أصول فالح الحربي الخطيرة ومآلاتها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد :
فإنَّ لفالح الحربي أصولاً أضرت بالمنهج السلفي وأهله وأحدثت فتناً بين الشباب وقد نصحته وغيري بالتراجع عنها فلم يرجع عنها، بل تمادى فيها وأضاف إليها أصولاً أخرى سأذكر أهمها هنا نصحاً لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، وأبين ما تؤول إليه هذه الأصول من أضرار ومخاطر.
الأصل الأول : أدخل ما يسمى بجنس العمل في قضايا الإيمان ([1]) وادعى أنه ركن في تعريف الإيمان وقد نصحته عن التعلق بالألفاظ المتشابهة ومنها جنس العمل فإنه لفظ مجمل، ومع ذلك فلا ذكر له في الكتاب والسنة ولا أدخله أحد من السلف في تعريف الإيمان.
وطالبته وفئته أن يأتوا حتى بمجرد ذكره في القرآن والسنة وببيان من أدخله من السلف في قضايا الإيمان أو تعريف الإيمان فعجزوا عن ذلك، ولجأوا إلى عبارات لمتأخري أهل السنَّة لا حجة لهم فيها لأنَّها تأتي على غير مراد الحدادية.
وطالبته وفئته أن يقتصروا على تعريف السلف للإيمان بأنه قول وعمل أو قول وعمل واعتقاد ويزيد وينقص، وفي ذلك كفاية، فإنه جامع مانع، وفيه رد على المعتزلة والخوارج والمرجئة، فأبوا إلا الشغب المستمر ليتوصّلُوا به إلى تبديع أهل السنة وحربهم ومشاغلتهم عن القيام بواجبات الدعوة إلى الله.
ولهذا لم يكفهم التعريف الذي أجمع عليه السلف وأئمتهم من صحابة وتابعين ومن بعدهم، بل زادوا أن من لا يبدع الذين لا يكفرون تارك جنس العمل فهو مرجىء، بل مرجىء غال، فأدى قوله هذا إلى الحكم على السلف بأنهم من غلاة المرجئة، مع أنهم يحاربون الإرجاء الغالي وغيره، وهذا الإمام ابن باز -رحمه الله- يسأل عمن لا يكفر تارك العمل هل هو مرجىء ؟ فأجاب: لا، هذا من أهل السنة ([2]).
لكن فالحاً وزمرته لا يرفعون رأساً بأقوال أهل العلم إذا خالفت أهواءهم، ويصرون على باطلهم المؤدي إلى تبديع أهل السنة . ومنهم العلامة ابن باز كما ترى في جوابه -رحمه الله-.
ولقد أعلنت عدة مرات أني أُكفر تارك العمل، وأحذر فقط من استعمال الألفاظ المجملة، مثل جنس العمل، فلم يكفوا عن رميي بالإرجاء.
الثاني : العمل عنده شرط صحة وهذا من مذاهب الخوارج التي يكفرون بها الأمة، فإن قال: لا، فأقول له: إنك قد صححت هذا المذهب، وادعيت أنه يقوله بعض العلماء(1).
الثالث : إلصاقه بربيع وإخوانه بأنهم يقولون: إن العمل شرط كمال(2)، وهذا يعضد تعلقهم بجنس العمل للتوصل إلى تبديع أهل السنة ورميهم بالإرجاء، مع العلم بأن ربيعاً أول من زجر عن القول بأن العمل شرط كمال ومن آخر من يزجر عنه، اللهم إلا أن العلامة ابن عثيمين-رحمه الله- قد حذر من القول به ومن القول بجنس العمل وشدد في ذلك، وقال فيمن يتعلقون بهما : إنهم يريدون بذلك التكفير واستحلال الحرام .
فأبوا إلا التعلق بهما لأنهما يحققان ما يريدون من الاستمرار في حرب أهل السنة وتبديعهم، وخلال حربهم يفترون على أهل السنة ما يكفرونهم به وما ينـزلون بهم من البوائق، ولا يرفعون بأقوال العلماء رأساً إذا خالفت هواهم، وهذا يكثر منهم.
الرابع : قال السلف: الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فزاد فالح وأنصاره شرطاً وهو أنه لا بد من القول بأنه ينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء وأوجبوه على النَّاس, ورموا من لا يقول بهذه الزيادة بأنه مرجئ(3) وأرجفوا به على أهل السنة إرجافاً شديداً.
ومن ثمار هذا الغلو: تبديع من لا يقول بقولهم من السلف وهم السواد الأعظم، ومنهم الإمام أحمد والشافعي والبخاري، بل وعلماء الأمة الذين حكى عنهم أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري وغيرهم أنهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ولم يزيدوا على ذلك ولم يشترطوا هذه الزيادة.
بل حكى الشافعي إجماع الصحابة ومن بعدهم على القول بأن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، ولم يحكِ هذه الزيادة التي قد يقولها بعض أهل العلم لكنهم لم يشترطوها ولم يلزموا بها الناس كما فعل فالح وأنصاره.
فأدى غلوهم إلى ما ذكرته من تبديع أهل السنة والسلف، بل والصحابة الكرام، ثم نسألهم عن حكمهم على من يقول من السلف: " إن الإيمان قول وعمل ويزيد" ويتورع عن ذكر النقصان.
