– السَّحور :
” وهو بالفتح اسم ما يُتسحر به من الطعام والشراب ، وبالضم المصدر والفعل نفسه ، وأكثر ما يروى بالفتح، وقيل إن الصواب بالضم؛ لأنه بالفتح : الطعام ، والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام ” [1]
وهو سنة مؤكَّدةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الأمر به ، و التأكيد عليه ، فيما أخرجه الشيخان [2] عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تسّحروا فإن في السَّحور بركة )) ، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم الشعار الفاصل بين صيامنا و صيام أهل الكتاب فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكْلَةُ السَّحَرِ )) [3] .
و ورد في فضله أحاديث كثيرة ، مما يحثُّ المؤمن على لزوم هذه السُّنَّةِ في صيامه وعدم التفريط بها ، من ذلك :
- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله وملائكته يُصَلَّون على المتسحرين )) [4] .
- عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السَّحور في رمضان ، فقال : (( هَلُمَّ إلى الغداء المبارك )) [5] .
- عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحَّرُ فقال : (( إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوها )) [6] .
- عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( البركة في ثلاثة : في الجماعة ، و الثريد ، و السَّحُور )) [7] .
- ويتحقق السُّحور ولو بجرعة ماء ، و أفضله ما كان تمراً :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تسحَّروا ولو بجَرْعة ماء )) [8] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( نِعْمَ سَحُورُ المؤمن التمر )) [9]
وقت السَّحُور :
يبدأ وقتُه قُبيل الفجر بقليل ، وينتهي بتحقق طلوع الفجر . قال الله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [10]
وتفسير الآية بياض النهار وسواد الليل ، كما في حديث عدي بن حاتم : (( لما نزلت { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ } عَمَدْتُّ إلى عقال أسود وعقال أبيض ، فجعلتُهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي ، فغَدْتُ على رسول الله فذكرتُ له ذلك ، فقال : إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار )) [11]
ومعلوم أنَّ ( حتى ) تفيد انتهاء الغاية ، فمعنى الآية أنَّ الله جعل لإباحة الأكل و الشرب غاية ينتهي ويحرم عندها وهي : تحقق طلوع الفجر وذلك بتبيّن بياضه من سواده .
السُّنَّةُ في تأخير السحور :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّا معشَرَ الأنبياء أُمِرْنا بتعجيل فِطرِنا ، و تأخير سَحورِنا ، و أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة )) [12] .
وعن أنس عن زيد بن ثابت قال : (( تسَّحْرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة ، قلت : كم كان بين الأذان و السّحور ؟ قال : قدر خمسين آية )) [13] .
و أخرج الهيثمي وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال : ( كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسْرَعَ الناس إفطاراً ، و أبطأَهم سَحوراً ) [14]
2- تعجيل الفطر :
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يزال الناس بخير ما عَجَّلوا الفطر )) [15]
وقد بوَّب عليه الحافظ ابن خزيمة في صحيحه [16] بقوله : ( باب : ذكر دوام الناس على الخير ما عجّلوا الفطر ، وفيه كالدلالة على أنهم إذا أخّروا الفِطْرَ وقعوا في الشَّرِّ ) انتهى .
و قال – رحمه الله – أيضاً [17] : ( باب : ذكر استحسان سنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ما لم ينتظر بالفطر قبل طلوع النجوم ) ثم ساق – رحمه الله – بإسناده حديثاً عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم )) قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان صائماً ، أمرَ رجلاً فأوْفى على شيء ، فإذا قال غابت الشمس أفطر .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يزال الدين ظاهراً ما عَجَّلَ الناسُ الفِطْرَ ؛ لأن اليهود و النصارى يؤخّرون )) [18] .
3 – الفِطْرُ على رُطَبات قبل الصلاة :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء )) [19] .
4 – الدعاء عند الفطر :
عن مروان بن سالم المقفع قال : رأيتُ ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكفِّ وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : (( ذهب الظمأ و ابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله )) [20] .
5 – الجود و الإنفاق و بذل الخير ومدارسة القرآن اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجودَ ما يكون في رمضان ، حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة )) [21] .
6 – الاجتهاد في العبادة ، وخصوصاً في العشر الأواخر :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ العشر شَدَّ مئزره ، و أحيا ليله ، و أيقظ أهله )) [22] .
قال الحافظ ابن حجر [23] : ( قوله : شد مئزره : أي اعتزل النساء ) وقال : ( قال الخطابي : يحتمل أن يريد به الجد في العبادة كما يقال : شددت لهذا مئزري أي : تشمّرت له ، ويحتمل أنه يريد التشمير و الاعتزال معاً .. )
و عن عائشة رضي الله عنها : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره )) [24] .
7 – ومن آداب الصيام الواجبة اجتناب اللغو و الرفث و قول الزور و الكذب وغيرها من آفات اللسان و معاصيه :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليس الصيام من الأكل و الشرب ، إنما الصيام من اللغو و الرفث ، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل : إني صائم ، إني صائم )) [25] .
