور بركة أعطاكُموها الله فلا تَدَعوها
السَّحَرُ : آخِرُ الليل قُبَيْلَ الفجر ، وقيل: السَّحَرُ من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر.
السُّحورُ : هو ما يَتناوله المرء من طعام وشراب وقت السَّحَرِ استعداداً للصوم.
ما الفرق بين السَّحورِ والسُّحورِ ؟
السَّحورُ : ما يُتسَحَّرُ به ، والسُّحُورُ: الفعل نفسه[1].
الحِكَمُ من مشروعية السُّحورِ
{ نَيْلُ البركة عموماً .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن السحور بركة أعطاكُموها الله، فلا تَدَعوها ) صحيح الجامع ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( البركة في ثلاثة : في الجماعة ، والثريد ، والسحور ) صحيح الجامع ، و قال صلى الله عليه وسلم : ( تَسَحَّروا فإن في السحور بركة ) متفق عليه ، و قال صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بهذا السحور ، فإنه هو الغَداء المبارك ) صحيح الجامع .
{ تحصيل الأجر العظيم بامتثال توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم .
قال عز وجل : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب : 71 .
{ نَيْلُ بَركةِ صلاة الله عز وجل والملائكة على المُتَسحِّر .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( السحور كله بركة ؛ فلا تدعوه ولو أن يجْرع أحدكم جرعةً من ماء؛ فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين ) سلسلة الأحاديث الصحيحة .
{ مُناسبة وقت مهم من أوقات استجابة الدعاء .
لأنَّ الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا[2] – نزولاً يليق بجلاله سبحانه – في الثلث الآخير من الليل أي وقت السَّحَرِ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ) متفق عليه .
وقد امتدح الله عز وجل المؤمنين الذين يستغفرونه في وقت السَّحَرِ ، مما يدل على فضل هذا الوقت ، قال عز وجل : ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الذاريات : 18 ، وقال عز وجل : ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) آل عمران : 3 . { تمييز أمة الإسلام عن غيرها من الأمم السابقة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكْلَةُ السَّحَرِ ) رواه مسلم .
قال القرطبي رحمه الله:[ الفَصْلُ: الفَرْقُ، وأهل الكتاب: اليهود والنصارى، وهذا الحديث، يدل على أنّ السُّحورَ مِن خصائص هذه الأمة ومما خُفِّف به عنهم ] المفهم (3/156).
تأمل
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:[ والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة، وهي: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام ] فتح الباري (4/140).
حُكمُ السُّحورِ
قال العلامة ابن المنذر رحمه الله: [ وأجمعوا على أنّ السحور مندوب إليه ] الإجماع (58) ، وقال الحافظ النووي رحمه الله تعليقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تَسَحَّروا فإن في السحور بركة ) : [ فيه الحث على السحور، وأجمع العلماء على استحبابه، وأنه ليس بواجب ] شرح صحيح مسلم (7/213).
تأخير السُّحور هو سُنَّة الأنبياء والمرسلين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنا معشر الأنبياء، أُمرنا أن نُعَجِّل إفطارنا ، ونُؤخِّر سُحورنا، ونَضَعَ أيماننا على شمائلنا في الصلاة ) صحيح الجامع ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( عجّلوا الإفطار، وأخّروا السُحور ) صحيح الجامع .
عن أنس بن مالك t عن زيد بن ثابت t أنه قال: ( تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قَدْرَ خمسين آية ) متفق عليه .
قال النووي رحمه الله:[ فيه الحث على تأخير السحور إلى قُبَيْل الفجر ] شرح مسلم (7/208).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:[ في قوله ( قَدْرَ خمسين آية ) أي متوسطة ، لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة ] فتح الباري (4/138).
وقال الحافظ النووي رحمه الله : [ اتَّفق أصحابنا وغيرهم من العلماء على أَنَّ السَّحُورَ سُنَّة ، وأنَّ تأخيره أفضل ، ودليل ذلك كله الأحاديث الصحيحة ، ولأن فيهِما - يعني السحور وتأخيره - إعانةً على الصوم ، ولأن فيهِما مخالفةً للكفار ] المجموع (6/406) .
