تردد عانس في التخيير بين الزواج بعقيم من امتناع الزواج به
الفتوى رقم: 250
الصنف: فتاوى الزواج
تردد عانس في التخيير بين الزواج بعقيم من امتناع الزواج به
السؤال:
أخ ملتزم تقدم لخطبة أخت فلما تمّ القبول، وبعد العقد الشرعي صرح لها بمشكلة وهي: أنّ به نقصا في جهازه التناسلي وأنّه عديم خصية، فالأخت لمّا سألت قيل لها إنّه يمكن أن يكون عقيماً فطرحت عليه أن يذهب إلى الطبيب ويجري تحاليل طبية والتي أظهرت أنّ بمائه حيوانات منوية جلّها ضعيفة وغير طبيعية وأنّ هناك احتمال كبير للعقم، علماً أنّ الأخت كبيرة في السن (30) سنة، فإذا رفضته يمكن ألا تتزوج وإذا قبلت به خشيت ألا تطيق العيش من غير أولاد. فنرجو منكم يا شيخنا الفاضل النصيحة والتوجيه.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم أنّ من حقّ المرأة فسخ عقد الزواج لوجود عيب في زوجها، ويجوز لها أن تستبقي الزواج ولا تبطله إن رضيت بحاله، فهي بخير النّظرين، فإن رأت في زواجها به عِفّة نفسها وحفظ فرجها والأمن تحت عصمة رجل صاحب خلق ودين فلها أن ترضى به وتستبقي العقد ولا تلغيه والولد ليس بشرط في الزواج ولكنّه يستحبّ إنجابه لقوله صلى الله عليه وسلّم: " تزوّجوا الولود الودود فإني مكاثر ٌ بكم الأمم يوم القيامة "(١)، وقد امتنّ الله تعالى على قوم شعيب عليه السلام بتكثير العدد في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ﴾ [الأعراف:86]، وكما امتنّ على الرّسل وعلى الناّس في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ [الرعد:38]، وقوله تعالى: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ [النحل:72]، لذلك كان من حقّ كلا الزّوجين تحقيق نعمة الولد والشّكر عليها ومن شكره عليها تقويم الولد وتصليحه، وليس كلّ من له الولد يستطيع شكر النعمة عمليا بتقويم اعوجاجه إلاّ من قدّره الله سبحانه وتعالى على ذلك، فقد يرهق الولد الوالد طغيانا وكفرا قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾[الكهف:46]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التغابن:15] وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً﴾ [الكهف:80].
هذا، وعلى كلّ فالعقيم كالسليم من حقّه أن يتزوّج لقوله صلى الله عليه وسلّم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(٢).
فإن رأت من نفسها إعانته على تحصين فرجه وعفّة نفسها فلها أن ترضى به، وخاصّة إذا بان لها أنّ حظوظ الزواج ضئيلة وتخشى على نفسها الفتنة، وإن راعت الولد في نظرها مع التّحصين ولها في ربّها كبير الثّقة في أن يفتح الله عليها بزوج أولى وأحسن فلها أن تمتنع وتصبر إلى أن يفتح الله وهو خير الفاتحين، وعليها باللجوء إلى استخارة ربِّها في خير الأمرين ثمّ الإقدام عليه، والخير فيما اختاره الله تعالى.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وسلّم تسليمًا.
الجزائر في : 22 جمادى الثانية 1426ﻫ
الموافـق ﻟ : 28 جـويليـة 2005م
١-أخرجه ابن حبان في «صحيحه» 1228)، وأحمد في «مسنده»: (12948)، والطبراني في «الأوسط»: (1/1/163)، وسعيد بن منصور في «سننه»: (490)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (13858)، من حديث أنس رضي الله عنه. وأخرجه أبو داود في «النكاح»: (2050)، والنسائي في «النكاح»: (3227)، والمحاملي في «الأمالي»: (21)، من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، والحديث حسنه الهيثمي في «مجمع الزوائد»: (4/474)، وصححه ابن حجر في «فتح الباري»: (13/293)، والألباني في «الإرواء»: (1784)، وفي «آداب الزفاف» (ص :132).
٢- أخرجه البخاري في النكاح(5066)، ومسلم في النكاح (3466)، والترمذي في النكاح (1103)، والنسائي في النكاح (3222)، وابن ماجه في النكاح(1918)، وأحمد (4104)، والدارمي(2220)، والحميدي في مسنده (122)، والبيهقي (13829)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
فركوس
المصدر
المصدر: منتديات نور اليقين