بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا جواب كتاب أرسله بعض الإخوان إلي، ومضمونه السؤال عن جماعة التبليغ، وعن كثرة الأقوال فيهم بين مؤيد لهم ومستنكر لأعمالهم، وذكر السائل أنه قرأ فتوى من الشيخ محمد بن إبراهيم تتضمن التوقُّف في أمرهم.
ويقول السائل : هل أنصحه بالخروج معهم داخل البلاد السعودية أوخارجها أم لا؟
والجواب: أن أقول : أما جماعة التبليغ؛ فإنهم جماعة بدعة وضلالة، وليسوا على الأمر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، وإنما هم على بعض طرق الصوفية ومناهجهم المبتدعة.
وقد أسس بدعتهم ووضع أصولها الستة محمد إلياس الديوبندي الجشتي -كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى-، وهوالأمير لجماعة التبليغ. ثم خلفه في الإمارة عليهم ابنُه يوسف.
وأما أميرهم في زماننا؛ فهوالمسمى : إنعام الحسن، وهو يبايع التابعين له على أربع طرق من طرق الصوفية، وهي : الجشتية، والقادرية، والسهروردية، والنقشبندية.
فأما أفراد جماعته من العجم؛ فإنه يبايعهم على هذه الطرق الأربع بدون تحفُّظ، وأما العرب؛ فإنه يتحفَّظ منهم ولا يبايع إلا من وثق به منهم من السذَّج الذين يحسنون الظن بالتَّبليغيين ولا يعرفون أنهم أهل بدعة وضلالة.
وقد ذكر العلماء العارفون بجماعة التبليغ كثيرا مما هم عليه من البدع والخرافات والضلالات وأنواع المنكرات وفساد العقيدة، ولا سيما في توحيد الألوهية؛ فهم في هذا الباب لا يزيدون على ما كان عليه أهل الجاهلية الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لأنهم إنَّما يقرون بتوحيد الربوبية فقط كما كان المشركون من العرب يقرون بذلك.
ويفسرون معنى (لا إله إلا الله) بمعنى توحيد الربوبية، وأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر للأمور، وقد كان المشركون يقرون بهذا التوحيد؛ كما ذكر الله ذلك عنهم في آيات كثيرة من القرآن، ولم ينفعهم ذلك ، ولم يدخلوا به في الإسلام.
وقد جهل التبليغيون معنى (لا إله إلا الله) على الحقيقة، وهوأنه المستحقُّ للعبادة دون ما سواه، فيجب إفراده بجميع أنواع العبادة، ولا يجوز صرف شيء منها لغيره، ومن صرف منها شيئا لغيره؛ فقد جعل ذلك الغير شريكا له في الألوهية، ومن خفي عليه هذا المعنى؛ فهومن أجهل الناس، ولا خير فيه.
وأما توحيد الأسماء والصفات؛ فإن التبليغيين فيه أشعرية وماتريدية، وهما من المذاهب المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة.
وأما باب السلوك؛ فإنهم فيه صوفية، والصوفية من شر أهل البدع، وقد تقدم ذكر الطرق الأربع التي كانوا يبايعون أتباعهم على الأخذ بها.
ومن أورادهم:
(إلا الله): أربع مئة مرة.
و(الله، الله): ست مئة مرة يومياً.
و(الأنفاس القدسية): عشر دقائق يومياً، وتتحقَّق بالتصاق اللسان في سقف الفم، والذكر بإخراج النفس من الأنف على صورة لفظ (الله).
و(المراقبة الجشتية): نصف ساعة أسبوعياً عند أحد القبور؛ بتغطية الرأس، والذكر بهذه العبارة: ((الله حاضري، الله ناظري)).
وهذه الأوراد بدع وضلالة مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان.
وقد ذكر بعض العلماء عن التبليغيين نوعاً آخر من الذكر، وهو أنهم يكررون كلمة (لا إله) ست مئة مرة، ثم يكررون كلمة (إلا الله) أربع مئة مرة.
وذكر آخر عن عدد كثير من الرجال أنهم سمعوا جماعة من التبليغيين الهنود وهم في بيت في شارع المنصور بمكة يكررون كلمة (لا إله) نحواً من ست مئة مرة، ثم بعد ذلك يكررون كلمة (إلا الله) نحواً من مئتي مرة، ويقولون ذلك بصوت جماعي مرتفع، يسمعه من كان في الشارع، وذلك بحضرة شيخ من كبار مشايخهم الهنود، وقد استمر فعلهم هذا مدة طويلة، وكانوا يفعلون ذلك في الشهر مرتين: مرة في نصفه، ومرة في آخره.
ولا شك أن هذا من الاستهزاء بالله وبذكره، ولا يخفى على من له علم وفهم أن فعلهم هذا يتضمن الكفر ست مئة مرة؛ لأن فصل النفي عن الإثبات في قول (لا إله إلا الله) بزمن متراخ بين أول الكلمة وآخرها على وجه الاختيار يقتضي نفي الألوهية عن الله تعالى ست مئة مرة، وذلك صريح الكفر، ولوأن ذلك وقع من أحد مرة واحدة؛ لكان كفرَا صريحَا؛ فكيف بمن يفعل ذلك ست مئة مرة في مجلس واحد؟! ثم إن إتيانهم بكلمة الإثبات بعد فصلها عن كلمة النفي بزمن متراخٍ لا يفيدهم شيئاً، وإنما هوالتلاعب بذكر الله والاستهزاء به.
وهذا المنكر القبيح والضلال البعيد من نتائج تقليدهم لشيوخهم، شيوخ السوء والجهل والضلال، الذين أغواهم الشيطان، وزين لهم ما كانوا يعملون.
