بسم الله الرحمن الرحيم
جرى حديث بين رجل وزوجته من العرب في غابر الأزمان على استراحة القهوة العربية يتعلق بشأن بعض أبنائهما في الحال والمآل فكانت المرأة تعرض على زوجها رأيها بصوت منخفض وأدب رفيع والزوج يسمع فأجابها بما هو به مقتنع وختم جوابه بقوله لها: (حماك الله من سقط المتاع) ثم أردف قائلاً:
وما للمرء خير في حياة *** إذا ما عد من سقط المتاع
فقالت له: وما المقصود بسقط المتاع يا أبا الأنجال؟
فقال لها: هم من لا يعتد بهم من النساء والرجال، ومن المتاع رديئه يا ذات الأدب في المقال.
قلت: وهذه بعض صفاتهم مع تبيان ما دار في تلك الجلسة وما يتبعها من الحديث بين المرأة ذات القلب السليم وزوجها صاحب التجربة والخلق العظيم.
سقط المتاع ألا تصغي لسيرتهم *** عاشوا حيارى وللفرقان قد هجروا
روح التناصح لم توجد بحوزتهم *** لكن نفورًا عن الخيرات قد نذروا
قالوا ألفنا على الغوغاء في غسقٍ *** ودعوة النور في مفهومنا خطر
وكفتة القات في سرّ وفي علنٍ *** نبيت معها على الأقران نفتخر
كأنها العرس ذات الخدر في حُللٍ *** أو روضة الخير في أغصانها ثمر
كذا الجراك مع الدخان في نسقٍ *** يا ضيعة العمر للشيطان تأتسر
عز الأمانة قد أضحى بلا أثر *** أما الصلاة فللإهمال تنتظر
وما سواها من الأعمال في خطر *** أعداؤها الدش والأفلام والسهر
أتى بها الغرب لا مرحى بذي فتن *** يغزو الديار وللإسلام يحتقر
يقول هيا إلى الترفيه مع عجب *** يرضي النفوس كشمع الشهد يُعْتَصَرُ
ساءت حياة لهذا الصنف في زمنٍ *** سن الكهولة قد ولىّ وينتظر
سن المشيب وقد أوفى على عجلٍ *** وبعده الموت لا يبقي ولا يذر
طفلاً فكهلاً بلا ملٍّ ولا وجلٍ *** وهكذا الشيخ بالأقران يعتبر
لَهْفي عليهم وخير الخلق أحزنهم *** ذاك الصنيع ويا أحباب فاعتبروا
أما الخصوم فقد بانت عداوتهم *** وسمعة السوء في الآفاق قد نشروا
قالت له الزوج يا هذا ألا نصف *** فتبذل الجهد في الدنيا ليستتروا
أزَوّجْ فلانًا وباقي النجل نرجؤهم *** والرب أدرى بمن يصغي ويدكر
فإن رأينا مع الأخيار صحبتهم *** فلنعقد العزم في تزويج من غبروا
أو إن رأينا مع الأشرار رحلتهم *** فالأمر للرب جل الرب مقتدر
وفاض منها غزير الدمع مع حزنٍ *** والقلب منها بذكر الله ينجبر
******************************
*******************
فقال مهلاً وكم في النفس من طمعٍ *** لا أوثر الغير قبل النفس يا بشر
والنفس أولى بصنع العرف في نصفٍ *** وبارك الصحب هذا الصنع بل شكروا
قد قالها الشرع في جهر لذي وطرٍ *** ابدأ بنفسك لا لوم ولا ضرر
وقالها الفذ قبل اليوم في مثلٍ *** من قدم الخال قبل الأم يحتقر
فهل فهمت أيا هنتاه مع عجبٍ *** من صنع قومي فكم للنصح قد هجروا
وكم نصوص من الفرقان قد تليت *** عليهموا جهرةً جاءت بها النذر
قالت فهمت وكم في الكون من عبرٍ *** وكل شيء من الأشياء مستطر
طابت حياتك يا مفضال في نعمٍ *** تهدي السبيل وبالآيات تعتبر
وتبذل النصح للأجيال في حكمٍ *** يرعاك ربي عظيم الشأن مقتدر
لتنصر الحق بالتبيان في ملأٍ *** وتنشر العلم في الآفاق يا عمر
والعذر أرجو فكم في القلب من أسفٍ *** إذ أكثر الناس قد خابوا وقد خسروا
قد قاله الرب في آي لذي نظرِ *** وفي الحديث فما انقادوا ولا اعتبروا
سلمت أمري لباري الخلق من عدمٍ *** سبحان ربي لقد دانت له البشر
