الإنسان وطباع الحيوان
لقد كرم الله هذا الإنسان وشرفه وميزه كما قال سبحانه: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا } أي: من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات. إلا أن كثيرا من الناس يأبى لنفسه إلا التشبه بالحيوانات في طباعها، وحظه من ذلك بحسب ما غلب عليه منها.
قال ابن القيم رحمه الله: (( وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها .
فمنهم من نفسه كلبية لو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها، وحماها من سائر الكلاب، ونبح كلَّ كلب يدنو منها فلا تقربها الكلاب إلا على كره منه وغلبة، ولا يسمح لكلب بشيء منها، وهمه شبع بطنه من أيِّ طعام اتفق ميتة أو مذكى خبيث أو طيب، ولا يستحى من قبيح إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث إن أطعمته بصبص بذنبه ودار حولك وإن منعته هرك ونبحك.
ومنهم من نفسه حمارية لم تخلق إلا للكد والعلف كلما زيد في علفه زيد في كده أبكم الحيوان وأقله بصيرة؛ ولهذا مثل الله سبحانه وتعالى به من حملَّه كتابه فلم يحمله معرفة ولا فقها ولا عملا، ومثل بالكلب عالم السوء الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتبع هواه .
ومنهم من نفسه سبعية غضبية همته العدوان على الناس وقهرهم بما وصلت إليه قدرته، طبيعته تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه.
ومنهم من نفسه فأرية فاسق بطبعه مفسد لما جاروه .
ومنهم من نفسه على نفوس ذوات السموم والحُمَات كالحية والعقرب وغيرهما، وهذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه فيدخل الرجل القبر والجمل القدر.
ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمر بالطيبات فلا يلوى عليها فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمَّه. وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوىء فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونُقْله.
يتبع