ومما ذكره بعض العلماء عن التبلغيين أيضاً أن رجلا ً من طلبة العلم خرج معهم من مدينة الحناكية، وأميرهم أحد رؤساء جماعة التبليغ، وفي أثناء الليل رأى أحدهم يهتز ويقول : هو، هو، هو!
فأمسكه، فترك الحركة وسكت، وفي الصباح أخبر أميرهم بما فعله الهندي الصوفي التبليغي، فأنكر الأمير على طالب العلم إنكاره على التبليغي، وقال له بغضب شديد: أنت صرت وهابيا ً، والله؛ لوكان لي من الأمر شيء؛ لأحرقت كتب ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب، ولم أترك على وجه الأرض منها شيئاً!
ففارقهم طالب العلم حين سمع منه هذا الكلام السيء؛ لأنه عرف عداوتهم لأئمة العلم والهدى من أهل التوحيد وأنصار السنة، وعرف محاربتهم لكتبهم المشتملة على تقرير التوحيد والدعوة إليه وإلى إخلاص العبادة لله وحده، والنهي عن الشرك والبدع والخرافات وأنواع الضلالات والمنكرات، والتحذير منها ومن
أهلها.
ومما كانوا ينْهون عنه ويحذِّرون منه ومن أهله بدع الصوفية خرافاتهم ودعاويهم الكاذبة في المكاشفات والكرامات والمنامات التي هي من تضليل الشيطان لهم وتلاعبه بهم.
وقد تعلَّق التبلغيون بأربع طرق من طرق الصوفية، وهي :
الجشتية، والسهروردية، والقادرية، والنقشبندية؛ فإلى هذه الطرق الأربع يدعون الأعاجم ويبايعونهم عليها بدون تحفُّظ ، ويدعون من انخدع بهم ومال إليهم من جهال العرب وأغبيائهم إلى مبايعة عليها إذا وثقوا به.
ومن أوراد التبليغيين أيضا (( دلائل الخيرات ))، ذكر ذلك بعض العلماء عنهم، في هذا الكتيب من الشرك والغلو والأحاديث الموضوعة مالا يخفى على من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب، فقال: وحرقَ عمدا للدلائِل دفَْترا أَصاب فَفيها ما يجِلُّ عنِ العدُ غُلو نَهى عنْه الرسولُ وفِريةٌ بِلا مِريةٌ فاتْركْه إن كُنْتَ تَستَهدِي وذكر بعض العلماء عن التبليغيين أنهم يعتنون بالقصيدة التي تسمى ((البردة)) وب (( القصيدة الهمزية ))، وفيهما من الشرك والغلو ما هو معروف عند أهل العلم من أهل التوحيد.
وقد جعل التبليغيون هذا الكتيب عمدةً ومرجعاً للهنود وغيرهم من الأعاجم التابعين لهم، وفيه من الشركيات والبدع والخرافات والأحاديث الموضوعة والضعيفة شيء كثير؛ فهو في الحقيقة كتاب شر وضلال وفتنة، وقد اتَّخذه التبليغيون مرجعاً انشر بدعهم وضلالاتهم وترويجها وتزيينها للهمج الرعاع الذين هم أضل سبيلا من الأنعام…
ومما زينوه لهم إيجاب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج، واستدلُّوا على ذلك بأحاديث موضوعة.
وللتبليغيين كتاب آخر يعتمدون عليه ويجعلونه من مراجع أتباعهم من الأعاجم من الهنود وغيرهم، وهوالمسمى ((حياة الصحابة)) لمحمد يوسف الكاندهلوي، وهو مملوء بالخرافات والقصص المكذوبة والأحاديث الموضوعة والضعيفة، وهو من كتب الشر والضلال والفتنة.
وللتبليغيين مسجد ومركز رئيسي في دلهي، يشتمل على أربعة قبور في الركن الخلفي للمصلَّى، وهذا شبيه بفعل اليهود والنصارى، والذين اتَّخذوا قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وقد لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الصنيع، وأخبر أنهم من شرار الخلق عند الله.
( وقد ذكر الأستاذ سيف الرحمن بن أحمد الدهلوي في (ص 47) من كتابه المسمى ((نظرة عابرة اعتبارية حول الجماعة التبليغية)): أن أكابر أهل التبليغ يرابطون على القبور، ويقرون بمسألة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة الأولياء حياة دنيوية لا برزخية مثل ما يقر القبوريون بنفس المعنى.
ويأتي شيخهم الشيخ زكري شيخ الحديث عندهم وبمدرستهم ببلدة سهارنفور بالهند يأتي إلى المدينة المنورة، ويرابط عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالجانب الشرقي من القبر ونحو الأقدام الشريفة، ويذهب في المراقبة عدة ساعات؛ كما شاهده الكثيرون.
ويقول قائلهم: إن لجماعتنا ولأكابرنا حظُّ وصولٍ في مجالس النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً.
ثم ذكر الأستاذ سيف الرحمن في (ص 48) ثمانية أبيات بلغة الهنود، وقد ترجمت إلى العربية، وذكر أنها لمؤلف من التبليغيين، وقد اشتملت على الشرك الأكبر، وذلك بصرف خالص حق الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم، ولقبح ما فيها من الشرك تركت إيرادها.
ومن الشركيات الرائجة عند التبليغيين تعليق التمائم والحروز والحجب التي تشتمل على الطلاسم والأسماء الغريبة والمربعات والأرقام والرموز المبهمة التي لا تخلو من الالتجاء إلى غير الله والاستعاذة بغيره.
وذكر الأستاذ سيف الرحمن بن أحمد أيضاً في (ص 11) من كتابه الذي تقدم ذكره أن التبليغيين أصولاً يدعون الناس إليها:
وذكر منها: ترك الصراحة بالكفر بالطاغوت والنهي عن المنكر.
وذكر أيضاً في (ص 13): أن من اصولهم تعطيل جميع النصوص الواردة في الكتاب والسنة بصدد الكفر بالطاغوت وبصدد النعي عن المنكر تعطيلاً باَتاً.
