هل رأى محمد ربه
ليلة المعراج؟ أما سماعه كلامه فهذا لا إشكال فيه، سمع كلام الله من دون واسطة، كما سمع موسى كلام الله من دون واسطة، ولهذا موسى يسمى كليم الله، لأنه سمع كلام الله من دون واسطة، وشاركه نبينا في التكليم فسمع كلام الله من دون واسطة، وإبراهيم خليل الرحمن وشاركه نبينا في الخلة فيسمى أيضا خليل الرحمن،
فالخليلان إبراهيم ومحمد، وكذلك الكليمان موسى ومحمد، بقي الرؤيا بعين الرأس هل رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربه بعين رأسه؟
الصواب أنه لم ير ربه بعيني رأسه وإنما رآه فؤاده.
ومن الأدلة على ذلك: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل هل رأيت ربك قال:
نور أنى أراه يعني: كيف أراه والنور حجاب يمنعني من رؤيته.
والدليل الثاني: حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، حجابه النور -وفي لفظ النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه يعني: أن الله تعالى يحتجب عن خلقه بالنور، لو كشف هذا الحجاب لاحترق الخلق كلهم، ومنهم محمد أليس من خلقه؟ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ومحمد من خلقه؛ ولأن البشر لا يستطيعون أن يثبتوا لرؤية الله ولا يستطيع أن يثبتوا لتجلي الله في الدنيا، بدليل أن موسى لما سمع كلام الله في الدنيا طمع في رؤيته وقال: رب سمعت كلامك أرني
رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال الله لموسى:
لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فلما تجلى الله للجبل ماذا حصل؟ اندك تدكدك وانساخ
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا صعق وغشي عليه
فَلَمَّا أَفَاقَ من غشيته
قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ إنه لا يراك في الدنيا أحد إلا مات ولا جبل إلا تدهده، فلا يستطيع أحد أن يثبت لرؤية الله في الدنيا، لكن في يوم القيامة ينشأ الناس تنشئة قوية يثبتون فيها لرؤية الله فيراه المؤمنون، ولأن رؤية الله نعيم، نعيم ادخره الله لأهل الجنة، ليس لأهل الدنيا، بل أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤيتهم لربهم -عز وجل- فإذا كشف الحجاب -سبحانه وتعالى- ورآه المؤمنون نسوا ما هم فيه من النعيم من عظمه وهو الزيادة التي قال الله:
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ .
الصواب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بعيني فؤاده يعني يعطى زيادة أعطاه الله زيادة علم لفؤاده، ومن العلماء من قال: جعل الله له عينين لفؤاده، وأما قول بعض العلماء: التكليم لموسى، والخلة لإبراهيم، والرؤية لمحمد، فهذا ليس بصحيح،
بل التكليم لموسى ولمحمد، والخلة لإبراهيم ولمحمد، والرؤية ليست لأحد هذا هو الصواب
المصدر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل شرح الشيخ عبد العزيز الراجحي