فقلتُ موافقاً مؤيداً :
بارك الله فيك أخي الحبيب سفيان على هذه الفوائد الغالية النفيسة ، ولعلك تسمح لي بالتطفل على موضوعك القيم هذا بهذه المشاركة المستفادة من كتاب " فن الحوار " للحاشدي :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( حدِّث النَّاس ما حَدَّجوك بأبصارهم [1] ، و أقْبَلَتْ عليك قلوبُهُم ، فإذا انصرفتْ عنك قلوبهم فلا تحدِّثهم ) قيل : ( وما علامة ذلك ؟ ) ، قال : ( إذا التفتَ بعضُهم إلى بعض ، و رأيتَهُم يتثَاءبون ، فلا تُحدِّثهم ) [2]
و عنه أيضاً : ( إنَّ للقلوب نشاطاً و إقبالاً ، و إنَّ لها توليةً و إدباراً ؛ فحدِّثوا النَّاسَ ما أقبلوا عليكم ) [3]
و عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: « حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرَارٍ، وَلاَ تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا القُرْآنَ، وَلاَ أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي القَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي لاَ يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ » [4]
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - مُعَلقاً على وصية ابن عبّاس - رضي الله عنهما - : ( وفيه كراهة التَّحدُّيث عند من لا يُقْبِلُ عليه والنهي عن قطع حديث غيره وأنه لا ينبغي نشر العلم عند من لا يَحرص عليه ويُحَدِّث من يشتهى بسماعه لأنه أجدر أن يَنْتَفِعَ به ) [5]
وعن أبي هلال العسكريّ قال : سمعتُ الحسن يقول : ( كان يقال : حَدِّث القوم ما حملوا ) قيل ( ما حملوا ؟ ) قال : ( ما نشطوا ) [6]
و قال الخطيب البغدادي : ( حقُّ الفائدة ألا تُسَاق إلا إلى مُبتغيها ، ولا تُعْرَضُ إلا على الرَّاغب فيها ، فإنْ رأى المحدِّث الفتور من المستمع فليسكت ؛ فإنَّ بعض الأدباء قال : نشاطُ القائل على قَدْرِ فَهْمِ المستمع ) [7]
وقال أبو عبَّاد : ( ينبغي للمُحَدِّث إذا أنكَرَ من السَّامع أن يستفهمه عن معنى حديثه ، فإنْ وَجَدَه قد أخلص له الاستماع ، أتَمَّ له الحديث ، و إنْ كان لاهياً عنه حَرَمَه حسْنَ الاستقبال عليه ، ونَفْعَ المؤانسة ، و عَرَّفَهُ بسوء الاستماع و التقصير في حقِّ المحدِّث ) [8]
وقال البيحانيُّ : ( إذا رأيتَ من جليسك الإعراض عنك ، أو الانشغال بأمر آخر ، فلا تُكَلِّفْهُ الاستماع إليك ) [9]
وعن رُؤبة بن الحجَّاج قال : ( أتيتُ النسابة البكريّ ، فقال لي : من أنت ؟ قلت : رؤبة بن الحجّاج ، قال : قصرت وعرفت ، فما جاء بك ؟ قلت : طلبُ العلم ، قال : لعلَّك من قوم أنا بين أظْهُرِهِم ، إن سكتُّ لم يسألوني ، و إن تكلمت لم يَعُوا عنِّي ، قلت : أرجو ألا أكون منهم ) [10]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
[1] : أي رموك بها ، يريد حدّثهم ما داموا يشتهون حديثك ، فإذا أعرضوا عنك فاسكت .
[2] : أخرجه البغويُّ في شرح السُّنَّة (314/1)
[3] : أخرجه الدَّارَميُّ في سُننه (68/1)
[4] : أخرجه البخاريُّ (6337)
[5] : فتح الباري (139/11)
[6] : أخرجه الدَّراميُّ في سننه (68/1)
[7] : الجامع لأخلاق الرَّاوي (330/1)
[8] : زهرة الأدب (195/1)
[9] : إصلاح المجتمع (260)
[10] : جامع بيان العلم (109/1)