وذكر أيضاً من أصولهم : التجنُّب بشدة بل المنع بعنف من الصراحة بالكفر بالطاغوت، ومن الصراحة بالنهي عن المنكر، وتعليل ذلك بأنه يورث العناد لا الصلاح.
وذكر لهم أيضاً أصولاً كثيرة ابتدعوها وشذُّوا بها عن المسلمين، وكلها من أصول الغي والضلال.
ولا يخفى ما في اصولهم المذكورة ها هنا من المعارضة للقرآن والسنة : لأن الله تعالى يقول : { فَمن يكْفُر بِالطَّاغُوتِ ويؤْمِن بِاللّه فََقدِ اسَتمسك بِالْعروةِ الْوثْقَى }.
ويقول تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
ويقول تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وقال تعالى : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
والآيات والأحاديث في الحثِّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعيد الشديد على تركهما كثيرة جداً، وليس هذا موضع ذكرها.
وقد دلَّت الآية الأولى على أن الاستمساك بالعروة الوثقى له شرطان لا بد منهما:
أحدهما: الكفر بالطاغوت.
والثاني: الإيمان بالله.
فمن أتى بهذين الشرطين؛ فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن لم يأت بهما، أو ترك واحداً منهما؛ فليس له حظٌّ من الإستمساك بالعروة الوثقى.
والعروة الوثقى هي : الإيمان. وقيل: الإِسلام. وقيل: لا إله إلا الله .
وقيل: الحب في الله والبغض في الله.
قال ابن كثير في ((تفسيره)): ((وكل هذه الأقوال صحيحة، ولا تنافي بينها)) انتهى.
وإذا عرضنا الأصول الثلاثة التي تقدم ذكرها من أصول التبليغيين على نص الآية الكريمة التي تقدم ذكرها؛ تبين لنا أنه لاحظَّ لهم من الاستمساك بالعروة الوثقى؛ لأنهم قد تركوا شرطاً من شروط الاستمساك بها، وهوالكفر بالطَّاغوت، ومن ليس لهم حظٌّ من الاستمساك بالعروة الوثقى؛ فلا خير فيهم ولا في مرافقتهم والخروج معهم.
ثم إن التبليغيين لم يقتصروا على ترك الصراحة بالكفر بالطَّاغوت، بل ضموا إلى ذلك ما هو شر منه، وهوالتجنُّب بشدة والمنع بعنف من الصراحة بالكفر بالطاغوت، وتعطيل جميع النصوص الواردة في الكتاب والسنة بصدد الكفر بالطاغوت، وهذا من زيادة ارتكاسهم في الغي والضلال، عافانا الله وإخواننا المسلمين مما ابتلاهم به.
وأما تركهم الصراحة بالنَّهي عن المنكر، وتجنُّبهم ذلك بشدة، ومنعهم منه بعنف، وتعطيلهم جميع النصوص الواردة في الكتاب والسنة بصدد النهي عن المنكر؛ فهو من أوضح الأدلَّة على زيغهم، وفساد معتقدهم، وسلوكهم طريق الغي والضلال الذي ذكره الله عن العصاة من بني إسرائيل، وذمهم على ذلك، ولعنهم.
فقال تعالى : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
وروى: الإمام أحمد، وأبوداود، والتر مذي -وحسنه-، وابن ماجه؛ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي؛ نهتهم علماؤهم، فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون))، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس، فقال: (( لا؛ والذي نفسي بيده؛ حتى تأطروهم على الحق أطراً)). هذا لفظ أحمد والترمذي.
ولفظ أبي داود : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجلُ يلقى الرجلَ فيقول : يا هذا! اتَّقِ الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحلُّ لك، ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك؛ ضرب الله قلوب بعضهم ببعض))، ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله : {فاسِقون}، ثم قال: ((كلا؛ والله لتأمرن بالمعروف، وَلتنهون عن المنكر، ولتأخُذُن على يد الظالم، ولتأطُرنَّه على الحق أطراً، ولَتقْصرنَّه على الحق قصراً)).
زاد في رواية له : ((أو لَيضرِبن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننَّكُم كما لعنهم)).
وفي هذا الحديث أبلغ رد على التبليغيين الذين لا يبالون بالنهي عن المنكر ولا يعدونه من واجبات الإسلام.
وقد زادوا على ما ذكره الله عن بني إسرائيل بزيادات من الغي والضلال، وهي تجنُّبهم الصراحة بالنهي عن المنكر بشدة، ومنعهم من ذلك بعنف، وتعطيلهم جميع النصوص الواردة في الكتاب والسنة بصدد النهي عن المنكر.
وفي هذا أوضح دليل على مخالفتهم لطريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة.
وإنما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب للأمر بالمعروف : الذي أساسه وأصله التوحيد ومتابعة الرسل، وفروعه الأقوال الطيبة والأعمال الصالحة، وللنهي عن المنكر : الذي أساسه وأصله الشرك والبدع، وفروعه الأقوال الخبيثة وأنواع الفسوق والعصيان.
وبالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعلو كلمة الله، ويظهر دينه، وإذا تُرِك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ضعف الإسلام، وظهر الباطل وأهله.
قال ابن عقيل في ((الفنون)): ((من أعظم منافع الإسلام وآكد قواعد الأديان : الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتناصح؛ فهذا أشقُّ ما يحمله المكلَّف؛ لأنه مقام الرسل، حيث يثقل صاحبه على الطباع، وتنفر منه نفوس أهل اللَّذَّّات، ويمقته أهل الخلاعة، وهوإحياء السنن وإماتة البدع)) انتهى.
