[ ما ذكر في القرآن عن قصة الفيل ، وشرح ابن هشام لمفرداته ]
قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال الله تبارك وتعالى : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول
وقال : [ ص: 55 ] لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه .
قال ابن هشام : الأبابيل : الجماعات ، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه . وأما السجيل ، فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب قال رؤبة بن العجاج :
:
ومسهم ما مس أصحاب الفيل ترميهم حجارة من سجيل
ولعبت طير بهم أبابيل
وهذه الأبيات في أرجوزة له . ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج : الحجر ، والجل : الطين . يعني : الحجارة من هذين الجنسين : الحجر والطين . والعصف : ورق الزرع الذي لم يقصب ، وواحدته عصفة . قال : وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له : العصافة والعصيفة . وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم :
:
تسقى مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتى الماء مطموم
وهذا البيت في قصيدة له . وقال الراجز :
فصيروا مثل كعصف مأكول
قال ابن هشام : ولهذا البيت تفسير في النحو .
[ ص: 56 ] وإيلاف قريش : إيلافهم الخروج إلى الشام في تجارتهم ، وكانت لهم خرجتان : خرجة في الشتاء وخرجة في الصيف .
أخبرني أبو زيد الأنصاري ، أن العرب تقول : ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد وأنشدني لذي الرمة : من المؤلفات الرمل
أدماء حرة شعاع الض حى في لونها يتوضح
وهذا البيت في قصيدة له . وقال مطرود بن كعب الخزاعي :
المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلاف
وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .
والإيلاف أيضا : أن يكون للإنسان ألف من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، أو غير ذلك .
يقال : آلف فلان إيلافا . قال الكميت بن زيد ، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد :
:
بعام يقول له المؤلفون هذا المعيم لنا المرجل
وهذا البيت في قصيدة له .
والإيلاف أيضا : أن يصير القوم ألفا ، يقال آلف القوم إيلافا قال الكميت بن زيد :
:
وآل مزيقياء غداة لاقوا بني سعد بن ضبة مؤلفينا
وهذا البيت في قصيدة له .
والإيلاف أيضا : أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه ويلزمه ، يقال : آلفته إياه إيلافا . والإيلاف أيضا : أن تصير ما دون الألف ألفا ، يقال : آلفته إيلافا . [ ص: 57 ]