[ فوائد الإتصال و التواصل السلفي و أهميته ]
معشر الإخوان ؛ إن التلاقي و التزاور بين الإخوة عموماً وبين طلبة العلم أتباع المنهج الصحيح له فوائد شتى ، إضافة إلى ما ذكرنا قبل قليل من الأجر الخاص الذي يعود على الإنسان في دينه ، من هذه الفوائد :
- حصول الألفة و الترابط ، و النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ )[2] -عليه الصلاة و السلام - ، فكثرة الإلتقاء بالإخوة تعرف منهم و يعرفوا منك ، فتعرف منهم أحوالهم و يعرفوا أحوالك فما احتجت إليهم فيه أعانوك ، وما احتاجوا إليك فيه أنت أعنتهم ، كل واحد بما يستطيع من إعانته لأخيه ، و تلمس حاجاته ، معرفة حال المريض ، معرفة حال الضعيف ، معرفة حال ذي الحاجة ، معرفة حال من نزلت به النوائب ، معرفة حال من ضعف في دينه ، معرفة حال من ضعف في استقامة أخلاقه ، معرفة حال من ضعف في علمه وهكذا ، فيتقوى الإخوة بعضهم ببعض بسبب هذه الزيارات فالقوي يحث الضعيف و المتقدم يستلحق المتأخر و المتأخر ربما نشط هو بنفسه حينما يرى إخوانه يكادون أن يسبقوا فإنه ينشط فهذا من ميزتها
- و من ميزتها التراحم أيضاً ، كما هو معلوم لنا جميعاً مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى [3] ، فيحزن لحزن أخيه و يتعب لتعب أخيه و يمرض لمرض أخيه و يهتم لحاجة أخيه ، فيرحم - من هذه الناحية - و يقف معه حتى يرفع الله سبحانه وتعالى ، و بدون ذلك لا يعلم الإنسان أحوال إخوانه فالتواصل له ثمرات كثيرة عظيمة وهذا من أهمها .
- و من ذلك حفظ الإخوة لبعضهم فيما بينهم ، لأن طلبة العلم و الدعاة إلى الله جل وعلا على المنهج الحق ؛ هم حماة وهم دعاة ، حماة لرأس المال ودعاة إلى إدخال ربح على رأس المال ، فحماة لرأس مالهم الذي قد حصلوه وهم أبناء هذه الدعوة الذين نشؤوا فيها و تربوا عليها ، هؤلاء هم الذين ينتظر منهم غداً أن يكونوا هم الدعاة و هم المعلمون ، فهؤلاء حينما يتعاهد بعضهم بعضاً يحمي بعضهم بعضاً ، و المثال على ذلك قد ضربه لنا سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه في أضعف الحيوانات أمام أشد العوادي عليها و أشد أعدائها ، تلكم الحيوانات هي الضأن[4] ؛ فهي من أضعف الحيوانات أمام الذئب ، فالذئب لا يأتي إلى الضأن وقد اجتمعت و إنما يأتي إلى القاصية منها الشاذة عنها ، أو المتأخرة التي كادت تكون في حكم المنفردة الشاذة ، فيفترسها سهلة عليه ، لأنه لو دخل بين الجمع الكثير منها لربما وطئته بأظلافها ، وكما قيل ( الكثرة تغلب الشجاعة ) و إن كانت ضعيفه ولكنها بمجموعها تقوى عليه [5] .
فهكذا المسلم ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ولا يدّعي العبد الكمال ولا يدّعي أنه معصوم ولا يدّعي بأنه يأمن على نفسه ، لا الكمال - من ادّعاه فهو كاذب - ولا العصمة - من ادعاها فهو كافر - ولا أنه لا يفتن [6] لا تأتيه الفتنة .
وإذا كان الأمر كذلك فهو محتاج لإخوانه وحاجته لإخوانه في دينه أهم من حاجته إليهم في الدينار و الدرهم ، و ذلك لأن إخوانك هم الذين يسددونك و يعينونك و يثبتونك و يكملونك أيضاً ، إن رأوا منك نقصاً حثوك على الكمال واستكمال ذلك النقص ، و إن رأوا منك خطئاً صوبوك و سددوك و قوموك ، و إن رأوا منك ضعفاً أعانوك و إن رأوا فيك عيباً ستروك وأعادوك إلى الحق و الجادة ، هؤلاء هم الإخوان ، و الأخ الناصح هو الذي منك بمحل الروح كما ساق الخطيب في المهروانيات وابن عبد ربه في العقد :
هموم أنـاس فـي أمـور كثيرة وهمي في الدنيـا صديـق مساعـد
نعيش كروح بين الجسمين قسمت فجسماهما جسمان و الروح واحد
هذا هو أخوك ...