أو من يعدل منهم عن لفظ الزيادة والنقصان إلى لفظ التفاضل في الإيمان ومقصوده الإعراض عن لفظ وقع فيه النـزاع، وللقارىء الكريم ننقل كلام الإمام ابن أبي زيد ثم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الصدد.
قال أبو عبد الله محمد بن أبي زيد القيرواني المتوفى سنة (386) في كتابه الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ (ص121- 122) : " قال مالك : والإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وفي بعض الروايات عنه: دع الكلام في نقصانه، وقد ذكر الله زيادته في القرآن .
قيل : فبعضه أفضل من بعض؟ قال: نعم.
قال بعض أهل العلم : إنما توقف مالك عن نقصانه في هذه الرواية خوفاً من الذريعة أن تتأول أنه ينقص حتى يذهب كله(1) فيؤول ذلك إلى قول الخوارج الذين يحبطون الإيمان بالذنوب ولكن إنما نقصه عنده فيما وقعت فيه زيادة".
أقول: مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان أنه قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا أمر مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة.
وقال الإمام أحمد والإمام البربهاري: من قال الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره.
وقال سفيان بن عيينة في الإيمان: يزيد وينقص حتى لا يبقى منه شيء، قالها في حالة غضب على من استنكر النقص، فقال: ينقص حتى لا يبقى منه شيء، ولعلها المرة الوحيدة التي قالها، ولم يلزم هو ولا غيره من أئمة السنة أحداً بهذه الزيادة ولا التزمها، بل تجد كثيراً من السلف بل الألوف منهم لا يذكر هذه الزيادة، بل هناك من فقهاء أتباع التابعين من لم يوافقوا على إطلاق النقص، وبعض أئمة السلف وهو ابن المبارك عدل عن لفظ الزيادة والنقصان إلى لفظ التفاضل كما نقل ذلك ابن تيمية، ولم يحاربه أحد من أهل السنة، بل لا يجد منهم إلا الإجلال والإكبار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 7/506):
" وكان بعض الفقهاء من أتباع التابعين لم يوافقوا في إطلاق النقصان عليه لأنهم وجدوا ذكر الزيادة في القرآن، ولم يجدوا ذكر النقص، وهذا إحدى الروايتين عن مالك، والرواية الأخرى عنه؛ وهو المشهور عند أصحابه كقول سائرهم: إنه يزيد وينقص؛ وبعضهم عدل عن لفظ الزيادة والنقصان إلى لفظ التفاضل، فقال أقول: الإيمان يتفاضل ويتفاوت، ويروى هذا عن ابن المبارك وكان مقصوده الإعراض عن لفظ وقع فيه النـزاع إلى معنى لا ريب في ثبوته".
أقول : لكن جاءت فئة في هذا العصر تبدع من قال بقول معظم أهل السنة، واشترطوا على الناس أن يقول القائل منهم الإيمان ينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء، فإن لم يقل ذلك فهو مرجئ عندهم، والذي عنده إدراك وعقل يدرك أن هذا المذهب الجديد يقتضي حتماً تبديع هؤلاء الفقهاء وتبديع ابن المبارك، بل وتبديع مالك، لأن مذهبهم أن من أخطأ مرة لا يعذر ولا يقبل منه رجوع، بل لو ألصقوا به ذنبا هو بريء منه، فلا بد أن يستمروا في إلصاق ذلك الذنب بذلك المظلوم البرىء مهما أعلن براءته منه وحاربه.
الخامس: قول فالح ومن معه بأن الجرح خاص بالرواة، وأن أهل البدع والأهواء لا يدخلون في جرح أئمة الجرح والتعديل، لأن التبديع والحكم به إنما هو خاص بالعلماء الذين عندهم إحاطة بالشريعة وقدرة على الاستنباط، وأئمة الجرح والتعديل ليسوا أهلاً للحكم على أهل البدع ولا يدخل أهل البدع في قواعدهم(1).
مع أن كتب أئمة الجرح والتعديل مشحونة بجرح أهل البدع، والكتب التي ألفها أئمة الحديث مليئة بجرح أهل البدع وبيان أحوالهم، ولا ترى الفقهاء إلا تبعاً لهم في قضايا الجرح والتعديل لأهل البدع وغيرهم، وعلى رأسهم الإمام الشافعي.
وفي مقابل هذا فقد أطلق فالح لنفسه وفئته العنان لتجريح العلماء وأهل السنة(2) بالباطل وإسقاطهم وإسقاط أقوالهم متسلحين بقواعدهم المهلكة التي أسلفنا ذكرها.
ومن عجائب فالح أنه يجيز للعوام أن يحكموا على أهل البدع بالتبديع، فقد وجه له سؤال نصه: " شيخ مسألة التحذير، هل التحذير جرح لشخص إخراج له من المنهج؟ هل كل من حذر منه...؟
الجواب: - الشيخ مقاطعاً-: " ما يكون إخراجاً له من المنهج وقد يكون إخراجاً له من المنهج، حسب ما وقع فيه هذا الشخص مما يُخرجه أو لا يُخرجه، والذي يَحكم بذلك هم أهل العلم في المسائل الدقيقة، المسائل الحادثة.
أما الناس الذين هم على مناهج أهل البدع قد يحكم عليهم العوام، عوام أهل السنة"، المصارعة(ص53).
السادس: ومن أصوله ومن معه أن من قال: إن الإيمان أصل والعمل فرع (كمال) فهو مرجئ ودندن أنصاره بهذا في شبكتهم مدة طويلة، وهذا قطعاً يعود على أئمة الإسلام بالتبديع لأنهم يقولون ويقررون الإيمان أصل والعمل فرع.
وقد كتبت في ذلك مقالاً بينت فيه أنه قول أئمة السنة، وسقت أدلتهم على ذلك فاستمروا على تشبثهم بهذا الأصل، واستمروا على الطعن والتبديع به بعد هذا البيان المقنع لمن يريد الحق ويحترمه.
السابع: الغلو في الدعوة إلى التقليد وبصورة غريبة تخالف دعوة الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- وما عليه أئمة الإسلام من الدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهما والاعتصام بهما واتباع نصوصهما، والعظ على ذلك بالنواجذ، وجعل فالح التقليد أصلاً لم يستثن منه إلا المجتهدين الاجتهاد المطلق مثل أحمد والشافعي ومالك، مع العلم أنه لا يوجد هذا الصنف من قرون([3])، وهذا عكس ما دعا إليه الكتاب والسنة والأئمة المجتهدون الذين جعلوا اتباع الكتاب والسنة والتمسك بهما هو الأصل، وغالباً ما يطلقون الدعوة إلى ذلك ولا يفصلون، وبعضهم يصرح باستثناء العوام، والعاجزين عن فهم الكتاب والسنة، وبعد كل هذا فمن يتمسك بما دعا إليه الكتاب والسنة ولا يخضع لدعوة فالح إلى التقليد الباطل الذي ذمه الله ورسوله يصدر عليه أحكاماً غليظة لا يقولها الخوارج، مثل قوله: " هذا نسف الرسالات السماوية والكتب التي نزلت على الرسل جميعاً".
ومثل إجابته على سؤال سائل قال فيها:" ويكفيك أن عبد المالك يسير على منهجهم في قضية عدم التقليد وأنه حرام بكون يقول لهؤلاء ينظرون حتى في كلام العلماء وهو ما ترده رسالات الرسل وترده العقول السليمة(2) ينظرون وما يقتنعون به يأخذون به، هذه قاعدة لا نقلد ونقول الحق عند المأربي وعند هؤلاء جميعاً الذين أشرت إليهم والذين مر ذكرهم في الحديث ممن هم على شاكلة المأربي ويناصرونه".
أقول: مع أن أخطاء المأربي واضحة للعوام فضلاً عن طلاب العلم.
ومن أخطائه أن في الصحابة من هم غثاء، ومنها قوله في أهل السنة في اليمن بما فيهم علماؤهم: إنهم أراذل وأقزام، وقوله فيهم: لا يصلحون لرعية الحمير.
والذين ينصرون المأربي طلاب علم، وفيهم من يمكن أن نسميهم علماء يمكنهم أن يحكموا على أبي الحسن - لو أرادوا الحق - بأن هذا طعن في الصحابة وطعن في أهل السنة، بل حتى العوام يرون أن هذا طعن وهؤلاء يمكنهم النظر في أقوال أهل العلم وترجيح جانب الصواب - لو أرادوا الحق-.
ومثل قوله في أستاذ في إحدى الجامعات في الجزائر يُدرِّس في الشريعة الإسلامية: " هذا كذب الكتاب والسنة وكذب الإسلام"، لأنه رضي بقول بعض أهل العلم غير فالح فأصدر عليه هذا الحكم الغليظ.
ومثل قوله فيمن قال: لا أقلد وإنما أتبع الرسول-صلى الله عليه وسلم-: "هذا نسف رسالات الرسل والكتب التي نزلت عليهم"، وهذا قاله أحد حملة العلم ومن المدرسين لعقيدة السلف وصحيح البخاري وغيره(1).
وهذا الحكم ينطبق على كل من عدا المجتهدين(2)، والعجب أن هذا الرجل كان يطالب من يناصر أبا الحسن بتقليد علماء معينين ثم انقلب على هؤلاء العلماء يرفض أقوالهم في مشاكله وأخطائه ثم ألب عليهم السفهاء، فعلام يدل هذا التناقض المزعج؟ ألا يدل هذا على أنه لا يريد إلا تقليد شخصه؟ ولقد بينت هذا الأمر الخطير في نصيحتي وغيرها.
فاعجب وانظر إلى هذه الأحكام، من قلَّد حكم عليه بأنه قد كذب الكتاب والسنة وكذب الإسلام، ومن لم يقلد فقد نسف الرسالات السماوية والكتب التي نزلت على الرسل، فكيف ينجو الناس من أحكام فالح؟
ولما نصحته نصيحة سرية، ونصحه غيري أن يرجع إلى الحق، شرع في حرب ضروس لا نظير لها بالأكاذيب والخيانات، وتأليب سفهاء من الناس مجهولين يحاربونا بمقالات شريرة تحت أسماء مجهولة.