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله تعالى : { كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي و أنا أجزي به ، والصيام جُنة ، و إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد فليقل إني أمرؤ صائم )) [26] .
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) [27] .
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و العطش ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السَّهَر )) [28]
وفي لفظ آخر له رضي الله عنه : (( رُبَّ صائم حَظُّهُ من صيامه الجوع و العطش )) [29] .
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تسابَّ وأنت صائم ، فإن سابَّك أحدٌ فقل : إني صائم ، و إن كنت قائماً فاجلس )) [30] .
8 – الترغيب في إطعام الصائم :
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من فَطَّر صائماً كان له مِثْلَ أجره ، غير أنه لا ينقُص من أجر الصائم شيء )) [31]
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من جَهَّزَ غازياً أو جَهَّزَ حاجاً أو خَلَفَهُ في أهله ، أو فطَّرَ صائماً ، كان له مثل أجورهم ، من غير أن ينقُص من أجورهم شيء ) [32] .
ويستحب لمن أفطر عند أخيه المسلم أن يدعو له بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعاء كقوله : (( أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، و أفطر عندكم الصائمون )) [33] .
أو قوله : (( اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني )) [34] .
أو قوله : (( اللهم اغفر لهم و ارحمهم ، وبارك لهم فيما رزقتهم )) [35] .
انتهى ببعض التصرف اليسير و الاختصار من [ الإلمام بأحكام الصيام و القيام ] للشيخ رائد المهداوي .
……………………………………….
[1] : النهاية في غريب الحديث و الأثر (3/347)
[2] : البخاري (1923) و مسلم (1095)
[3] : أخرجه مسلم (1096)
[4] : رواه الطبراني في الأوسط ، وابن حبان في صحيحه وهو في صحيح الترغيب و الترهيب (1066) .
[5] : رواه أبو داود ، و النسائي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، وهو في صحيح الترغيب و الترهيب (1067) .
[6] : رواه النسائي و هو في صحيح الترغيب و الترهيب (1069) .
[7] : أخرجه الطبراني في الكبير وهو في صحيح الترغيب و الترهيب (1065) .
[8] : أخرجه ابن حبان في صحيحه و هو في صحيح الترغيب و الترهيب (1071)
[9] : رواه أبو داود وابن حبان وانظر صحيح الترغيب و الترهيب (1072)
[10] : البقرة (187) .
[11] : أخرجه البخاري (1916) و مسلم (1090) .
[12] : أخرجه ابن حبان في صحيحه و غيره وهو حديث حديث صحيح وانظر السلسلة الصحيحة (4/376) .
[13] : أخرجه البخاري (1921) ومسلم (1097) .
[14] : مجمع الزوائد (3/154) .
[15] : أخرجه البخاري (1957) ومسلم (1098) وابن خزيمة (2059) .
[16] : ( 3 / 274 / حديث 2059 ) .
[17] : صحيح ابن خزيمة ( 3 / 275 / حديث 2061 ) . وقوله : وكان النبي …. مدرج في الحديث من كلام الثوري أو أبي حازم كما قال الحافظ ابن خزيمة عقبه . وقال الشيخ الألباني في تعليقه على ابن خزيمة : ( إسناده صحيح ، و أخرجه ابن حبان (891) من طريق المصنف دون الزيادة المدرجة ) انتهى .
[18] : صحيح سنن أبي داود (2063) وقال : إسناده حسن .
[19] : أخرجه أحمد و أبو داود و الحاكم وغيره وإسناده حسن وانظر إرواء الغليل (922) .
[20] : أخرجه أبو داود و الحاكم و غيرهما و حسنه الألباني في إرواء الغليل (920)
[21] : أخرجه البخاري (3220) ومسلم (2308) .
[22] : أخرجه البخاري (2024) ومسلم (1174) .
[23] : فتح الباري (4/384) .
[24] : رواه مسلم (1175) .
[25] : أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1996) و الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم و وافقه الذهبي ، وقال الألباني في تعليقه على ابن خزيمة : إسناده صحيح .
[26] : أخرجه البخاري (1904) ومسلم (1151) .
[27] : أخرجه البخاري (1903) .
[28] : أخرجه ابن ماجه (1690) وغيره وهو في صحيح الترغيب و الترهيب (1083) .
[29] : أخرجه أحمد [2/441] بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه .
[30] : أخرجه ابن خزيمة (1994) وابن حبان وهو في صحيح الترغيب و الترهيب (1082) .
[31] : أخرجه الترمذي و النسائي و ابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان و قال الترمذي : حسن صحيح وهو في صحيح الترغيب و الترهيب (1078) .
[32] : أخرجه ابن خزيمة و النسائي في الكبرى و انظر صحيح الترغيب و الترهيب (1078) .
[33] : رواه أحمد (3/118) وغيره و سنده صحيح .
[34] : رواه مسلم (2055) عن المقداد رضي الله عنه .
[35] : رواه مسلم (2042) عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه .
منقول