وقد جمع الله تبارك وتعالى بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آيات كثيرة من القرآن، وجمع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ثابتة عنه، فأبى التبليغيون أن يجمعوا بينهما، ولم يبالوا بالتفريق بين ما جمع الله ورسوله
بينهما، فصاروا بهذا مشابهين لليهود الذين قال الله فيهم:
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}.
فلا يأمن التبليغين أن يكون لهم نصيب وافر من هذا الوعيد الشديد.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ((من تشبه بقوم؛ فهو منهم)). رواه: الإمام أحمد، وأبوداود؛ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وقد ذكر الأستاذ سيف الرحمن بن أحمد الدهلوي أصولاً كثيرة للتبليغيين سوى ما تقدم ذكره، وكلها من أصول الجهل والغي والضلال، وقد تركت ذكرها إيثاراً للاختصار، وهي في (ص 11-14)، فمن أحب الوقوف عليها؛ فليراجعها في الكتاب الذي تقدم ذكره.
بل إنه ينبغي لمن أشكل عليه أمر التبليغيين أن يطالع كتاب سيف الرحمن ابن أحمد من أوله إلى آخره؛ ليعلم ما عليه هذه الفرقة الشاذَّة من مزيد الجهل والضلال والبعد عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
وقد ذكر سيف الرحمن بن أحمد في (ص 56 – 57) أنواعاً كثيرة من مشابهة التبليغيين للشيعة، و((من تشبه بقوم؛ فهومنهم)).
وهذا ملخَّص ما ذكره سيف الرحمن بن أحمد عنهم:
قال: (( ومما يلاحظ عليهم أن لهم الشبه بالشيعة في إخفاء السم في الدسم.
ولهم الشبه بالشيعة في إخفاء ما في كتبهم.
ولهم شبه بالشيعة في إخفاء كثير من عقائدهم المبعدة في الغلو وفي التطرفات والخرافات النائية.
ولهم شبه بالشيعة بالتقية باسم الحكمة والاحتياط، حيث إنهم يظهرون شيئاً ويخفون شيئاً، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون شيئاً ويفعلون شيئاً، وينادون بالدعوة إلى الإجماعيات، ويتحمسون لكثير من الخلافيات.
ولهم شبه بالشيعة في البغض ونصب العداء لأهل الحق وعقيدة السلف.
ولهم شبه بالشيعة في كثير من التأويلات النائية عن طريق السلف الصالح.
ولهم شبه بالشيعة في قربهم للحكايات والخرافات وتعظيم النسبة إلى أكابرهم وإلى مشايخهم.
ولهم شبه بالشيعة في بعدهم عن النصوص وعن الظلم بالنصوص –نصوص الكتاب والسنة-؛ فالذاكر الشيعي على العموم جاهل، وهذا التبليغي كذلك على العموم جاهل.
ولهم شبه بالشيعة في تحديد علمهم وعلم طائفتهم في كتبهم المعروفة عندهم دون غيرها من الكتب ودون غيرهم من علماء المسلمين.
ولهم شبه بالشيعة بمنع اتباعهم عن البحث وطلب الحق عند غيرهم.
ولهم شبه بالشيعة؛ بجعل معظم الدين محصوراً في المناقب والمثالب وتعظيم الأكابر.
ولهم شبه بالشيعة في المقدرة على المغالطات والمبالغات.
ولهم شبه بالشيعة في المقدرة على النفاق وإظهار التوحيد وإخفاء الإشراك، بل النداء بالتوحيد وترويج الإشراك . انظر كتاب ((نشر الطيب)) للمصنف اشرف علي التهانوي)).
ثم قال الأستاذ سيف الرحمن بن أحمد : ((ومما يعرف عن هؤلاء أنهم يتواضعون ويتظاهرون بالتواضع فوق العادة، ولكن تواضعهم هذا ليس إلا تصنُّعاً؛ فإنهم يسرون لهم ومعهم فقط، ويرون السيادة الدينية لهم وهم أهلها في زعمهم، والذي ينازعهم فيها؛ فهوضال وفاتن، وهذا الشيء قد تأصل في قرارة نفوسهم،
ولذا يبتعدون ويبعدون الناس عن كل مصلح ومخلص، ولذا يرون أن لا طاعة لأحد عليهم إلا لكبرائهم.
وحسبما بلغني عن بعض الثقات أنهم يرون أن لا طاعة لولاة الأمور عليهم، ولذا يبيحون الغش والخديعة والتزوير، وفعلاً يستغلُّ دهاتهم بلههم باسم التبليغ في التجارات المنحرفة والتزوير ومخالفة القوانين وتعدد الجوازات لشخص واحد على أساس الكذب والزور…إلى آخر ما هنالك من المخالفات.
ولذا يعرف عن هؤلاء أنهم يتربصون بالحكومة السعودية والجامعة الإسلامية والحركة الوهابية والغريزة الجهادية -أي: لإعداد العدة واستعمال القوة لإعلاء كلمة الله-؛ يتربصون بها الدوائر-عليهم دائرة السوء -، وذلك كله لإعجابهم ببدعتهم، وغفلة الناس عن بدعتهم هذه ومداها.
ولقد صدق من قال : إن يهود هذه الأمة هم الشيعة، وإن يهود أهل السنة هم المقلدون الجامدون، وخاصة أمثال هؤلاء التبليغيين الذين يناصرون الجهلة التقليد الجامد وعبادة الكبراء وتعظيمهم والخضوع لهم، ويروجون البدعة في المسلمين، ويوجبون على المسلمين مالم يوجبه الله، ويشرعون لهم ما لم يشرعه الله ورسوله.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من وقَّر صاحب بدعة؛ فقد أعان على هدم الإسلام)).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله احتجز التوبة على كل صاحب بدعة)). ((صحيح الجامع الصغير)).
قلت: إنما صح الحديث الأخير، وأما الأول؛ فإنه قد ذكره في ((الأحاديث الضعيفة))، وقد روي نحوه من قول الفضيل بن عياض.