وحاربني في قضية التقليد بدعوى أني لم أفصل فيها في نصيحتي، وهذه دعوى باطلة، بل إنني فصلت فيها رغم أن كثيراً من علماء السلف يزجرون عن التقليد، ويطلقون ولا يفصلون مثل الإمام الشافعي والإمام أحمد.
وزعم أني خالفت أئمة الدعوة وخالفت العلماء وخالفت المسلمين والإمام أحمد بن حنبل في دعوتي إلى اتباع الكتاب والسنة، ومؤدى كلامه أن الأئمة والعلماء والمسلمين وأحمد بن حنبل مثل فالح في دعوة الناس إلى التقليد والتشدد في ذلك.
ولقد ذكّرته بأن كثيراً من الأئمة حاربوا التقليد وألفوا في ذلك المؤلفات.
فما كان منه بعد هذه البوائق والأحكام الغليظة إلا أن قلب ظهر المجن، فأصبح يدعي أنه من الدعاة إلى الكتاب والسنة، ثم يحاربني بأنني حرمت التقليد ولم أفصل، فيستمر على هذه الحرب، والدعوى الباطلة الظالمة، وحربه لي بهذه الدعوى تنطبق على الأئمة الذين كانوا يزجرون عن التقليد زجراً بليغاً بدون تفصيل.
الثامن: ومن أصول فالح أنه لا يجوز التنازل (التسامح) في أمور الشريعة إلا في المستحبات والمكروهات، ولا يجوز التسامح في أصول الإسلام، بل والواجبات، ولا دخل للنظر في المصالح والمفاسد وسد الذرائع في أصول الإسلام وواجباته(1) ولا في المحرمات، ولا يدخل في مراعاة المصالح الرخص والضرورات والمكروهات.
وهذا بخلاف ما يقرره علماء الإسلام، قال الإمام الشاطبي-رحمه الله - في الموافقات (4/346): " وقد مر أن المصالح لا تعدو الثلاثة الأقسام، وهي:
الضروريات ويلحق بها مكملاتها.
والحاجيات ويضاف إليها مكملاتها.
والتحسينيات ويليها مكملاتها.
ولا زائد على هذه الثلاثة المقررة في كتاب المقاصد ".
ثم ذهب يوضح الضروريات والحاجيات والتحسينيات، ثم قال في (ص350):
" ومن تشوَّف إلى مزيد؛ فإن دوران الحاجيات على التوسعة، والتيسير، ورفع الحرج والرفق.
فبالنسبة إلى الدين يظهر في مواضع شرعية الرخص في الطهارة؛ كالتيمم، ورفع حكم النجاسة فيما إذا عسر إزالتها، وفي الصلاة بالقصر، ورفع القضاء في الإغماء، والجمع، والصلاة قاعداً وعلى جنب، وفي الصوم بالفطر في السفر والمرض، وكذلك سائر العبادات؛ فالقرآن إن نص على بعض التفاصيل كالتيمم والقصر والفطر فذاك، وإلا فالنصوص على رفع الحرج فيه كافية، وللمجتهد إجراء القاعدة والترخص بحسبها، والسنة أول قائم بذلك".
فأنت ترى أن هذا الإمام قد أدخل الرخص ومواردها من الواجبات وغيرها في القسم الثاني من المصالح وهو الحاجيات، ولا مخالف له في ذلك إلاَّ فالح.
أيؤخذ بأقوال العلماء الراسخين أو بقول من يتهجم على الأصول بغير علم؟
وكم طعن فيمن يقول: إن الشريعة الإسلامية فيها تسامح في الأصول والفروع، وفيها مراعاة المصالح والمفاسد وسد الذرائع في أصول الدين وفروعه ([4]) وهذا الطعن إنما ينطبق على أئمة الإسلام الذين آمنوا بهذا الأصل وقرروه تقريراً بليغاً، وذكروا أن الشريعة كلها أصولها وفروعها مبنية على مراعاة المصالح والمفاسد.
قال طاعناً مهولاً: " وأخذ هذا المذهب ينتشر بين طلبة العلم، بل ولج هؤلاء وجدوا في إغلاظ النكير على من يقول لا يتنازل عن أصول([5]) الإسلام، وضللوه وبدَّعوه، وأمروا بهجره" ([6]) .
ثم قال طاعناً فيمن قال بمراعاة المصالح والمفاسد، وبالتسامح عند الحاجات والضرورات، قال عنهم مسقطاً لأقوالهم القائمة على الحجج والبراهين: " وبان أنهم كانوا من الضعف في فقه الدين على حال متدن للأسف أكثر مما كان يظن فيهم".
وهؤلاء الذين يطعن فيهم كان يدعو إلى تقليدهم، ويُضلل من لا يقلدهم، ويحكم عليهم بالأحكام الغليظة التي مرَّ ذكرها.
