الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله
الحمد لله حمدا كثيرا طبيا مباركا فيه والحمد لله الذي فضل بعض المخلوقات على بعض فضل يوم الجمعة وجعله أفضل أيام الاسبوع وجعله عيدا للأيام فاختصه بخصائص جليلة ليعرف الناس قدره فيقوموا بحقه على الوجه المشروع واشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له منه المبتدأ واليه الرجوع وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أهدى داع وأجل متبوع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله واصحابه والتابعين لهم باحسان في الهدى والتقى والخضوع
أما بعد
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى عظموا ما عظمه الله ورسوله واعلموا ان الأمر كله بيد الله وأن الله هو الذي بيده الخير يخلق ما يشاء ويختار والله ذو الفضل العظيم واشكروا نعمة الله عليكم ايها الأمة المحمدية بما خصكم الله به من الفضائل التي لم تكن لأحد من الأمم سواكم خصكم الله بهذه الملة الحنيفية السمحة أكمل الملل وأتمها وأقومها بمصالح العباد فهي صالحة لكل زمان ومكان الى يوم القيامة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( اعطيت خمسا لم يعطعهن أحدا من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة ) هذه خمس من الفضائل حصرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد وهناك فضائل كثيرة متعددة يغني عن التعداد قول الله عز وجل ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) فلله الحمد والمنة أن جعلنا من هذه الأمة ونسأله تبارك وتعالى أن يحشرنا تحت لواء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم احشرنا تحت لواءه وفي زمرته يا رب العالمين يا حي يا قيوم أيها الاخوة ان مما خصكم الله به من الفضائل هذا اليوم يوم الجمعة الذي ضل عنه اليهود والنصارى وهداكم الله اليه فكان الناس تبعا لكم مع أنهم أسبق منكم في الزمن وأوتوا الكتاب من قبلكم ولكن الله تعالى أخرهم بما كسبوا فكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد أي أن يوم السبت عند اليهود هو بمنزلة يوم الجمعة عندنا ويوم الأحد عند النصارى بمنزلة يوم الجمعة عندنا فهم لنا ولله الحمد تبع مع تقدمهم في الزمن قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة هدانا الله له وضل الناس عنه فالناس فيه لنا تبع هو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الاحد هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معلنا بنعمة الله ومحدثا بها حتى يتبين لهذه الامة فضل الله عليها ولقد خص الله هذا اليوم أعني يوم الجمعة بخصائص كونية وخصائص شرعية فمن خصائصه الكونية ما ثبت في الصحيح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال عن يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة فيه أخرج منها ولا تقوم الساعة الا في يوم الجمعة وفي هذا اليوم أعني يوم الجمعة سعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي فيسال الله خيرا الا أعطاه اياه وإن أرجى الساعات ساعتكم هذه ساعة الصلاة والاجتماع عليها ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ن هذه الساعة هي ما بين أن يجلس الامام يعني على المنبر اذا دخل الى أن تقضى الصلاة وكذلك من الساعات المرجوة ما بعد صلاة العصر الى الغروب ومن خصائص هذا اليوم الشرعية أن فيه صلاة الجمعة التي دل الكتاب والسنة والاجماع على فرضيتها قال الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون )وقال النبي صلىالله عليه وعلى آله وسلم ( لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم فليكونن من الغافلين ) وقال ( من تارك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه ) أعاذنا الله واياكم من ذلك وأجمع المسلمون على هذا حتى إن العلماء قالوا اذا لم يستطع الإنسان أن يأتي إلى الجمعة ماشيا فعليه أن يأتي اليها راكبا ولو باجرة لانها فرض الوقت وقد خص الله تعالى هذه الصلاة أعني صلاة الجمعة بخصائص تدل على أهميتها والعناية بها فمن ذلك الغسل لها قال النبي صلى الله عليه وسلم ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )أي على كل بالغ وقال( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل ودخل عثمان بن عفان ذات جمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس فعرض به وقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين ما ذدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم اقبلت فقال عمر والوضوء أيضا أي لم تفعل الا الوضوء ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل فوبخ عمر بن الخطاب وبخ عمر بن الخطاب وهو الخليفة الراشد عثمان بن عفان حين اقتصر على الوضوء ولم يغتسل وبخه علنا وهو على المنبر والناس يسمعون وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بأمر فالاصل وجوب هذا المأمور به علينا لأن الله حذر من مخالفته فقال ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ومن خصائص صلاة الجمعة مشروعية التطيب لها ولبس أحين الثياب ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ويركع ان بدا له ولم يؤذي أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى ) ومن خصائص هذه الصلاة الثواب الخاص في التبكير اليها ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة يعني مثل غسل الجنابة فمن رواح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا اقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فاذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر وفي رواية اذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من ابواب المسجد ملائكة يكتبون الاول فالاول فاذا خرج الإمام أو جلس طووا صحفهم وجاءوا يستمعون الذكر هذه الساعات تختلف باختلاف الوقت ففي طول النهار تطول الساعات وفي قصر النهار تقصر الساعات أي أنك تقسم ما بين طلوع الشمس الى مجئ الامام الى خمسة أقسام قد تكون ساعة أو أكثر وقد تكون أقل والمهم أن تقسم هذه المدة على خمس ساعات ومن خصائص هذه الصلاة وجوب الحضور اليها على من تلزمه من الرجال البالغين العقلاء عند سماع الأذان لها لقول الله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ) فلا يجوز للانسان الذي تلزمه الجمعة أن يتشاغل بعد الاذان الثاني ببيع ولا شراء ولا تأجير ولا استئجار ولا رهن ولا ارتهان ولا غيرهما من العقود الواقعة ممن يلزمه الحضور حتى ولو كان في طريقه الى المسجد فاذا قدرنا أن رجلين أقبلا الى المسجد بعد الاذان الثاني وتبايعا شيئا ساعة أو قلما أو غيرهما فان البيع حرام وباطل لا ينتقل فيه الملك ملك السلعة الى المشتري ولا ملك الثمن الى البائع لان الله قال ( فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ) ومن خصائص هذه الصلاة أعني صلاة الجمعة وجوب تقدم خطبتين يتضمنان موعظة الناس بما تقتضيه الحاجة ووجب استماع هاتين الخطبتين على كل من يلزمه الحضور لقول النبي صلى الله عليه وسلم( إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة ) أي أنه يحرم من ثواب الجمعة وإن كان لا تلزمه الإعادة وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يكلم أحدا والإمام يخطب لا بسلام ابتداء ولا بسلام ردا ولا بتشميت عاطس حمد الله ولا بغير ذلك من الكلام الا من كلم الخطيب او كلمه الخطيب لحاجة أو مصلحة فان ذلك جائز لوقوع ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاذا قال قائل اذا كنت قد توجهت الى مسجد ما ومررت بمسجد آخر يخطب فهل يلزمني الإنصات فالجواب لا يلزمك الانصات لان الإنصات إنما يلزمك لخطبة الإمام الذي تريد أن تصلي معه الجمعة ومن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تصلى في السفر أي أن المسافرين لا يقيموا صلاة الجمعة ولكن اذا مروا ببلد واقيمت الجمعة فانه يلزمهم الحضور مع الناس ليصلوا الجمعة ومن خصائص هذه الصلاة أعني صلاة الجمعة أنها لا تجمع مع العصر ولا تجمع العصر اليها لانها صلاة مستقلة منفردة بأحكام خاصة ولأن الجمع الذي جاءت به السنة انما هو بين الظهر والعصر لا بين العصر والجمعة ولا يصح قياس الجمعة على الظهر لان أحكامهما متباينة تباينا كثيرا في كثير من