ثم قال الأستاذ سيف الرحمن بن أحمد : ((ومما يعرف عن هؤلاء أنهم إذا أرادوا إسناد القول وتدعيمه؛ قالوا: قال كبراؤنا! ولا يخفى خطورة هذه الكلمة وأمثالها عند أهل العلم)).
ثم قال الأستاذ : ((نكتة عجيبة : حكى لي حاج أن نشاط القاديانيين والتبليغيين ممنوع في مصر، ولكن نشاط الإثنين مسموح في إسرائيل، بل إن القاديانيين لهم مركز دائم في إسرائيل كما أن التبليغيين لهم تجولات شبه دائمة في إسرائيل، وأن القاديانيين لهم المقر الأول بقرية قاديان في الهند، والمقر الثاني لهم بربوة بباكستان، ولكن نشاطهم في صورة مراكز ومساجد منتشرة في شتى البلدان والقارات، وكذلك التبليغيون لهم المقر الأول بقرية نظام الدين بدلهي الهند، والمقر الثاني لهم بقرية رائيوند من لاهور بباكستان، ولكن نشاطهم في صورة تجولات وأربعينات
وحلقات وحكايات منتشرة كذلك في شتى البلدان والقارات بالشكل المذكور، وأن القاديانيين يخضعون لأكابرهم كما أن التبلغيين يخضعون لأكابرهم خضوعاً لا يقل عن درجات العبادة والعياذ بالله؛ فما أوضح الشبه بين وصف الجماعتين!
فالقاديانيون يعادون الجهاد بمعنى إعداد العدة واستعمال القوة.
وكل اعتماد الإثنين على نشاط الكلام والحركة التجوالية.
وكلتا الإثنتين تفرغان جهودهما على الاختلاس، والإختناس، والاصطياد، والتزلُّف إلى الحكام وأصحاب الإعتبار وذوي النفوذ، واجتذابهم إلى أنفسهم، مع التجنُّب عن كل صراحة، وقبولهم على جميع علاتهم، وتركهم على حالهم، وموالاتهم على كل ذلك، وموالاة كل حكم وحكومة، والاجتناب بشدة عن كل سياسة علنية.
وكذلك فإن مولد الاثنين ومنشأهما ومصدر الانطلاقتين ومأرزهما هي القارة الهندية فقط.
وكذلك فإن القاديانيين مبنى ديانتهم الجهل والإيمان بالخرافات والحكايات، وكذلك التبليغيون مبنى ديانتهم الجهل والإيمان بالخرافات والحكايات والإكثار منها، وحب الجهل والجهلاء، وترجيح جهلائهم على علماء المسلمين، ومحاربة العلم والعلماء.
فما أوضح الشبه بين الإثنين!
ولكن الفرق بينهما أن القاديانيين كفار مرتدون بالإجماع، لاشك في كفرهم وارتدادهم، والتبليغيون مسلمون وفي عداد المسلمين.
ومعلوم أن هؤلاء يتدرجون بالناس -ولا سيما أصحاب الفطر السليمة-يتدرجون بهم باسم التوحيد والدين والزهد وعدم الترف والورع والتبليغ والتقوى وحب الصالحين، إلى تعظيم الأكابر والبدع والخرافات والجهل المطبق والتقليد الجامد والمسلك الجمودي والتشبث بفروع الفقه الحنفي والوقوع في الشبك التصوفي...إلى آخر ما هناك، وهذا قليل جداً من كثير جداً)).
قال الأستاذ سيف الرحمن بن أحمد : ((وظني أن هذا القدر المذكور يكفي لتفهمهم ومعرفتهم ومعرفة خطورتهم ومعرفة مدى خطورتهم وأبعادها المترامية دينياً وخُلقياً وسياسياً)).
انتهى المقصود من كلامه، ولقد أجاد وأفاد في بيان حال التبليغيين والتحذير منهم، فجزاه الله خير الجزاء، وكثَّر في المسلمين من أمثاله.
وقد رد كثير من العلماء على التبليغيين، وبينوا أخطاءهم وضلالاتهم وخطرهم على الإسلام والمسلمين، وقد رأيت من الكتب والرسائل المؤلَّفة في ذلك عدداً كثيراً، ومن أهمها كتاب الأستاذ سيف الرحمن أحمد الذي تقدم ذكره والنقل منه.
وبعض الذين ردوا على التَّبليغيين قد صحبوهم سنين كثيرة، وخرجوا معهم في سياحتهم التي هي من محدثات الأمور، ثم لما رأوا ما في دعوتهم وأعمالهم من البدع والضلالات والجهالات؛ فارقوهم، وحذَّروا منهم ومن سياحتهم وأعمالهم المبتدعة.
وأما ما ذكره السائل من كثرة الأقوال في التبليغيين بين مؤيد لهم ومستنكر لأعمالهم.
فالجواب عنه أن يقال : إن الصواب مع المستنكرين لأعمالهم؛ لأنها من المحدثات التي ليس عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى : الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبوداود، وابن ماجه؛ عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد)).
وفي رواية لأحمد ومسلم والبخاري تعليقاً مجزوماً به : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد)).
قال النووي في ((شرح مسلم)): ((قال أهل العربية : الرد هنا بمعنى المردود، ومعناه: فهوباطل غير معتد به)).
قال: ((وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهومن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صريح في رد كلِّ البدع والمخترعات)).
وقال أيضاً: ((وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به)) انتهى.
وفي هذا الحديث أوضح دليل على المنع من محدثات التبليغيين وأعمالهم التي ليس عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى: الإمام أحمد أيضاً، وأهل ((السنن))؛ عن العرباض بن سارية رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((عليكم بسنَّتي وسنَّة الاخلفاء الراشدين المهديين؛ تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)).
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)).
وصححه أيضاً: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وقال ابن عبد البر : ((حديث ثابت صحيح)).