ثم لما قالوا الحق في مشاكله طعن فيهم وأسقطهم، وأشاع أتباعه في شبكات الأنترنت وفي الأشرطة أن ربيعاً وإخوانه يقولون بالتنازل عن أصول الدين، وشرعوا يسألون العلماء عن من يقول بالتنازل عن أصول الدين، هكذا بهذا الإطلاق، مهملين الأدلة والبراهين، ومهملين سياق الكلام، وما تضمنه من تخصيص وتقييد بأحوال تستدعي ذلك إلى جانب قرائن وأدلة تؤكد ما أقول، فما كان من العلماء المسئولين إلا الاستنكار لهذا القول، وبعضهم يحكم على من يقول بهذا القول بالكفر والإلحاد، وسبب ذلك فالح، ولا شك أن كلامهم المبتور ينكره، ويضلل به كل مسلم، فضلاً عن العلماء.
وأقول : إن بياني لسماحة الإسلام وأنه يراعي المصالح والمفاسد وسد الذرائع هي دعوة إلى الأخذ بأصول الإسلام التي دل عليها الكتاب والسنة، وقال بها فحول علماء الإسلام.
وأشاع فالح وأتباعه إلى جانب هذا بأن ربيعاً يقول إن رسول الله تنازل عن رسالته، وهذا محض البهت والافتراء الذي لا تطيقه الجبال، فنص عبارتي " وتسامح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدم كتابة محمد رسول الله".
وهو الأمر الذي ورد في كتب الصحيح وكتب السير والتاريخ.
أنا أدعو فالحاً إلى مراعاة المصالح والمفاسد في أمر الدعوة، وضربت له بعض الأمثلة من مراعاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمصالح والمفاسد والمشقات، فاستخرج من ذلك هاتين الفريتين العظيمتين اللتين لا أعظم منهما في أبواب التكفير، وهو أني قلت: بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنازل عن رسالته، وأني أدعو إلى التنازل عن أصول الدين بهذا الإطلاق، وقد دحضت هاتين الفريتين العظيمتين في كتاب ضربت فيه عدداً من الأمثلة لمراعاة -رسول الله صلى الله عليه وسلم- للمصالح والمفاسد في الأصول والفروع عند الحاجات والضرورات والمشقات.
وبينت له كلام أئمة الإسلام أن الإسلام كله أصوله وفروعه قائم على مراعاة المصالح والمفاسد، ومع كل هذا استمر هو وأنصاره على محاربتي وإخواني، ولم يرجعوا عن أباطيلهم وأراجيفهم إلى يومنا هذا.
قال فالح: "لا يجوز التنازل عن أصول الإسلام وإنما يجوز التنازل في المستحبات والمكروهات دون الأصول والواجبات والمحرمات".
وهذا جهل عريض واضح بمراعاة المصالح والمفاسد في الشريعة الإسلامية السمحة التي رفع الله فيها الآصار والأغلال عن هذه الأمة الإسلامية، ورفع عنها الحرج في نصوص قرآنية ونبوية، ودان بذلك المسلمون وأجمعوا عليه.
واعجب لفالح حيث لم يرَ التسامح إلا في المستحبات والمكروهات.
فهذه أصول الإسلام الخمسة جاءت شريعة الإسلام السمحة فيها بمراعاة المصالح والمفاسد في حق الأفراد والجماعات.
فهذا الأصل والركن الأول التوحيد يجوز فيه للمكره على الكفر أن يقول كلمة الكفر المنافية للتوحيد(1)، رخص الله له في ذلك مراعاة لمصلحته، ودفعاً للمفسدة عنه والضرر بشرط أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان، ولو قال كلمة الكفر مختاراً لكفر بالله الكفر الأكبر المخرج من الإسلام.
وهذه الصلاة الركن الثاني في الإسلام يجوز في بعض الأحوال للمسلم أن يترك بعض ركعاتها، كالمسافر يقصر الصلاة الرباعية في سفره إلى ركعتين مهما طال هذا السفر، ويجوز عند التحام القتال مع الكفار أن يصلي المسلم راجلاً وماشياً وراكبا، وإلى القبلة وغير القبلة وضرب العدو والذهاب والمجيء في هذا القتال، وإذا اشتد القتال يجوز له أن يقصرها إلى ركعة، رباعية كانت أو غيرها يومئ فيها إيماء، فتسقط عنه ركعة أو ركعات.
وللهارب هرباً مباحاً من عدوٍّ، أو من سيل، أو سبع.. أو نحو ذلك؛ فله أن يصلي صلاة الخوف، يسقط عنه استقبال القبلة، ويجتزئ بالإيماء عن الركوع والسجود، ويصلي إيماء وهو على الدابة التي يهرب عليها إن كان هارباً على دابة أو غيرها.
ويصلي المريض حسب استطاعته إن استطاع قائماً وإلا فليصل جالساً أو على جنب فيسقط عنه ركن القيام والاعتدال بعد الركوع، وإن لم يستطع الجلوس يصلي على جنبه أو على ظهره، فيسقط عنه القيام والركوع والاعتدال والسجود، وهي من أركان الصلاة.
وهذه الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام.
وضع الإسلام عن أصحاب الحدائق من النخل والكروم عند وجوب الزكاة عليهم الثلث أو الربع من مجموع ما يحصل لهم من حدائقهم رحمة بهم وتوسيعاً عليهم ومراعاة لمصالحهم .