بكيت نجلي وضاق الصدر من ألمٍ *** وزارني الضغط مثل النار يستعر
وطار نومي من التفكير في فرجٍ *** من عند ربي وكاد القلب ينفطر
وشاب رأسي وكم واجهت من كدر *** فتاه عقلي وقلّ السمع والبصر
فما ارعوى النجل بل أمسوا على وشك *** من حفرة السوء لا طوبى لمن حفروا
لا حبذا الصنف إذ عاشوا بلا ورع *** ودون خوف من الرحمن يدخر
كم بقعة في الدنا باتت على غضب *** من نكتة القوم لا نعمى لمن مكروا
وضحكة الغر قد مالت بذي عمه *** ونغمة السوء من جرائها سكروا
وثم صنف من الأحداث مع أسفٍ *** فكر الخوارج قد أحيوا وقد نصروا
لهم رؤوس وكتاب ومدرسة *** وبيعة السر للمجهول قد ذكروا
يدعون سرًّا إلى التنظيم في حذر *** وفتية العصر قد نادوا وما فتروا
وهل عرفت أخا الإيمان غايتهم *** قالوا الخلافة والبيعاتِ قد ستروا
فاحذر وحذر من الصنفين مع رغب *** في نصرة الحق إن الحق منتصر
محجة الخير بالبيضاء قد وصفت *** بالفصل جاءت وبالأعلام تنتصر
منها شربنا رحيق العلم مع عمل *** درب السعادة لا خوف ولا خطر
وبضدها تتميز الأشياء
وإذ علمت عن الأغمار سيرتهم *** فاسمع لصنف بنور العلم قد ظفروا
لقد تواصوا بفقه الدين في زمنٍ *** قلَّ الهداة وأهل الشر قد كثروا
وعاهدوا الله أن يبقوا على وجلٍ *** ونصرة الحق بالأقلام قد سطروا
لهم شيوخ وأقران ومكتبة *** وشرعة الحق منها الخير ينتشر
لهم دوي بجوف الليل في فرح *** بذكر ربي ألا طوبى لمن ذكروا
حازوا صنوفًا من الأرباح في غسقٍ *** والناس موتى وهذا الصنف ما فتروا
يتلون آي من الفرقان مع وجلٍ *** والدمع يجري على الوجنات ينحدر
يدعون ربًّا على خوف وفي رغب *** وهم سجود إله العرش قد شكروا
يمشون هونًا إلى الخيرات مع طمع *** في فضل ربي لقد فازوا بما صبروا
والحب في الله قد أحيوا بلا عوج *** والبغض فيه به دانوا وقد نشروا
وبدعة السوء قد ردوا بلا شطط *** وسنة الخير قد أحيوا وقد نصروا
ونصرة الحق قد أوفوا بلا جدل *** أمرًا ونهيًا وأهل البغي قد خسروا
ومنهج الحق قد أرسوا بلا ملل *** نهج الرسول به الأخيار تنتصر
أهل الحديث وأهل الفقه في حلل *** يوم النشور وحسن الأجر مدخر
طابت حياة وطاب الحال في نعم *** للصنف هذا ويا أخيار فاعتبروا
يرعاهم الله في سر وفي علن *** نعم الهداة لجمع العلم قد سهروا
يا رب زدهم من التوفيق مع أدب *** فكل عبد إلى مولاه مفتقر
والحمد حق بلا حصر ولا عدد *** لله ربي تعالى الله فادكروا
فهل وعيت أخا الإحسان من كثب *** أوصاف قوم إلى العلياء قد عبروا
آذاهم الحقد من فرد ومن ملأ *** فما استكانوا ولا ملوا ولا فتروا
بل عانقوا الصبر في صدق بلا جزع *** وفوضوا الأمر للرحمن فانتصروا
وهل سمعت أخا التكليف مع أسف *** صنيع قوم بأهل البر قد مكروا
حقًّا سمعت لعمر الله مع حجج *** كالشمس صحوًا وأمر الله مستطر
فانهض بعزم مع الأخيار في عمل *** يرضى الإله ومن أعمالهم درر
وحلية العلم في حلّ وفي سفر *** تاجٌ عليك وخير الناس من شكروا
فالشكر فرض لرب العرش في أدب *** من كل عبد ألا بشرى لمن ذكروا
والرب صلى على المختار من مضر *** من جاء بالحق مثل الغيث ينهمر
ثم السلام كعد الودق مع مدر *** يغشى النبي ومن للحق قد نصروا
كتب الواقع والحوار
الشيخ الجليل و العالم الأديب
زيد بن محمد المدخلي
17/11/1420هـ