الجواب : وجزاك الله خيراً
ثبت في صحيح مسلم عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار . فلما قَفَّى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار .
قال الإمام النووي : فيه أن من مات على الكفر فهو في النار ، ولا تنفعه قرابة المقربين ، وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار ، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن أبي وأباك في النار " هو من حسن العِشرة للتسلية بالاشتراك في المصيبة . اهـ .
وليس هذا خاصا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام دعا أباه ، ونوّع له في الأساليب ، وتودّد إليه ، ولم يَنفعه ذلك ، بل مات ( آزر ) على الكُفر .
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : يَلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قَتَرَة وغَبَرَة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصِني ؟ فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك ! فيقول إبراهيم : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خِزي أخْزى من أبي الأبعد ؟ فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يُقال : يا إبراهيم ما تحت رجليك ؟ فينظر ، فإذا هو بِذِيخ مُلْتَطِخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار . رواه البخاري .
وأما أمّ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : استأذنت ربي أن أستغفر لأمي ، فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها ، فأذِن لي . رواه مسلم .
وليس في هذا تنقّص مِن قدر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا غضاضة في ذلك ، وإنما الإزراء أن يُكذّب عليه الصلاة والسلام ، أو يُردّ قوله بِدعوى توقيره ، وبِدعوى عدم الكلام في هذا الجانب !
وقد قال الله تبارك وتعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ )
فأنت ترى أن الله وَصَف والِد إبراهيم بأنه عدوّ لله ! ولم يَكن في هذا إزراء على إبراهيم ولا مَنقصَة له . ولذلك قال الإمام القرطبي في قوله تعالى : (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) :
وقال بعض المتأخرين من علمائنا : والذي ينبغي أن يُقال إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ، ونسبها إليهم وعاتبهم عليها ، وأخْبَروا بذلك عن نفوسهم ، وتنصّلوا منها ، واستغفروا منها ، وتابوا ، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يَقبل التأويل جملتها وإن قَبِل ذلك آحادُها ، وكل ذلك مما لا يُزري بمناصبهم . اهـ .