المسائل ومن خصائص الجمعة أي من خصائص صلاة الجمعة أنها لا تقام في أكثر من موضع من البلد الا لحاجة بخلاف غيرها من الصلوات فانها تقام في كل حي وذلك لأن تعدد الجمع لم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين بل كان الناس يأتون من العوالي ونحوها لصلاة الجمعة قيل للإمام احمد بن حنبل أيجمع جمعتان في مصر قال لا أعلم أحدا فعله هكذا قال الإمام أحمد وهو من أعلم الناس بالسنة وقال ابن المنذر لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين الا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قال وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات وأنها لا تصلى الا في مكان واحد وقد ذكر الخطيب في تاريخ بعداد أن أول جمعة أحدثت في الاسلام في بلد مع قيام الجمعة القديمة كان في أيام المعتضد سنة ثمانين ومائتين أي في القرن الثالث الهجري وذلك أي كونها لا تقام في أكثر من موضع من البلد الا لحاجة لان تعدد الجمع تفوت به مصلحة المسلمين باجتماعهم على هذه الصلاة في مكان واحد على إمام واحد ويصدرون عن موعظة واحدة يكون في ذلك عز واعتزاز برؤية بعضهم بعضا بهذه الكثرة اما تمزيق المسلمين بكثرة الجمع فهو خلاف ما كان لعيه السلف الصالح وخلاف ما يهدف اليه الشرع المطهر ومن خصائص الجمعة أنه يقرا بعد الفاتحة سورة الجمعة في الركعة الاولى كاملة وسورة المنافقين كاملة في الركعة الثانية أو سورة سبح في الركعة الأولى وسورة الغاشية في الركعة الثانية كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن الخصائص الشرعية ليوم الجمعة أنه تسن القراءة في فجرها بسورة الم تنزيل السجدة كاملة في الركعة الأولى وسورة هل أتى على الانسان كاملة في الركعة الثانية . وقد سمعت بعض الائمة في هذا اليوم يقرأ في صلاة الفجر بسورة الجمعة في الركعة الأولى وخفي علي ماذا قرأه في الركعة الثانية لانه هداه الله رفع القراءة في ميكرفون المنارة فصار بذلك يشوش على من حوله فاذا كانت قراءته بهذه السورة أعني بسورة الجمعة يريد بذلك السنة فإنه مبتدع وذلك لأنه لا يسن للإنسان أن يتقصد قراءة سورة الجمعة في الفجر إنما يسن ذلك في نفس صلاة الجمعة ومن الخصائص لهذا اليوم الا تخصص ليلته بقيام ولا يومه بصيام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يصومن أحدكم يوم الجمعة الا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده ودخل على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة فقال لها أصمت أمس قالت لا قال فتريدين أن تصومي غدا قالت لا قال فافطري ولكن إن صام يوم الجمعة من غير تخصيص كالذي يصوم يوما ويفطر يوما فيصادف صومه يوم الجمعة أو صادف يوم الجمعة يوم عرفة أو يوم عاشوراء فانه لا باس بإفراده لقول النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة حين نهى عن صومه الا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ومن الخصائص لهذا اليوم أنه تسن فيه قراءة سورة الكهف سواء كان ذلك قبل صلاة الجمعة أم بعدها لورود أحاديث تدل على فضل ذلك ومن خصائصه الشرعية أنه ينبغي فيه كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم (أكثروا علي من الصلاة فيه فان صلاتكم معروضة علي) اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك رسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد أيها المسلمون إن يومكم هذا يوم عظيم فعظموه كثير الخيرات فاغتنموه فضلكم الله به على غيركم فاشكروه فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للفقه في الدين والعمل بطاعته على سيرة سيد المرسلين وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين . الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فيا عباد الله إن الناس اليوم مقبلون على موسم بيع الخضار وإن بعض البائعين هدانا الله وإياهم يخفون المعيب ويبدون الطيب وهذا غش محرم عليهم وهذا العمل من كبائر الذنوب لان النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله( مر النبي صلى الله عليه وسلم بطعام أسفله مبلول من المطر فادخل صلى الله عليه وسلم يده في