بدعة الإمساك قبل حلول الفجر بدقائق
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:[ مِن البدع المنكرة ما أُحْدِثَ في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان ، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ] فتح الباري (4/199).
وسئل الشيخ الإمام ابن العثيمين رحمه الله عما يوجد في بعض التقاويم من تحديد وقت للإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة .
فقال رحمه الله : [ هذا من البدع ، وليس له أصل من السنة ، بل السنة على خلافه ، لأن الله قال في كتابه العزيز : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ) البقرة:187 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) . وهذا الإمساك الذي يصنعه بعض الناس زيادة على ما فرض الله U فيكون باطلاً وهو من التنطع في دين الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ ) رواه مسلم ] اهـ
وسئل الشيخ الإمام ابن باز رحمه اللهعن جعل وقت للإمساك قبل الفجر بحوالي ربع ساعة .
فقال رحمه الله : [ لا أعلم لهذا أصلا ، بل الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الإمساك يكون بطلوع الفجر ؛ لقول الله سبحانه : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) البقرة/187 .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الفجر فجران : فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة ، وفجر تحرم فيه الصلاة (أي صلاة الصبح) ويحل فيه الطعام ) رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه كما في بلوغ المرام ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ) قال الراوي : وَكَانَ ابن أم مكتوم رَجُلا أَعْمَى لا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ . متفق على صحته ] مجموع فتاوى ابن باز (15/281) .
أفضلُ ما يُتَسحَّرُ به
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَ سُحور المؤمن التمر ) سلسلة الأحاديث الصحيحة للإمام الألباني رحمه الله.
قال الطيبي رحمه الله: [ وإنما مدحه في هذا الوقت؛ لأن في نفس السحور بركة، وتخصيصه بالتمر بركة على بركة... ليكون المبدوء به والمنتهى إليه البركة ] شرح الطيبي على المشكاة (4/157).
فائدة
سئل الشيخ الإمام ابن العثيمين رحمه الله هل الإقتصار على شرب الماء يُعدُّ سحوراً ؟ فقال رحمه الله : [ الظاهر أنه يسمى سحوراً ، لكن إذا لم يجد طعاماً ، لحديث : (إذا أفطر أحدكم فليفطر على رطب ، فإن لم يجد فعلى تمر ، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء) فإذا كان ليس عنده طعام يعني ليس عنده مأكول ، أو عنده مأكول لكن لا يشتهيه ، وشرب ماءاً فأرجو أن تحصل له السنة ] "فتاوى نور على الدرب" .
جَمَعَ مادته من الشبكة
أَبُو عِمْرانٍ الأَثَرِيّ
عامَلَهُ الله بِلُطْفِه الْخَفِيّ
_______
[1] فائدة : كذلك الوَضوءُ والوُضوءُ ، والطَّهورُ والطُّهورُ .
فالوَضوءُ : الماء الذي يُتَوضَّأ به ، والوُضوءُ : الفعل نفسه.
الطَّهورُ : الماء الذي يُتَطَهَّرُ به ، والطُّهورُ : الفعل نفسه.
[2] قالَ الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله : « القولُ فِي السنَّةِ التي أنَا عليهَا ورأيتُ أصحابَنا عليها، أهلَ الحديثِ الذينَ رأيتهم فأخذتُ عنهم، مثلُ سفيانَ [بن عيينة] ومالكٍ وغيرهما : الإقرارُ بشهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله.. وأنَّ اللهَ على عرشه في سمائهِ يقربُ منْ خلقهِ كيفَ شاء. وأنَّ الله تعالى ينزلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا كيفَ شاءَ » الوصية (ص54)، تحقيق: الشيخ سعد الدين الكبي حفظه الله تعالى - طبعة المكتب الإسلامي.
وقالَ أبو العبَّاس السرَّاج رحمه الله: « منْ لم يُقِرَّ ويؤمنْ بأنَّ اللهَ تعالى يعجَبُ، ويضحَكُ، وينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيقولُ: «منْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيه؟» فهو زنديـقٌ كافرٌ، يُسْتَتابُ، فإنْ تابَ وإلا ضُرِبَتْ عنقهُ، ولا يُصَلَّى عليهِ ولا يُدْفنُ في مقابرِ المسْلمينَ » العلوّ (ص534).
الملفات المرفقه