هموم أناس في أمور كثيرة في الدنيا لكن همُّ هذا ماذا ؟ أخ صديق مساعد ، ( وهمي في الدنيا صديق مساعد نعيش كروح ) روحه كروحك ، نسمه نسمك ، نفسه نفسك ، مشربه مشربك توجهه توجهك ، ( نعيش كروح بين جسمين قسمت فجسماهما جسمان و الروح واحد ) ، فهؤلاء هم الإخوة الصادقون .
ولكن هذه الإخوة الصادقة ما تحصل يا إخوتي إلا بالترابط و ما تحصل إلا بالتعاهد وما تحصل إلا بالمداومة في السؤال ، وما تحصل إلا بالإلتقاء ، وما تحصل إلا بما ذكرنا من بذل النصح بذل التذكير بذل التصويب بذل التوجيه بذل الستر على من أخطأ إن كان فيما بينه وبين نفسه أو لم يشع خطئه ثم إعادته إلى الجادة وهكذا .
لأنك أنت داعية و الداعية إنما همه رحمة الناس و الرحمة للناس في هدايتهم ،
ولذلك وصف الله جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله : { بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[7] فالواجب على العبد أن يكون بإخوانه رؤوفاً رحيماً ، و أن يكون لطيفاً في معشره معهم و أن يكون معهم كريماً ، وهذه المعاني كلها لا تأتي بدون الارتباط بدون التلاحم بدون التلاقي بدون التزاور بدون التعاهد ما يمكن أن تأتي فلا بد معشر الإخوان من هذا .
- و أعظم ثمراتها اضافة إلى ما ذكرنا تفويت الفرصة على العدو اللدود وهو الشيطان الرجيم ، و اتباعه من شياطين الإنس الذين قال الله عنهم { شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ }[8] فهناك من شياطين الإنس الآن من هو متوجه إلى ابناء الدعوة السلفية إلى العسكر الذين حمى الله بهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ابناء الدعوة السلفية هم جنودها علماء الدعوة السلفية هم قادة هؤلاء الجند في كل زمان ومكان ، وقد أدرك ذلك أعداء الدعوة السلفية في كل مكان ، فاتَحَدوا - يا معشر الإخوان - و أظن أنّ هذا الأمر غير خاف على كثير منكم -- فاتَحَدوا فيما بينهم في الآونة الأخيرة و عقدوا اللقاءات و انصهروا في بوتقة واحدة ، وهذا ليس بغريب عليهم منذ القدم ، لكنهم في الآونة الأخيرة اتحدوا جميعاً باختلاف طوائفهم وبدعهم كبرى كانت أو صغرى ،اتحدوا على عدو واحد وهو حملة المنهج السلفي ودعاة المنهج السلفي وعلماء المنهج السلفي ، و للأسف أقولها وبمرارة و صراحة أيضاً ؛ في حالة ضعف منّا وتساهل منّا بسبب ضعفنا و إحسان الظن بنفوسنا - الذي لا ينبغي للمسلم أن يأمن على نفسه الفتنة فإنه إبراهيم عليه الصلاة و السلام أبو الأنبياء وهو المعصوم يقول : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ }[9] طلب ربه أن يجنبه و أن يعصمه من عبادة الأصنام وهو النبي المعصوم المرسل فكيف بمن دونه ؟! فكيف بمن لم يعصم ؟! قال التيمي - كما تعلمون - : [ فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم ] .
هامش : ...............
[1] : هذه العناوين التي بين [ معقوفين ] و الهوامش إنما هي من صنع مفرغ المادة .
[2] : رواه الإمام البخاري [ 459 ] و الإمام مسلم [ 4684 ] .
[3] : انظر البخاري [ 5552 ] و مسلم [ 4685] .
[4] صحيح أبو داود [ 547 ] و صحيح سنن النسائي [ 847 ] .
[5] هنا غيرت شيء بسيط جداً – لا يؤثر – من التسجيل فقط أعدت ترتيب كلام الشيخ حفظه الله .
[6] وهنا كذلك حذفت كلمة أو كلمتين من كلام الشيخ وجهما كسؤال للحاضرين مختبراً لهم سائلاً إياهم ما هو الأمر الثالث يعني أمن الفتن .
[7] التوبة الآية 128
[8] الأنعام الآية 112 و الآية 113
[9] سورة ابراهيم الآية 35 .