شرح ألفية ابن مالك [8]
المعتل من الأسماء مقصور أو منقوص، فالمقصور تقدر عليه جميع الحركات، والمنقوص تظهر عليه الفتحة وتقدر الضمة والكسرة، والمعتل من الأفعال إما أن يكون في آخره ألف أو ياء أو واوا، وقد بين ابن مالك إعرابها وأوضحه الشراح.
إعراب المنقوص والمقصور
قال المؤلف رحمه الله: [ وسم معتلاً من الأسماء ما كالمصطفى والمرتقي مكارما ] سم: فعل أمر. معتلاً: مفعول ثان مقدم. ما: مفعول أول مؤخر. يعني: سم ما كالمصطفى والمرتقي مكارم معتلاً، وعلى هذا فيكون المفعول الثاني لسم مقدماً على المفعول الأول. والمعتل ما آخره ألف -ولا حاجة إلى أن نقول: مفتوح ما قبلها؛ لأن كل ألف مفتوح ما قبلها- أو ياء مكسور ما قبلها، أو واو مضموم ما قبلها، لا بد أن نقول: ياء مكسور ما قبلها أو واو مضموم ما قبلها. فالمعتل إذاً ما آخره ألف أو واو أو ياء، ولا بد أن تكون الألف أو الواو أو الياء لازمة لا تتغير. فقولنا: أن يكون آخره ألف لازمة خرج به المثنى؛ لأن ألفه غير لازمة، فإنها إنما تكون لازمة في الرفع، وفي النصب والجر لا تكون لازمة. وقولنا في الياء: ياء لازمة مكسور ما قبلها، خرج بذلك ياء المثنى وياء جمع المذكر السالم في حالتي النصب والجر فلا يسمى ذلك معتلاً؛ لأن الياء غير لازمة، وكذلك الياء في الأسماء الخمسة في حالة الجر غير لازمة. وقولنا: مكسور ما قبلها، احترازاً من الياء التي لا يكسر ما قبلها، مثل: ( ظبي ) آخره ياء لكنها غير مكسور ما قبلها فلا يكون معتلاً، ولهذا تظهر عليه الحركات فتقول: هذا ظبيٌ، ورأيت ظبياً، ومررت بظبيِ. وخرج بقولنا: واو لازمة الواو في الأسماء الخمسة في حالة الرفع، وفي جمع المذكر السالم في حالة الرفع؛ لأن الواو غير لازمة. وخرج بقولنا: مضموم ما قبلها: ما لو كان ما قبلها ساكناً مثل: دلو، فهذه غير معتلة وإن كان آخرها واواً؛ لأنه لم يضم ما قبلها. يقول المؤلف رحمه الله: سم هذا النوع من الأسماء معتلاً، ثم مثَّل بقوله: (كالمصطفى) هذا المعتل بالألف، (والمرتقي) هذا المعتل بالياء. وذكر المؤلف هذا تمهيداً لما يأتي بعد في قوله: [ فالأول الإعراب فيه قدرا جميعه وهو الذي قد قصرا ] الأول هو المعتل بالألف ( المصطفى ) يقدر فيه الإعراب جميعه، [ وهو الذي قد قصرا ] يعني: يسمى المقصور. الأول وهو المعتل بالألف يسمى المقصور وتقدر فيه جميع الحركات، ولا تظهر فيه أي حركة، فتقول: جاء موسى، ورأيت موسى، ومررت بموسى. الإعراب: نقول في المثال الأول: موسى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. قال المؤلف: [ والثاني منقوص ونصبه ظهر ورفعه ينوى كذا أيضاً يجر ] الثاني هو المنقوص ( المرتقي ) يعني: المعتل بالياء يسمى منقوصاً. (ونصبه ظهر) يعني: تظهر عليه علامة النصب وهي الفتحة. (ورفعه ينوي كذا أيضاً يجر) يعني: تقدر عليه الضمة، وتقدر عليه الكسرة. وكذلك المعتل بالواو تظهر عليه الفتحة وتقدر عليه الضمة والكسرة. مثال المعتل بالياء: جاء القاضي. جاء: فعل ماض. القاضي: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل. ولا نقول: التعذر، لأنه يمكن أن تقول: جاء القاضيُ، لكن هذا ثقيل على اللسان. مررت بالقاضي. مررت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. والقاضي: اسم مجرور بالباء وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، ولا نقول: التعذر؛ لأنه يمكن أن تقول: مررت بالقاضيِ لكن هذا ثقيل، ولهذا قال العلماء: منع من ظهورها الثقل. ومثال المعتل بالواو: سمندو، أظن أنه اسم شجر يمثل به النحويون، فسمندو هذا آخره واو مضموم ما قبلها، تظهر عليه الفتحة، ولكن لا تظهر عليه الكسرة ولا الضمة، فيعرب في حال الجر بالكسرة المقدرة على آخره منع ظهورها الثقل، وفي حال الرفع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل. انتهى الكلام على المعتل من الأسماء. مثال: قرأت في المنتقى. قرأ: فعل ماض، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. في: حرف جر. المنتقى: اسم مجرور بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر. مثال آخر: رأيت المهتدي مستقيماً. رأيت: رأى: فعل ماض، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. المهتدي: مفعول به أول منصوب بالفتحة الظاهرة. مستقيماً: مفعول به ثان منصوب بالفتحة الظاهرة. ......