وفي هذا الحديث أوضح دليل على المنع من محدثات التبليغيين وأعمالهم التي هي من محدثات الأمور ولم تكن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الخلفاء الراشدين وإنما هي بدع محمد إلياس الديوبندي الجشتي الكاندهلوي ثم الدهلوي، فهوالمؤسس لجماعة التبليغ في الهند، وقد خطَّط لهذه البدعة، ووضع
أصولها الستة بإشارة من شيخيه في الطرق الصوفية، وهما:
رشيد أحمد كنكوهي الديوبندي الجشتي النقشبندي، وأشرف علي التهانوي الديوبندي الجشتي.
ذكر ذلك الأستاذ سيف الرحمن بن أحمد الدهلوي في (ص 7 – 8) من كتابه المسمى ((نظرة عابرة اعتبارية حول الجماعة التبليغية)).
وذكر في ص (4 – 5) ما ملخصه : أن نسب الجماعة التبليغية يتَّصل بالشيخ سعيد نورسي الكردي الملقَّب ب (بديع الزمان)، المولود في سنة ثلاث وتسعين ومئتين وألف من الهجرة، والمتوفى في سنة تسع وسبعين وثلاث مئة وألف من الهجرة على وجه التقريب؛ فهو صاحب هذه الفكرة البدعية والواضع لأصولها الستة، ولكن شاء الله أن تخمد هذه الحركة وتتلاشى هذه الفكرة بتركيا قبل أن تأخذ انطلاقها البارز الشامل.
قال الأستاذ : ((والظاهر أن الشيخ إلياس الهندي لما أتى الحجاز؛ سمع بهذه الفكرة، فاقتبسها إلى الهند، فالفكرة بتركيا، والنماء والترعرع والتطبيق والانطلاق بالهند)) انتهى.
ومن الأحاديث الدالَّة على المنع من المحدثات التبليغيين قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : ((أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)).
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه، والدارمي؛ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وقد رواه النسائي بإسناد جيد، ولفظه: ((إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)).
وفي هذا الحديث النص على أن المحدثات كلها شر ضلالة، وأنها في النار.
ومعنى قوله : ((وكل ضلالة في النار)): أن العمل بالمحدثات يؤدي بأصحابه إلى النار.
ويدلُّ على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلهم في النار إلا ملة واحدة)). قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)).
رواه: الترمذي، وابن وضاح، ومحمد بن نصر المروزي، والحاكم، والآجري؛ من حديث عبد الله بن عمروبن العاص رضي الله عنهما.
وقال الترمذي: ((حسن غريب)).
وروى الطبراني في ((الصغير)) نحوه من حديث أنس رضي الله عنه.
وفي حديث جابر وما ذُكر بعده من حديث عبد الله بن عمرو وأنس رضي الله عنهم أبلغ تحذير من بدع التبليغيين.
ومن لم ينته عن الانضمام إليهم والخروج معهم؛ فلا يأمن أن يكون له نصيب وافر من الوعيد الذي جاء ذكره في حديثي عبد الله بن عمرو وأنس رضي الله عنهم.
وإذا علِم هذا وما تقدم من أول الجواب إلى آخره؛ فليعلم أيضاً أن التأييد للتَّبليغيين خطأ وتأييد للأباطيل التي قد ذُكِرت عنهم، وما وقع من ذلك من العامة وغيرهم من المنسوبين إلى العلم؛ فسببه الانخداع بالتبليغيين وتحسين الظن بهم والاغترار بظاهر أقوالهم وما يموهون به عليهم من أن الخروج معهم وعلى طريقتهم من الجهاد في سبيل الله، ولا يعلمون أنهم في غاية البعد من الجهاد الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، وهو الجهاد المشتمل على الدعاء إلى التوحيد، وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله وحده، والنهي عن الشرك وذرائعه وما يقرب إليه من الأقوال والأعمال، والنهي
أيضاً عن البدع والمخالفات وجميع المنكرات.
فهذا هو الجهاد على الحقيقة ... والتبليغيون في غاية الإفلاس من هذا الجهاد الشرعي، وإنما يتعلَّقون بمجرد الاسم الذي لا مسمى له ولا حقيقة تحته، وإنما هو كسراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه؛ لم يجده شيئاً.
وغاية جهاد التبليغيين ما ذكره سيف الرحمن بن أحمد : أنهم يتدرجون بأصحاب الفطر السليمة باسم التوحيد والدين والزهد وعدم الترف والورع والتبليغ والتقوى وحب الصالحين إلى تعظيم الأكابر والبدع والخرافات والجهل المطبق والتقليد الجامد والمسلك الجمودي والوقوع في الشبك التصوفي ...إلى غير ذلك
مما ذكره الأستاذ عنهم من الإيمان بالخرافات والحكايات والإكثار منها، وحب الجهل والجهلاء، وترجيح جهلائهم على علماء المسلمين، ومحاربة العلم والعلماء.
فهذا هو حاصل جهاد التبليغيين وثمرته، ومن كانوا بهذه الصفة؛ فلا خير فيهم ولا في الانضمام إليهم والخروج معهم.
وأي خير يرجى من أناس لا يعرفون توحيد الألوهية، ولا يرون الكفر بالطَّاغوت، ولا يرون النهي عن المنكر، ويعادون أئمة العلم والهدى من أهل التوحيد وأنصار السنة، وخصوصاً شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب، ويحاربون كتبهم المشتملة على تقرير التوحيد والدعوة إليه وإلى إخلاص العبادة لله وحده وعلى النهي عن الشرك وذرائعه وعن البدع والخرفات وأنواع الضلالات والمنكرات؟!
وقد حصل من بعض أكابرهم السب القبيح في كتبهم لشيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
وحصل من بعض أمرائهم إحراق مجموعة التوحيد المسماة ب ((الجامع الفريد)) لما أهداها له بعض الخارجين معه، وكان المهدي للكتاب يظن أن الأمير يسر بهذه الهدية الثمينة، فكانت المقابلة على حسن الصنيع بالمنكر الفظيع، وهو إحراق كتب التوحيد، عامل الله هذا الأمير والذين يسبون شيخ الإسلام بعدله.
وأيضاً؛ فأي خير يرجى من الانضمام إلى أناس يرابط أكابرهم على القبور، وينتظرون الكشف والكرامات والفيوض من أهل القبور، ويزعمون أن لأكابرهم حظّاً من مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً؟!
وأيضاً؛ فأي خير يرجى من الانضمام إلى أناس قد جعلوا لهم أصولاً من أصول الغي والضلال يدعون الناس إليها، ومنها ترك الصراحة بالكفر بالطاغوت والنهي عن المنكر، ومنها تعطيل جميع النصوص الواردة في الكتاب والسنة بصدد الكفر بالطاغوت وبصدد النهي عن المنكر تعطيلاً باتّاً، ومنها التجنُّب بشدة والمنع بعنف من الصراحة بالكفر بالطاغوت ومن الصراحة بالنهي عن المنكر، وتعليل ذلك بأنه يورث العناد لا الصلاح؟!
وأيضاً؛ فأي خير يرجى من الانضمام إلى أناس يعمرون مجالسهم واجتماعاتهم في المساجد بإلقاء البيانات عما يزعمونه من حصول الكرامات لهم وما يزعمونه أيضاً من الخرافات والمنامات وغير ذلك من الدعاوى الكاذبة التي هي من تضليل الشيطان لهم وتلاعبه بهم، وإذا جاءهم عالم من علماء أهل التوحيد يريد أن يعظهم، ويدعوهم إلى الخير، ويبين لهم توحيد الألوهية الذي يجب عليهم التمسك به، ويحذرهم من الشرك والبدع، ويبين لهم وجوب الكفر بالطاغوت ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ منعوه من الكلام؛ إن كانت لهم قدرة على منعه، وإن لم يقدروا على منعه؛ انفضوا عنه، ولم يستمعوا إلى شيء من كلامه؟!
قد وقع منهم هذا الفعل السيىء مع أحد كبار العلماء من أهل المدينة حين ذهب إليهم في الهند، ووقع مثل ذلك منهم مع غيره.
وأيضاً؛ فأي خير في الانضمام إلى جماعة قد عرف عن شيوخهم وأكابر علمائهم أنهم من الصوفية، وأنهم يبايعون أتباعهم على الأخذ بطرقهم التي هي من طرق الغي والضلال؟!
وهذا قليل من كثير من ضلالاتهم وأباطيلهم التي قد يجهلها أو يتجاهلها بعض المؤيدين لهم.
وإنه لينطبق على المؤيدين لهم قول الشاعر:
يقْضى على المرءِ في أَيامِ مِحنَتِهِ // حتَّى يرى حسناً ما لَيس بالحسنِ
وأما ما ذكره السائل أنه قرأ فتوى من الشيخ محمد بن إبراهيم تتضمن التوقُّف في أمر التبليغيين.
فالجواب عنه أن يقال : إن للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى جواباً صدر منه قبل وفاته بسبع سنين، وقد صرح فيه أن جمعية التبليغيين جمعية لا خير فيها، وأنها جمعية بدعة وضلالة، وهذا نص جوابه:
(( من محمد بن إبراهيم إلى حضرة السمو الملكي الأمير خالد بن سعود رئيس الديوان الملكي الموقر...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد تلقَّيت خطاب سموكم رقم (37/4/5/د) في 21 /1/82 هـ وما برفقه، وهو الالتماس المرفوع إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم من محمد عبد الحامد القادري وشاه أحمد نوراني وعبد السلام القادري وسعود أحمد دهلوي حول طلبهم المساعدة في مشروع جمعيتهم التي سموها (كلية الدعوة والتبليغ الإسلامية)، وكذلك الكتيبات الثلاثة المرفوعة ضمن رسالتهم.
وأعرض لسموكم أن هذه جمعية لا خير فيها؛ فإنها جمعية بدعة وضلالة، وبقراءة الكتيبات المرفقة بخطابهم وجدناها تشتمل على الضلال والبدعة والدعوة إلى عبادة القبور والشرك، الأمر الذي لا يسع السكوت عنه، ولذا فسنقوم إن شاء الله بالرد عليها بما يكشف ضلالها ويدفع باطلها، ونسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ص/م/ 405 في 29/1/82هـ))
هذا الجواب مذكور في (ص 267 - 268) من الجزء الأول من ((فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى)).
وإذا علم ما في جواب الشيخ محمد بن إبراهيم من الرد على التبليغيين والذم لجمعيتهم والتصريح بأنه جمعية بدعة وضلالة وأنه لا خير فيها، فليعلم أيضاً أنه لم يأت في ((مجموع فتاوى الشيخ محمد)) شيء يخالف هذا الجواب.
وقد ذكر لنا أنه قد سئل عنهم قبل جوابه الذي تقدم ذكره بعشر سنوات، فأجاب بأن أمرهم لم يتبين له، ثم لما تبين له أنهم أهل بدعة وضلالة؛ صرح بأنه لا خير فيهم، وأن جمعيتهم جمعية بدعة وضلالة.
فهذا هو الثابت عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى، والعمدة عليه لا على ما كان قبله.
وأما قول السائل : هل أنصحه بالخروج مع التبليغيين في داخل البلاد -أي: البلاد السعودية- أوخارجها أم لا؟
فجوابه أن أقول : إني أنصح السائل وأنصح غيره من الذين يحرصون على سلامة دينهم من أدناس الشرك والغلو والبدع والخرافات أن لا ينضموا إلى التبليغيين، ولا يخرجوا معهم أبداً، وسواء كان ذلك في البلاد السعودية أوفي خارجها؛ لأن أهون ما يقال في التبليغيين أنهم أهل بدعة وضلالة وجهالة في عقائدهم وفي سلوكهم، ومن كانوا بهذه الصفة الذميمة؛ فلا شك أن السلامة في مجانبتهم والبعد عنهم.
وقد أحسن الشاعر حيث يقول:
فلا تصحب أخا الجهل // وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى // حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء // إذا ما هو ماشاه
وقال آخر -وأحسن فيما قال-:
وما ينْفَع الجرباء قُرب صحيحةٍ // إِليها ولكِن الصحيحة تَجرب
وقد تقدم الحديث الذي فيه النص على أن أهل البدع كلهم في النار، وأنه لا ينجو من النار إلا فرقة واحدة، وهم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
فلا يأمن الذين ينضمون إلى التبليغيين ويخرجون معهم في سياحتهم المبتدعة أن يكون لهم نصيب من الوعيد الشديد الذي تقدم ذكره في حديثي عبد الله بن عمرو وأنس رضي الله عنهم.
وقد كان السلف الصالح يحذِّرون من أهل البدع، ويبالغون في التحذير منهم، وينهون عن مجالستهم ومصاحبتهم وسماع كلامهم، ويأمرون بمجانبتهم ومعاداتهم وبغضهم وهجرهم.
قال الشيخ إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في ((عقيدة أهل السنة والجماعة)): ((ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات، ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان ووقرت في القلوب؛ ضرت وجرت إليها الوساوس والخطرات الفاسدة)).
قال: ((واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجلَّ بمجانبتهم ومهاجرتهم)) انتهى.
وروى ابن وضاح عن إبراهيم : أنه قال : ((لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلِّموهم؛ فإني أخاف أن ترتد قلوبكم)).
وروى أيضاً عن الأوزاعي : أنه قال : ((كانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم، وتشمئز منهم قلوبهم، ويحذِّرون الناس بدعتهم)).
وروى أيضاً؛ قال : ((أخبرني غير واحد أن أسد بن موسى كتب إلى أسد ابن الفرات : إياك أن يكون لك من أهل البدع أخٌ أو جليس أو صاحب؛ فإنه جاء في الأثر : ((من جالس صاحب بدعة؛ نُزِعت منه العصمة، ووكِل إلى نفسه، ومن مشى إلى صاحب بدعة؛ فقد مشى في هدم الإسلام))، وقد وقعت اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البدع، وأن الله لا يقبل منهم صرفاً ولا عدلاً ولا فريضةً ولا تطوعاً، وكلَّما زادوا اجتهاداً وصوماً وصلاة؛ ازدادوا من الله بعداً؛ فارفض مجالسهم، وأذلِّهم، وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى بعده)).
وذكر أبو محمد البربهاري في ((شرح السنة)) عن سفيان الثوري : أنه قال : ((من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة؛ خرج من الله تعالى، ووكل إليها))؛ يعني: البدع.
وذكر عن الفضيل بن عياض : أنه قال : ((من عظَّم صاحب بدعة؛ فقد أعان على هدم الإسلام)).
وروى أبونُعيم في ((الحلية)) عن الفضيل بن عياض : أنه قال : ((من أحب صاحب بدعة؛ أحبط عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه)).
وعنه أيضا ً: أنه قال : ((من أعان صاحب بدعة؛ فقد أعان على هدم الإسلام)).
وعنه أيضا ً: أنه قال : ((من جلس إلى صاحب بدعة؛ فاحذره، ولا تأمن صاحب بدعة على دينك، ولا تشاوره في أمرك، ولا تجلس إليه، فمن جلس إليه؛ ورثه الله العمى)).
((وإذا علِم الله من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة؛ رجوت أن يغفر الله له وإن قلَّ عمله؛ فإني أرجو له؛ لأن صاحب السنة يعرض لكل خير، وصاحب البدعة لا يرتفع له إلى الله عمل وإن كثر عمله)).
وعنه أيضا ً: أنه قال : ((علامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة، وأدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وهم ينهون عن أصحاب البدعة)).
وروى ابن الجوزي عن الفضيل بن عياض : أنه قال : ((من جلس إلى صاحب بدعة؛ فاحذروه)).
وروى أيضاً عن سفيان الثوري : أنه قال : ((من سمع من مبتدع؛ لم ينفعه الله بما سمع، ومن صافحه؛ فقد نقض الإسلام عروة عروة)).
وكلام السلف ومن بعدهم من أئمة الخلف في التحذير من أهل البدع والأمر بمجانبتهم ومجانبة من يميل إليهم كثير جداً، وفيما ذكرته هاهنا كفاية لمن كان حريصاً على سلامة دينه من البدع...
والله المسؤول أن يريني وإخواني المسلمين الحقَّ حقّاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل.
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}
تنبيه: من توقَّف في أمر التبليغيين، وظن بهم الظن الحسن؛ فليقرأ كتاب القائد محمد اسلم الباكستاني المسمى ((جماعة التبليغ : عقيدتها وأفكار مشايخها))؛ فقد ذكر عن مشايخهم الكبار من الأقوال الباطلة والعقائد الفاسدة ما تشمئز منه قلوب أهل الإيمان والعقائد السليمة.
وقد ذكر مبدأ الفكرة التبليغية وأصلها في (ص 45 – 46)، ثم قال :
((وهنا نكتة هامة وملحوظة تلفت النظر وتدعو إلى التفكير والتريث، وهي: كيف يكون صلاح المسلمين في شيء تحقَّقت الأكذوبة والخيانة العلمية في مبدئه وأساسه؟! كيف؟! وكيف؟! ألا والله لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)) انتهى.
وهذا آخر ما تيسر إيراده، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.