تنبيه الزوجة الغافلة من تدخل الوالد والوالدة الجاهلة
🌸
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
في هذه الأزمنة نشاهد ونلاحظ كثرة المشاكل والخلافات بين الزوجين من أدنى مسألة بينهما وأصغرها، وللأسف لا يجدان من يحل الإشكال بينهما، بل من يوقد النار ـ أحيانا ـ هم أهل الزوجة بما يلي:
تأتي الزوجة ـ طبعا صغيرة السنة ـ من بيت زوجها وتطرح الشكاوي وتعدد الخزايا والقبائح وتنثر المخبوء وتنشر الغسيل عند أبيها في زوجها.
فماذا يكون ردة فعل هذا الأب؟
للأسف البعض يستقبل ابنته قائلا: هذا اللعين وهذا القبيح لا يعرف لك احتراما ولا لجُرّتِك قيمة ولا يعرف قدْرَنا؛ سأفعل به وسأفعل ، فتُعجب المسكينة وتفرح وتظن أن أباها قد فعل معروفا وحل معضلا.
فتزداد القضية تعقيدا وإشكالا على إشكال فلو أن هذا الأب سلك مسلك السنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وعمل بها وأوصى ابنته بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها وهي قرة عينه وفلذة كبده وأحب أهل بيته إليه عليه السلام؛ لكان أولى وأسلم وأنجح لابنته.
ففي الحديث عن عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتْ النبي صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إليه ما تَلْقَى في يَدِهَا من الرَّحَى وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فلم تُصَادِفْهُ فَذَكَرَتْ ذلك لِعَائِشَةَ فلما جاء أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قال: فَجَاءَنَا وقد أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فقال: على مَكَانِكُمَا، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حتى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ على بَطْنِي، فقال: (ألا أَدُلُّكُمَا على خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا ؟ إذا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أو أَوَيْتُمَا إلى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا من خَادِمٍ) قال علي: فما تَرَكْتُهَا بَعْدُ. قِيلَ ولا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قال: ولا لَيْلَةَ صِفِّينَ. أخرجه: احمد (1/144)، والبخاري (5046، 5047).
فنظروا رحمني الله وإياكم إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما اشتكت إليه ابنته سيدة نساء أهل الجنة ما تعانيه من تعب وأثر الرحى (أداة لطحن الحب والشعير)، ولم يستقبلها بالتهييج على زوجها وشحنها عليه، بل جعل يهدئ من حالها بكلمات نيرات.
وهذا الصّدّيق رضي الله عنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في تأديب ابنته وترويضها لزوجها وحثها على احترامه وتقديره.
فعَنِ النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ رضي الله عنه قال: جاء أبو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ على النبي صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِىَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا على رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ له فَدَخَلَ فقال يا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا أَتَرْفَعِينَ صَوتَكِ على رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: فَحَالَ النبي صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قال: فلما خَرَجَ أبو بَكْرٍ جَعَلَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يَتَرَضَّاهَا: (أَلاَ تَرَيْنَ انى قد حُلْتُ بين الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ ؟) قال ثُمَّ جاء أبو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عليه فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قال: فَأَذِنَ له فَدَخَلَ فقال له أبو بَكْرٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ! أشركاني في سِلْمِكُمَا كما أشركتماني في حَرْبِكُمَا). أخرجه: أحمد (4/271). وصححه الألباني في "الصحيحة".
وأما ما تفعله الأم في حال مجيئ ابنتها إليها وهي تشكي زوجها؛ فحَدِّث ولا حرج؛ من "تهييج نفوس وإغارة صدور وشحن قلوب وإحداث البغضاء" على الزوج وكأنه عدوهم سيصبحهم أو يمسِّهم.
ولو أنها نصحت لابنتها وفعلت ما فعلته الأمهات الحكيمات العاقلات لابنتها لكان خيرا لها ولإبنتها، كنصيحة هذه الأم الحكيمة حيث قالت:
أي بنية! لو أن إمرأة استغنت عن الزوج؛ لغني أبويها، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال، أي بنية! إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلّفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً. فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكا.
يا بنية! احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً:
الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهد لموقع عينه والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب المفقود، والتعهد لوقت طعامه، والهدو عنه عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مبغضة، والاحتفاظ ببيته وماله، والارعاء على نفسه وحشمه وعياله، فإن الاحتفاظ بالمال؛ حسن التقدير، و الإرعاء على العيال والحشم؛ جميلُ حسن التدبير، ولا تفشي له سراً، ولا تعصى له أمراً، فإنك إن أفشيت سره؛ لم تأمني غدره، وإن عصيت امره؛ أوغرت صدره، ثم اتقى مع ذلك الفرح اذا كان ترحاً، والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية ؛ من التكدير، وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً؛ يكن أشد ما يكون لك إكراماً، وأشد ما تكونين له موافقة؛ يكن أطول ما تكونين له مرافقة، وأعلمني أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت والله يخير لك.
فيا ليت شعري أن تتنبه الزوجة لهذه الأمور وأن لا تتشكى عند والديها لأتفه الأسباب والمسائل، فالإشكال يحصل بين الزوجين ولا ريب والحل في مقدورهما إن رجعا للكتاب والسنة ففيهما خير حافظ للحياة الزوجية.
وياليت شعري أن لا ينجرف الأبوين تجاه العاطفة فيُسدوا على ابنتهما الحياة، وليكونا خير ناصح وراشد ومؤدب.
والسلام عليكم.
كتبه/
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
20 / 11 / 1435هـ.
المصدر: منتديات نور اليقين
تنبيه الزوجة الغافلة من تدخل الوالد والوالدة الجاهلة
العرض العادي