إعراب الأفعال المعتلة الآخر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأي فعل آخر منه ألف أو واو او ياء فمعتلاً عُرِفْ فالألف انو فيه غير الجزم وأبد نصب ما كيدعو يرمي والرفع فيهما انو واحذف جازما ثلاثهن تقض حكما لازماً ] لما انتهى المؤلف رحمه الله من ذكر الأسماء المعتلة أواخرها شرع في ذكر الأفعال المعتلة أواخرها، والفعل يعتل بالألف مثل (يسعى) وبالواو مثل ( يغزو ) وبالياء مثل ( يرمي )، ولهذا قال: قوله: [ وأي فعل آخر منه ألف أو واو او ياء فمعتلاً عُرِف ] أي: مبتدأ، وجملة (عُرِفَ) خبره، والمعنى: أي فعل آخره ألف أو واو أو ياء فإنه يسمى معتلاً. إذاً: الأفعال يقال فيها معتلة، والأسماء يقال فيها: مقصور ومنقوص. فالفعل إذا كان آخره حرف علة فقد مر علينا في الصرف أنه يسمى ناقصاً، وإذا كان حرف العلة وسطه سمي أجوف. قوله: ( فالألف انو فيه غير الجزم ): أي: الفعل إذا كان آخره ألفاً (فانو فيه) أي: قدر فيه ( غير الجزم ) وهو الرفع والنصب، مثاله: ( الرجل يسعى )، يسعى: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. ( الرجل يخشى )، يخشى: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. قوله: (وأبد نصب ما كيدعو يرمي ) الذي كيدعو هو المعتل بالواو، والذي مثل ( يرمي ) هو المعتل بالياء. وفي هذا التمثيل إشكالان: الإشكال الأول أن الكاف دخلت على الفعل، وقد علمنا فيما سبق أن حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء! والجواب: أن المقصود به اللفظ، والمعنى: كهذا اللفظ، فنقول: الكاف حرف جر، و(يدعو) اسم مجرور بالكاف بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. الإشكال الثاني: قوله: ( يرمي ) لا يصلح أن نجعلها بدلاً من ( يدعو ) لاختلاف اللفظ والمعنى؟ والجواب: أن حرف العطف محذوف مقدر، وسبب حذفه دلالة السياق عليه. وقوله: ( أبد نصب ما كيدعو يرمي ) الكاف هنا للتشبيه، المعنى: أظهر نصب كل ما يشبه هذا الفعل مما هو معتل بالواو مثل: يدعو تقول: يعجبني أن يدعوَ المنيب ربه، يعجبني أن يغزوَ الإنسان عدوه الكافر، إن الكافر إذا مات على كفره لن يرجوَ عفو الله. كذلك يظهر نصب الفعل المعتل بالياء، مثل: يُعجبنيَ أن يرميَ الرجل، يعجبني أن يقضيَ بالحق، يعجبني أن يحميَ الإنسان نفسه من الدنس. ثم قال رحمه الله تعالى: [ والرفع فيهما انوِ ] أي: يقدر الرفع فيهما، وهما الفعل المعتل بالواو مثل (يدعو) والفعل المعتل بالياء مثل (يرمي). بقي الجزم؛ قال رحمه الله: [ واحذف جازماً ثلاثهن ] أي: احذف الألف والواو والياء، [ تقض حكماً لازماً ] أي: تأت به. والخلاصة أن الفعل المعتل بالألف يقدر عليه الفتح والضم. والمعتل بالواو أو الياء تقدر عليه الضمة، وتظهر الفتحة. فإذا قال القائل لماذا تظهر الفتحة على الياء والواو ولا تظهر على الألف؟ نقول: لأن الألف صامتة لا تلين ولا تقرأ، ولهذا قلنا: المانع من الظهور تعذر، والياء لينة، وكذلك الواو لينة ليست ثقيلة ولا غليظة، ولهذا تحتمل الفتحة لخفتها، ولا تحتمل الضمة لثقلها، فاجتمع أمران: الأمر الأول: أن الياء سهلة وكذلك الواو، بخلاف الألف. والثاني أنها تظهر عليها الفتحة لخفتها، ولأن حرف العلة فيه لين، ولهذا يمكن أن تظهر عليه الضمة لكن بثقل، فيمكن أن تقول: ( فلان يدعوُ ربه ) ( فلان يمشيُ على الأرض )، لكن هذا فيه ثقل في النطق. أما في الجزم فيقول: ( احذف جازماً ثلاثهن ) يعني احذف الألف والواو والياء إذا جزمت، تقول مثلاً: الرجل يسعى لنيل العلم، وتقول: الجاهل لم يسع لنيل العلم، فتحذف ألف (يسعى) بسبب الجزم. مثال آخر: تقول: فلان لم يأت، وأصلها (يأتي) بالياء؛ لكن حذفت الياء للجازم. وتقول: المستكبرُ لم يدع ربه، حذفت الواو للجازم. وقال الله تعالى: (( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ )) حذفت الواو لدخول الجازم عليها، والله أعلم. وفعل الأمر كالمضارع إلا أن الأمر يكون مبنياً لا معرباً، والماضي يكون أيضاً مبنياً لا معرباً، وكلامنا هنا على الفعل المعرب.......
خلاصة الإعراب والبناء
واعلم أن باب المعرب والمبني، ينبني عليه النحو كله، وهذا الباب هو النحو الحقيقي، لأنك تعرف به علامات الإعراب. وعلامة الرفع الأصلية هي الضمة وينوب عنها الواو، والألف، والنون. ينوب عنها الواو في موضعين هما: جمع المذكر السالم، والأسماء الستة، وهي: ( أب - أخ - حمو - ذو - هن - فو ). وجمع المذكر السالم هو ما جمع بواو ونون أو ياء ونون زيادة على مفرده، مثل: مسلم مسلمون. وعلامة النصب الفتحة: كل منصوب ينصب بالفتحة، وينوب عنها الألف والياء وحذف النون والكسرة. فالألف تنوب عنها في باب واحد وهو الأسماء الستة. والياء تنوب عنها الياء في بابين هما: جمع المذكر السالم والمثنى. والكسرة تنوب عنها في باب واحد، وهو جمع المؤنث السالم. وحذف النون ينوب عنها في الأفعال التي ترفع بثبوت النون. وعلامة الجر الأصلية هي الكسرة، وينوب عنها الفتحة والياء. فالياء ينوب عن الكسرة في الأسماء الستة والمثنى وجمع المذكر السالم. والفتحة تنوب عن الكسرة في الاسم الذي لا ينصرف. وعلامة الجزم الأصلية هي السكون. وينوب عن السكون حذف حرف العلة في الفعل المعتل، وحذف النون في الأفعال الخمسة. ثم الحركات تظهر على كل اسم صحيح، وتقدر على كل اسم معتل، فالمعتل بالألف تقدر عليه جميع الحركات وهو المقصور، والمعتل بالياء تقدر عليه جميع الحركات إلا الفتحة، والمعتل بالواو كالمعتل بالياء تقدر عليه الحركات كلها إلا الفتحة. ......