الطعام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الطعام ما هذا قال أصابته السماء أي أصابه المطر قال: فهلا جعلته فوق من غش فليس منا) على هذا فلا يحل لبائع الخضر أن يجعلوا الطيب فوق والردئ فوق بل عليهم أن يميزوا هذا وهذا والأحوال في هذه المسألة ثلاث الحال الأولى أن يجعل الرديء هو الأسفل والطيب هو الأعلى والحال الثانية أن يجعل الطيب هو الأسفل والردئ هو الأعلى والثالثة أن يميز كل واحد بإناء عن الآخر أما الحال الأولى وهي أن يجعل الطيب هو الأسفل والردئ هو الأعلى وهو من كبائر الذنوب وكبائر الذنوب لا تغفر لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الصدقة لا تغفر الا بتوبة ورجوع لله عز وجل إلا أن يشاء الله تعالى الحال الثانية أن يجعل الردئ هو الأعلى والطيب هو الأسفل وهذه لا أعتقد أن أحدا من الناس يفعلها لان ذلك ضرر عليه الحال الثالثة حال العدل والاستقامة وهي أن يجعل الردئ في إناء والطيب في إناء آخر حتى يكون الناس المشترون على بصيرة من شاء اشترى من هذا ومن شاء اشترى من هذا فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم اتقوا الله تعالى وأنكم إن أردتم الرزق فالرزق في تقوى الله يقول الله عز وجل (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الله وأجملوا في الطلب ) فاطلبوا الرزق طلبا جميلا حتى تكونوا من المتقين الذين يحبون للناس ما يحبون لأنفسهم وفقنا الله وإياكم جميعا لفعل الخيرات وترك المنكرات.. تنبيه في الجمعة الماضية تكلمنا عن الغش وبينا أنه من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من الغاش فقال (من غشنا فليس منا ) وذكرنا أن من الناس من يغش فيجعل الطيب من الطعام أو من الفواكه أو غيرها يجعله في أعلى الإناء ويجعل الردئ في أسفله وقلنا إن هذا من كبائر الذنوب وأن الإنسان إذا كسب على هذا الوجه شيئا من المال فإنه يأكله سحتا وكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به وإنه إذا أخذ شيئا من أموال الناس بهذه الطريق فإنه يكون ظالما لهم في أموالهم وسيأخذون منه ذلك يوم القيامة ليسوا يأخذونه دراهم ولا دنانير لأنه لا درهم هناك ولا دينار ولكنهم يأخذون من أعماله الصالحة فإن بقي من أعماله الصالحة شئ والا أخذ من سيئاتهم وطرح عليه ثم طرح في النار هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ظلم الناس وبينا أن الإنسان إذا كان عنده طيب وردئ فإما أن يجعل الطيب فوق والردئ تحت فهذا غش وإذا جعل الردئ فوق والطيب تحت فليس بغش لكنه هضم لحق نفسه لأنه سوف ينقص ثمن الشئ إذا رآه الناس رديئا حسب ما كان في أعلاه ثم إنه ربما ينسب هذا الرجل إلى الرياء حيث جعل الردئ فوق والطيب تحت ولكن العدل كل العدل أن يجعل الردئ في إناء واحد مستقل وأن يجعل الطيب في إناء واحد مستقل حتى يكون المشتري على بصيرة هناك قسم رابع وهو أن يكون الطيب والردئ والطيب مختلطا بحيث يكون طيبا ورديئا مختلطا والناس يشاهدونه فهذا أرجو الا يكون به بأس إذن فالأحوال أربع الحال الأولى أن يجعل الطيب فوق والأسفل تحت الحال الثانية أن يجعل الردئ هو الأعلى والطيب هو الأسفل الحال الثالثة أن يجعل كل واحد في إناء والحال الرابعة أن يخلطهما جميعا ويرى الطيب والردئ سواء ولكل حال من هذه الأحوال حكمها المعروف ولكن علينا أن نستعين الله عز وجل باتقاء ما يكون ضررا علينا في ديننا ودنيانا واعلموا أن من كسب كسبا محرما بأي وسيلة كان فانه كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إما أو ينفقه فلا يبارك له فيه وإما أن يتصدق به فلا يقبل منه وإما أن يخلفه بعده فيكون زاده إلى النار إذا فإن من كسب شيئا محرما فإنه لن يسلم من غائلته بل هو على كل حال خاسر جعل الله لنا ولكم رزقا طيبا مباركا وعملا صالحا متقبلا إنه على كل شئ قدير واعلموا عباد الله أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلى الله عليه وعلى آله سلم وترضوا عن أصحابه وخلفائه الراشدين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدانا وانصرنا على القوم الكافرين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .