عرض مشاركة واحدة
طالب العلم غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 19 )  أعطي طالب العلم مخالفة
طالب العلم
مشرف الأدآب الشرعية

رقم العضوية : 268
تاريخ التسجيل : Oct 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,870 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
افتراضي

كُتب : [ 07-13-2015 - 11:41 AM ]

{أَسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)} [محمد: الآيات 25 - 28] فَدَلَّتْ آيَةُ القِتَالِ هذه على أنها عامة في كل مَنْ كَرِهَ رضْوَان الله وأحَبَّ سخط الله، فَكُلّ مَنِ اتَّبَعَ ما يسخط الله يأتيه هذا الوعيد الشديد
جرت العادة في لسان العرب الذي نزل به القرآن أن يُضاف جميع الأعمال إلى الأيدي وإن كان بعضها ليس بأيدي، فإن الشرك الذي يُعذبون عليه محله القلب واللسان واليد، والزنا محله الفرج، وأكل الربا محله البطن، ولكن كل هذا يُنسب إلى الأيدي على الأسلوب العربي المعْرُوف؛ لأنَّ أكْثَرَ ما يزاول الإنسان أعماله بيده فنسب إليه على التغليب ومراعاة الأغلب.
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55)} [الأنفال: الآية 55].
الدواب: جمع دابة، وقد جرت العادة في القرآن أن الآدميين لا يعبر عنهم بالدواب، لكنه هنا عبر عن هؤلاء الكفرة باسم الدواب، ليشير إلى أنهم كالأنعام بل هم أضل، كما قال: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان: الآية 44]
{الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ} وهم يهود بني قريظة ألا يحاربوك وألا يعاونوا عليك محارباً آخر {ثُمَّ} بعد هذا العهد المؤكد {يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ} قال بعض العلماء: (ثم) هنا للاستبعاد؛ لأنه يستَبعَد من العاقل الذي عنده عقله أن يجعل على نفسه العهود والمواثيق المؤكدة ثم ينقض ذلك؛ لأن هذا الفعل خسيس قبيح يستبعد من العقلاء. وقد تقرر في كلام العرب وفي القرآن أن لفظة (ثم) التي هي للانفصال والتراخي قد تأتي للاستبعاد، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: الآية 1] لأن من خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور يستبعد كل الاستبعاد أن يُجعل له عديل ونظير، ولذا قال: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} [الأنعام: الآية 1] أي: يجعلون له عدلاً ونظيراً. تقول: عَدَلْت به إذا جعلت له عدلاً ونظيراً، ومنه قول جرير:
أَثَعْلَبَة الفَوَارِس أو رِيَاحاً ... عَدَلْتُ بِهِمْ طُهيَّةَ والخِشَابَا
فـ (ثمَّ) للاستبعاد، ومن شواهد إتيان (ثم) للاستبعاد قول الشاعر :
وَلاَ يَكْشِفُ الغَمَّاءَ إِلاَّ ابْنُ حُرَّةٍ ... يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثمَّ يَزُورُهَا
لأن زيارة غمرات الموت بعد معاينتها من الأمور المستبعدة.
الصيغ الدالة على الأمر أربعاً: فعل الأمر، كقوله هنا: {وَأَعِدُّواْ} وكقوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ} [الإسراء: الآية 78] والفعل المضارع المجزوم بلام الأمر، كقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: الآية 29] واسم فعل الأمر، نحو: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ} [النساء: الآية 105] والمصدر النائب عن فعله، نحو: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: الآية 4] أي: فاضربوا رقابهم.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: الآية 36] وفي القراءة الأخرى: {أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فجعل أمر الله وأمر الرسول موجباً للامتثال قاطعاً للاختيار.
قال بعض العلماء: (النبي) على قراءة الجمهور ليس من النبأ الذي هو الخبر وإنما هو من (النَّبْوَة) بمعنى الارتفاع؛ لأن النبي يوحى إليه وحيٌ، وهو خبرٌ له شأن وخطب؛ ولأن له مكانة رفيعة، والشيء المرتفع تسمّيه العرب (نبيّاً) والنّبْوة: الارتفاع، ومنه قيل لكثيب الرمل: (نبي) أي: لأنه مرتفع، وهو معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
إِلَى السَّيِّدِ الصَّعْبِ لَوْ أَنَّهُ ... يَقُومُ عَلَى ذرْوَةِ الصَّاقِبِ ...
لأَصْبَحَ رَتماً دُقاقُ الحَصَى ... مَكَانَ النَّبِيِّ مِنَ الكَاثِبِ
يعني بالنبي: كثيِب رمل مرتفع.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} [الأنفال: الآية 64]
مَنِ اتَّبَع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَفَاهُ الله كما كفى نبيّه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {مِّنَ الأَسْرَى} الأسرى جمع أسير، والأسير (فَعِيل) بمعنى (مَفعُول) وهو اسم المفعول من (أَسَره) العرب تقول: أسره يأسره أسراً، فالفاعل (آسر) والمفعول (مأسور): إذا شدّه بالوثاق، وأصل هذه المادة مأخوذة من الإيسار، والإيسار: القِدّ. والقِدّ: هو جلد البعير غير المدبوغ؛ لأن جلد البعير إذا لم يُدْبَغ تسمّيه العرب قِدّاً، وكانوا يشدّون الأسِيرَ بالجلد عند سَلْخِهِ طَرِيّاً، فإذا يَبس اشتدّت قوّته ولا يقدر أحد على حلّه ولا قطعه ولا نزعه، ومن هنا قيل لكل مشدود شدّاً محكماً: إنه مأسور. وأصله من (الإيسار) وهو الشدّ بالإسار، أعني القِدّ وهو جلد البعير إذا كان غير مدبوغ. ومن هذا المعنى قوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان: الآية 28] المراد بقوله: {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} أحْكَمْنَا شَدَّ العِظَامَ بَعْضَها إِلَى بَعْضٍ بِإِحْكَام وإِتْقَانٍ شَدِيدٍ كَمَا يُشَدُّ الشَّيْءُ شَدّاً قويّاً بالقِدّ فييبس عليه فيمسكه إمساكاً قويًّا. وهذا صار معنىً معروفاً في كلام العرب، مشهور في كلامهم، فكل شيء شددته شدّاً محكماً تقول العرب: أسرته. ومنه سُمّي الأسير، أي: لأنه يُشد بالإسار، وهو جلد البعير غير المدبوغ. وهذا معروف في كلامهم، ومنه: أسر مراكب النساء؛ لأن أعواده تُشدّ بالقدّ حتى يتحكّم بعضه مع بعض، ومنه قول حُمَيْدِ بن ثور الهلالي:
وما دخَلَتْ في الخَدْب حتى تَنَقَّضَتْ ... تآسير أعْلَى قِدّه وتحَطّمَا
وهذا معنى معروف في كلام العرب.
{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} الاستنصار طلب النصر، وقد تقرر في علم العربية: أن من معاني السين والتاء: الطلب. استغفر: طلب المغفرة، واستطعم: طلب الطعام، واستسقى: طلب السقيا، واستنصر: طلب النصر، {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ} أي: طَلَبُوا نَصْرَكُمْ في الدين.
قوله: {فِي الدِّينِ} يدل على أنهم لو استنصروهم نصر قَوْمِيَّة وعَصَبِيَّة أنهم ليس عليهم أن ينصروهم، وأن المناصرة إنما هي في الدين، فلا مناصرة في العصبيات، ولا في القوميات، ولا في الأراضي الفاسدة، وإنما المناصرة في الله، وفي دين الله (جل وعلا)؛ ولذا قال: {فِي الدِّينِ} والمراد بالدين: دين الإسلام كما قال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: الآية 19]
الأذان في لغة العرب: الإعلام. قال بعض العلماء: هو الإعلام المقترن بنداء؛ لأن اشتقاقه من الأذن، لأن النداء يقع في الآذان فيحصل بذلك الفهم والإعلام، ومنه الأذان للصلاة؛ لأنه إعلام بها بنداء. وكون الأذان بمعنى الإعلام معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الحارث بن حِلّزة:
آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ
يعني أَعْلَمَتْنَا بِبَيْنِهَا.
جرى على ألسنة العلماء أنهم يقولون: الحج في اللغة القصد. والحج في لغة العرب أخص من مطلق القصد؛ لأن الحج في اللغة لا يكاد تطلقه العرب إلا على قصد مُتَكَرِّر لأهمِّيَّة فِي المقْصُود. فَكُلّ حَجٍّ قَصْدٌ، ولَيْسَ كل قَصْدِ حَجّاً؛ لأن الحَجّ هو القَصْدُ المُتَكرر لأجل الأهمية الكائنة في المقصود. هذا المعنى معروف في كلام العرب، ومنه قول المخبَّل السعدي؛ حيث قال:
ألَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ أَسْعَدَ أَنَّمَا ... تَخَطَّّاني ريْبُ المَنُونِ الأَكْبَرَا
وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولاً كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَان المُزَعْفَرا
«سِبَّه» يعني به عمامته، أي: يقصدون عمامته -عبر بها عن شَخْصِهِ- قَصْداً كثيراً متكرراً لأهمية ما يرونه عنده من النوال، هذا أصل الحج.
ومعروف أن الحج في اصْطِلاَح الشَّرْعِ: هو الأفعال والأقوال التي تُقَالُ في المنسك المعروف.
{فَإِن تُبْتُمْ} عن ذنوبكم وكفركم وشرككم {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وصيغة التفضيل هنا ليست على بابها؛ لأن الكفر بالله لا خير فيه أصلاً، فلا معنى للتفضيل فيه {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي: ثَبَتُّمْ على كفركم وما أنتم عليه من الشرك.
«أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا»
يعني: إن صدرت منك سيئة فأتبعها بحسنة؛ لأن السيئة تُجعل في كفة الميزان سيئة واحدة؛ وتجعل الحسنة في الكفة الأخرى عشر حسنات فيثقل وزنها عليها



توقيع : طالب العلم
قال ابن القيم -رحمه الله-:
( من أشد عقوبات المعاصي أن ينزع الله من قلبك استقباحها )
رد مع اقتباس