الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فاتخاذ السترة من السنن التي يحرص عليها كثير من المصلين غير أن البعض قد يخطئ في كيفية تطبيقها، فتجد الواحد منهم عند سجوده يلتصق بالسترة أو قريبا من الالتصاق.
فقد جاء عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته)).
رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في ((المستدرك)) والطحاوي في ((المشكل)) وصححه الإمام الألباني.
قال العيني ((شرح أبي داود)): ((قوله: ((فليدن منها))، أي: فليقرب من السترة)).
وهذا القرب لا يزيد عن ثلاثة أذرع.
أخرج البخاري عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع صلى يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه).
قال العلامة فركوس حفظه الله: ((والذراعُ مقياسٌ، أَشْهَرُ أنواعِه: الذراعُ الهاشمية، وهي تُمَثِّل: اثنين وثلاثين إِصبعًا، أي: ما يساوي أربعةً وستِّين سنتمترًا)) اهـ.
وعلى هذا يكون ثلاثة أذرع تساوي متر واثنين وتسعين سنتيمترا (192)؛ أي: مترين تقريبا.
والبعض قدر الذراع بنصف المتر، وعليه ثلاثة اذرع تساوي متر ونصف.
وفي الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة).
ممر شاة قدر بشبر أو شبرين على أكثر تقدير، وقدره البعض نصف ذراع تقريبًا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((قال ابن بطال: هذا أقل ما يكون بين المصلي وسترته يعني قدر ممر الشاة وقيل أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع كما سيأتي قريبا بعد خمسة أبواب وجمع الداودي بأن أقله ممر الشاة وأكثره ثلاثة أذرع وجمع بعضهم بأن الأول في حال القيام والقعود والثاني في حال الركوع والسجود، وقال ابن الصلاح قدروا ممر الشاة بثلاثة أذرع قلت ولا يخفى ما فيه وقال البغوي استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود وكذلك بين الصفوف وقد ورد الأمر بالدنو منها وفيه بيان الحكمة في ذلك وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعا إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)): ((ولو جمع بين حديث سهل وابن عمر فأخذ بحديث ابن عمر في النافلة وحديث سهل في الفريضة لكان له وجه ؛ فإن صلاة النبي في الكعبة كانت تطوعا ، وسهل إنما أخبر عن مقام النبي في مسجده الذي كان يصلي فيه بالناس الفرائض)) اهـ.
وقال الإمام الألباني رحمه الله في ((تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم)): ((وكان بين موضع سجوده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والجدار الذي يصلي إليه نحو ممر شاة، فمن فعل ذلك فقد أتى بالدنو الواجب)) اهـ.
هذه أربعة أقوال أهل العلم في المسألة، وما يفعله بعض المصلين من إلصاق رؤؤسهم وقريبا من الالصاق للسترة فهذا خطأ لم أجد له قائلا، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
الذي يترجح من هذا الأقوال ما اختاره العلامة الألباني رحمه الله، أن ما بين موضع السجود والسترة ممر شاة، والذي قدره البعض بنصف ذراع على أقل تقدير، وهو يساوي تقريبا خمسة وعشرين سنتيمترا، وبهذا على من اتخذ سترة أن يقف على بعد مترين تقريبا منها وأن يكون ما بين سجوده والسترة قرابة خمسة وعشرين سنتيمترا.
هذا والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الاثنين 15 صفر سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 6 نوفمبر سنة 2017 ف