قال سابق البربري قصيدة فيها مواعظ وحكم، تأثر بها عمر بن عبد العزيز تأثراً بالغاً:
باسم الذي أُنزِلت من عِندِه السُّوَرُ *** والحَمدُ للَّهِ أمَّا بَعدُ يا عُمَرُ
إن كنتَ تَعلَمُ ماتأتي وما تَذَر *** فَكُن على حَذر قد يَنفَعُ الحَذَرُ
واصبِر على القَدَرِالمَجلُوبِ وارضَ به *** وإن أتاك بِمَا لا تَشتَهِي القَدَرُ
فَما صَفا لامرِئٍ عَيشٌ يُسَرُّ به *** إلا سيتبَعُ يوما صَفوَه كَدَرُ
واستَخبِرِ الناسَ عمّا أنت جَاهِلُه *** إذا عَمِيتَ فقد يَجلو العَمَى البَصَرُ
قَد يَرعَوِي المرءُ يوما بعد هَفوَته *** وتحكُم الجاهلَ الأيامُ والعِبَرُ
إن التُّقَى خَيرُ زادٍ أنت حامِلُهُ *** والبرُّ أفضلُ شيءٍ نَالَه بَشَرُ
مَن يَطلُبِ الجَورَ لايَظفَر بحاجَتهِ *** وطالِبُ الحقِّ قد يُهدَى له الظَّفَرُ
وفي الهُدَى عِبَرٌ تَشفَى القلوبُ بها *** كالغَيثِ يَنضِرُ عن وَسمِيِّه الشَّجَرُ
وليسَ ذُوالعِلم بالتَّقوى كَجاهِلِها *** ولا البَصيرُ كأعمَى ما له بَصَرُ
والرُّشدُ نافلةٌ تُهدَى لصاحِبِها *** والغَيُّ يُكرَه منه الوِردُ والصَّدَرُ
قد يُوبِقُ المرءَ أمرٌ وهو يَحقِره *** والشيءُ يا نَفسُ يَنمَى وهو يُحتَقَرُ
ورُبَّما جاءني ما لا أؤملُه *** وربَّما فاتَ مأمُول ومُنتَظَرُ
لا يُشبِعُ النفسَ شيءٌ حين تُحرِزُهُ *** ولا يزالُ لها في غَيرِه وَطَرُ
ولا تزالُ وإن كَانت لهاسَعَةٌ *** لَهَا إلى الشيءِ لم تَظفَر به نَظَرُ
وكلُّ شيءٍ له حالٌ يغيِّرُهُ *** كما تُغَيِّرُ لونَ اللمّةِ الغِيَرُ
والذِّكرُ فيه حَيَاةٌ لِلقُلُوبِ كما *** يُحيِي البِلادَ إذا ما ماتَت المَطَرُ
والعِلمُ يَجلُو العَمَى عن قلبِ صاحبِه *** كما يُجلي سوادَ الظُّلمةِ القَمَرُ
لا ينفعُ الذِّكرُ قَلباً قَاسِياً أبدَاً *** وهَل يَلِينُ لِقَولِ الوَاعِظِ الحَجَرُ
والمَوتُ جِسرٌ لِمَن يَمشِي على قَدَم *** إلى الأمور التي تُخشَى وتُنتَظَرُ
فهم يَمُرُّونَ أفواجاً وتَجمَعُهم *** دَارٌ إليها يَصيرُ البَدوُ والحَضَرُ
مَن كَان في مَعقِل للحِزرِ أسلَمَه *** أو كانَ في خَمرٍ لم يُنجِه خَمَرُ
حتَّى مَتَى أنَافي الدُّنيا أخو كلَفٍ *** في الخدِّ مني إلى لَذَّاتِها صَعَرُ
وَلا أرى أثَراً للذِّكرِ في جَسَدي *** والماءُ في الحَجَرِ القاسي لَهُ أثَرُ
لَو كَانَ يُسهِرُ عيني ذِكرُ آخرَتِي *** كَمَا يؤرِّقُني لِلعَاجِلِ السَّهَرُ
إذاً لَدَاويتُ قَلباً قد أضَرَّ بِهِ *** طُولُ السِّقَام ووهنُ العَظم يَنجَبرُ
ما يَلبَثُ الشيءُ أن يَبلَى إذا اختَلَفَت *** يَوماً عَلَى نَقضِه الرَّوحَاتُ والبُكَرُ
والمَرءُ يَصعَدُ رَيعَانُ الشَبَابِ به *** وكُلُّ مُصعدَةٍ يَوماً ستَنحَدِرُ
وكلُّ بيتٍ خَرَاب بَعدَ جِدَّتِه *** ومن وراء الشبابِ المَوتُ والكِبَرُ
بَينَا يُرَى الغُصنُ لَدناً في أرومَتِه *** رَيَّانَ أضحَى حُطاماً جَوفُه نَخِرُ
كَم مِن جَمِيعٍ أشتَّ الدَّهرُ شَملَهُمُ *** وكلُّ شيءٍ جَمِيع سَوفَ يَنتَثِرُ
ورُبَّ أصيدَ سَامِي الطَّرفِ مُعتَصِب *** بالتَّاجِ نِيرَانُه لِلحَربِ تَستَعِرُ
يَظَلُّ يَفتَرِشُ الدِّيبَاجَ مُحتَجِبا *** عليه تُبنَى قِبَابُ المُلكِ والحُجَرُ
قد غادرتهُ المَنَايا وهو مُستَلَبُ *** مجَدَّ لُتَربُ الخدين مُنعَفِرُ
أبَعدَ آدمَ تَرجُونَ البَقَاءَ وَهَل *** تَبقَى فروعٌ لأَصلٍ حين يَنعَقِرُ
لهم بيوتٌ بِمُستَنّ السُّيولِ وهل *** يَبقَى على الماءِ بَيتٌ أُسُّه مَدَرُ
إلى الفَنَاءِ وإن طالت سَلامتُهم *** مَصيرُ كلِّ بَنِي أُنثَى وإن كَثُروا
إنَّ الأُمورَ إذا استقبلتَها اشتَبَهَت *** وفي تَدَبُّرِها التِّبيانُ والعِبَرُ
والمَرءُ ما عاشَ في الدنيا له أملُ *** إذا انقَضى سَفَر منا أتَى سَفَرُ
لَهَا حَلاوةُ عَيشٍ غَيرُ دَائِمَةٍ *** وفي العَوَاقِبِ مِنهَا المُرُّ والصَّبِرُ
إذا انقضت زُمَرٌ آجالُها نَزَلت *** على مَنَازِلِها مِن بَعدِها زُمَرُ
وليسَ يَزجُرُكم ما تُوعَظُونَ بِهِ *** والبَهمُ يَزجُرها الرَّاعِي فَتَنزَجِرُ
أصبَحتُمُ جَزَرا للموتِ يَقبِضُكم *** كما البَهَائمُ في الدنيا لها جَزَرُ
لا تَبطِروا واهجُروا الدنيا فإنَّ لها *** غِبَّا وَخِيما وكفرُ النعمةِ البَطَرُ
ثم اقتَدُوا بالأُلى كانوا لكم غُرَرا *** ولَيسَ من أُمَّةٍ إلا لها غُرَرُ
حتَّى تكونوا على مِنهَاجِ أوَّلِكُم *** وتَصبِروا عن هَوَى الدنيا كَما صَبَروا
ما لي أرى الناسَ والدنيا مُوَلِّيةٌ *** وكلُّ حَبلٍ عليها سوف يَنبَتِرُ
لا يَشعُرونَ بِمَا في دِينهم نَقَصُوا *** جَهلاً وإننَقَصت دُنياهُمُ شَعَروا
مَن عاشَ أدرك في الأعداءِ بُغيَتَهُ *** ومَن يَمُت فَلَهُ الأيَّامُ تَنتَصِرُ
منقول