قال الترمذي حدثنا مَحْمُودُ بن غَيْلَانَ حدثنا أبو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أخبرنا شُعْبَةُ أخبرني خُبَيْبُ بن عبد الرحمن قَال: سمعت عَبْدَ الرحمن بن مَسْعُودِ بن نِيَارٍ يقول جاء سَهْلُ بن أبي حَثْمَةَ إلى مَجْلِسِنَا فَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e كان يقول " إذا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لم تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ ".
قال: وفي الْبَاب عن عَائِشَةَ وَعَتَّابِ بن أَسِيدٍ وابن عَبَّاسٍ، قال أبو عِيسَى: وَالْعَمَلُ على حديث سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ في الْخَرْصِ، وَبِحَدِيثِ سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ يقول أَحْمَدُ وإسحاق وَالْخَرْصُ إذا أَدْرَكَتْ الثِّمَارُ من الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ مِمَّا فيه الزَّكَاةُ بَعَثَ السُّلْطَانُ خَارِصًا يَخْرُصُ عليهم وَالْخَرْصُ أَنْ يَنْظُرَ من يُبْصِرُ ذلك فيقول: يَخْرُجُ من هذا الزَّبِيبِ كَذَا وَكَذَا وَمِنْ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا فَيُحْصِي عليهم وَيَنْظُرُ مَبْلَغَ الْعُشْرِ من ذلك فَيُثْبِتُ عليهم ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الثِّمَارِ فَيَصْنَعُونَ ما أحبوا فإذا أَدْرَكَتْ الثِّمَارُ أُخِذَ منهم الْعُشْرُ هَكَذَا فَسَّرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَبِهَذَا يقول مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وإسحاق.
جامع الترمذي (3/26-27) حديث(643) وأخرجه أبو داود (2/258) حديث (1605) وأحمد (3/448) والنسائي (5/42) وغيرهم من الأئمة.
وقد رأيت أن الترمذي نقل القول به عن أكثر أهل العلم.
وقال أبو داود: "الخارص يدفع الثلث للخرفة".
وقال الخطابي في المعالم مع أبي داود(2/259):
" قلت في هذا الحديث إثبات الخرص والعمل به، وهو قول عامة أهل العلم، إلا ما روي عن الشعبي، وأنكر أصحاب الرأي الخرص".
وأنكر الإمام ابن القيم إنكاراً شديداً على من يرد أحاديث الخرص.
4- كتب الله صيام رمضان على المؤمنين، والصيام ركن عظيم من أركان الإسلام بالكتاب والسنة والإجماع، ثم من كان منهم صحيحاً مقيماً فعليه أن يصوم هذا الشهركاملاً، لا يجوز له أن يفطر يوماً واحداً، فإن لم يصمه كاملاً أو نقص منه شيئاً، فقد ارتكب إثماً عظيماً، وتعرض لغضب الله وعقوبته.
فإن كان المؤمن مريضاً أو على سفر أسقط الله عنه الصيام في وقته المحدد وهو شهر رمضان، وأباح له الفطر فيه مدة مرضه أو سفره، ولو استغرق الشهر كله، حتى لو كان المسافر قادراً لا يشق عليه الصيام يجوز له أن يفطر.
وعليه إذا صح من مرضه أو قدم المسافر من سفره أن يقضي الأيام التي لم يصمها.
وأسقط الله وجوب الصيام عن الشيخ الفاني الذي لا يستطيع الصيام، وأباح له الفطر وعليه أن يُطعم عن كل يوم مسكيناً في قول بعض العلماء، وفي قول آخر لا يجب عليه الإطعام؛ لأنه ضعف عنه لسنه، فلم يجب عليه فدية كالصبي.
ويلحق به عند العلماء الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما، ففيهما خلاف كثير بين العلماء، فمنهم من قال: يفطران ويفديان، ويقضيان،وقيل: يفديان فقط ولا قضاء، وقيل: يجب القضاء بلا فدية، وقيل: يفطران ولا فدية، ولا قضاء.
وفي هذا رد حاسم على من يقصر مراعاة المصالح والمفاسد على المستحبات والمكروهات، ويضلل من يقول بمراعاتها في الأصول والواجبات، وهذا التضليل ينعكس على علماء الإسلام الذين أجمعوا على هذه السماحات ومراعاة المصالح والمفاسد عند المشقات والحاجات والضرورات.
5- الحج ركن عظيم من أركان الإسلام بالكتاب والسنة والإجماع ، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 97).
وفسر معظم العلماء من الصحابة وغيرهم السبيل بوجود الزاد والراحلة وزاد بعضهم شرط أمن الطريق من الظلمة والمكاسين .
فإن فقد المسلم واحداً من هذه الثلاثة الزاد أو الراحلة أو أمن الطريق سقط عنه وجوب الحج.
وفي حق المرأة يزاد شرط وجود المحرم.
فلو فرضنا أن مسلماً لم يستطع الزاد والراحلة إلا بعد أربعين سنة من عمره لكن واجهه الخوف في الطريق من قطاع طرق أو ظلمة يشكلون عليه خطراً في نفسه أو ماله الذي تزود به واستمر هذا الخطر مدة عشر سنوات ثم مات في هذه الحال التي فقد فيها أمن الطريق وهو عازم على القيام بهذا الركن كل هذه المدة فإن الله يسقط عنه المطالبة بهذا الركن العظيم تفضلاً منه وكرماً ورحمة.
وقال ابن قدامة في المقنع (1/473) : " ومن أحرم فحصره عدوٌّ ولم يكن له طريق إلى الحج ذبح هدياً في موضعه وحلَّ " .
قال المحشي تعليقاً على هذا الكلام : ( ويباح -أيضاً- تحلل من إحرام لحاجة إلى قتال أو بذل مال كثير مطلقاً أو يسير لكافر لا لحاجة بذل يسير لمسلم ).
فهذا فيه تنازل عن واجب إلى واجب تلافياً لدفع مال يسير إلى كافر أو مال كثير ولو لمسلم .
وهكذا نرى سماحة الإسلام وسعة رحمة الله بالمؤمنين، فإن الله يراعي ظروف وأحوال المسلمين فيرفع عنهم الحرج والمشاق ويراعي في تكاليفه مصالحهم ويدفع عنهم المفاسد، لا فرق في ذلك بين أصول الإسلام وفروعه.
أليس في القول بأنه لا يجوز التنازل (التسامح) عن الأصول والواجبات والمحرمات، ولا تراعى فيها المصالح والمفاسد لهذه الأمة، ولا يجوز التنازل (التسامح) إلا في الفروع السنن والمكروهات؟، أليس في ذلك حرج كبير وتضييق شديد على المسلمين ينافي ما تميزت به رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- من السماحة؟!! هذه السماحة التي تضافرت عليها نصوص الكتاب والسنة، وتطبيق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام،وبينها وقررها علماء الإسلام، فكيف يضلل من يقررها، إن ذا لمن العجب العجاب!! أليس يؤول هذا المذهب إلى تضليل علماء الأمة ووو...الخ
كان أبو الحسن المأربي يحارب أهل السنة بأصول اخترع بعضها وقلد في بعضها، وكان فالح معنا ضده في كل أصوله، ومنها:
التاسع: حمل المجمل على المفصل، اعتنق هذا الأصل ليدافع به عن أهل الباطل، فنقلنا له قول جمهور العلماء من أهل المذاهب أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم، ونقلنا له حكاية الشوكاني الإجماع على أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم، فلم يرفع أبو الحسن بذلك رأساً.
وكان فالح ينتقده بشدة ولا سيما في هذا الأصل، حيث قال في (ص143) من كتابه "المصارعة": "هذه قاعدة خطيرة، هذه القاعدة من القواعد التي ضل بها أبو الحسن ومن على خطه ومن يؤيده، وهي يعني قواعد خطيرة جداً، مسألة المجمل والمفصل والمقارنات وقضية الجرح والتعديل، مسألة الجرح المفسر وغير المفسر وإلى آخره".
ثم أصبح بعد فتنته يقول به، ويطعن فيمن لا يقول به حيث قال في "النقض المثالي" (ص4) خلال هذيانه بالباطل: "فقد قال بعدم العمل بالمجمل والمفصل إلا بكلام الله أو كلام المعصوم".
فيصدق عليه قول حذيفة -رضي الله عنه-: "إن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف".
وما يدري هذا الجاهل أن حمل مجملات أهل الضلال وأهل الأخطاء على مفصلاتهم يهدم منهج السلف في رد الأباطيل والأخطاء، ويحول الباطل حقاً والخطأ صواباً.
هذا وقد حكى الشوكاني الإجماع أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم.
وهذا الأصل الباطل يهدم عدداً من أصول السلف منها ما أسلفناه، ومنها ذلك الأصل العظيم، كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويخالف منهج السلف في التعامل حتى مع أقوال الأئمة حيث يأخذون منها ويردون ويصوبون ويخطئون.
العاشر: ومنها: أن أبا الحسن كان يرد أقوال العلماء وأدلتهم بقوله: لا يلزمني قول هؤلاء لا يلزمني لا يلزمني، وتمسك به أتباعه في كل مكان يردون به أقوال أهل العلم بقولهم لا يلزمني.
وكان فالح يخاصمهم في ذلك.
ثم لما خاض في الفتنة أصبح يرد أقوال العلماء وحججهم بقوله لا يلزمني.
الحادي عشر: ومنها: استعمال أبي الحسن أصل التثبت في غير المواضع التي يشرع التثبت فيها، ويقول التثبت عند كل كلام يدينه بالحق، ولو قاله كبار العلماء، فصار فالح يطعن في العلماء الذين يخالفونه والحق معهم بهذا الأصل لما أيدوا نصيحتيَّ شنع عليهم ورماهم بالتسرع وعدم التثبت، ويؤكد ذلك إلى يومنا هذا لم يرجع عن رميهم بعدم التثبت، وهذا يدل على تقلب فالح ودورانه مع هواه، وأتباعه يدورون في فلكه.
ومن أجل قول الحق، وبيان هذه الأصول التي خالف فيها فالح وأنصاره،ومن أجل نصيحتي له نالني ومن أيد هذا الحق من العلماء تبديع وتحقير، بل وتكفير وسب مقذع وشتائم كثيرة وقذرة من فالح وأتباعه، منها وصف فالح لي وهو من تلاميذي بأني كذاب وخسيس ومنهجي خبيث ودجال وأني أنهش الناس كالسبع ومثل الكلب، وشتائم من أتباعه ورمي لي ولإخواني ومنهم مشايخ أجلاء بأننا روافض وصوفية ولوطية.
وفالح يؤزهم ويشجعهم على ذلك وعلى الاستمرار في هذه الحرب القذرة الظالمة التي يأنف منها أحط الناس.
ولقد رددت على الروافض والصوفية والنصارى واليهود فما واجهوني بشيء من الشتائم والطعون التي وجهها لي ولإخواني فالح وزمرته المجهولة.
هناك علماء كان يدعو إلى تقليدهم في بعض المسائل المنهجية وعددهم كثير، وهم من خيار أهل العلم والفضل والاستقامة فلما نصح من قبلهم بالرجوع إلى الحق أسقطهم ورد نصيحتهم وأقوالهم.
وتابعه في ذلك زمرته، وطعنوا فيهم وشهروا بهم، ودندن بعضهم حول تكفير بعضهم.
وهذا الذي ذكرته غيظ من فيض تضمنته مقالات فالح وأنصاره.
فقابلنا كل ذلك بالصبر والتحمل، وإذا اضطررت إلى رد بعض مقالات فالح أرد بالحجج والبراهين، وأضطر أن أكشف ما يرتكبه من بتر كلامي وإخفاء حججي، وإبطال دعاواه وشبهاته، نصراً وبياناً للحق الذي أخذ الله على أهل العلم العهد والميثاق على القيام به، وبيانه وعدم كتمانه، ودفعاً للظلم عن نفسي وإخواني الذين نصروا هذا الحق وأيدوه، وتحملوا في سبيل ذلك الإيذاء الشديد والطعون الظالمة التي تصدر من فالح وزمرته.
والله يقول الحق ويهدي السبيل وصلى الله على نبينا محمد وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
6/10/1428هـ
([1]) انظر الجواب المنيع (ص12-13) وفي مكالمة له حصلت بينه وبين أحد السائلين له من بلعباس بالجزائر في يوم الجمعة نهاية ربيع الثاني لعام (1425هـ) ,وله كلام كثير يتعلق فيه بجنس العمل بشدة وكذلك أتباعه .
([2]) مجلة الفرقان، العدد (94) السنة العاشرة، شوال 1418هـ.
(1)
" تنبيه الألباء" لفالح ( ص25).
(2)
تنبيه الألباء ( ص30).
(3)
تنبيه الألباء (ص26).
(1) وهذا الذي خشيه الإمام مالك قد وقع فيه فالح وفوزي البحريني وزمرتهما الحدادية، بل ويلزمون به الناس، ويبدعون من لا يلتزمه، ويرمونهم بالإرجاء
.
(1)
انظر كتاب المصارعة لفالح (ص143)، والفقرات (1-15) في أئمة الجرح والتعديل التي ناقشت فيها مقالاً لفاروق الغيثي والتحذير من لفيف التمييع (ص39).
(2)
أقصد هنا أهل السنة الذين يحاربهم فالح وفئته خلال سنوات.
([3]) ومن عجائبه أنه يجيز لغير العالم أن يجتهد ويرى أنه يجب عليه النظر في أقوال العلماء المتعارضة وما يتضح له أنه حق يأخذ به، انظر المصارعة ص (47) .
فما رأي أهل العقول والنهى فيمن يفرض على أساتذة في الشريعة أن يقلدوا فإن لم يقلدوا حكم عليهم بأنهم قد نسفوا رسالات الرسل والكتب السماوية التي نزلت عليهم، ويبيح للعوام أن يجتهدوا وينظروا في أقوال العلماء ويرجحوا ما يرون أنه حق .
ثم يثير حرباً شعواء على من يدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة وينهى عن التقليد المذموم سيراً على منهج أئمة السلف.
(2)
المصارعة (134) وانظر أيضاً (ص123).
(1)
هذا مع العلم أن هيئة كبار العلماء وعلى رأسهم المفتي واللحيدان والفوزان لم يدخلوا في قضية أبي الحسن وإنما الذين أنكروا على أبي الحسن علماء أفاضل أسقطهم فالح لما نصحوه وألب عليهم السفهاء.
(2)
مثل الشافعي وأحمد.
(1)
المصارعة (ص124،123،119،118) والصارم المصقول (ص4).
([4]) انظر الصارم المصقول (ص4) والجواب المنيع (ص15).
([5]) هذا الرجل يُعبِّر عن سماحة الشريعة ومراعاتها للمصالح والمفاسد بالتنازل عن أصول الإسلام، وتارة بالتنازل عن أصول الدين تهويلاً وإرجافاً على من يقول بما دلَّ عليه الكتاب والسنة وبُنيت عليه الشريعة، وقرره علماء الإسلام من مراعاة المصالح والمفاسد.
([6]) هذا لم يحصل إلا من فالح وزمرته، بل هم الذين يُبدِّعون، بل ويُكَفِّرون، وفي الوقت نفسه هم مجهولون، فكيف يمكن هجر المجهولين؟
(1)
وقل مثل ذلك في سائر أركان الإيمان والإسلام في حال الإكراه.