فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ، وبعد : ومن السنة ومن حق الأخ على أخيه المسلم إبرار قسمه إذا أقسمه عليه ، فعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، قال : ( أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع : أمرنا بعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، وإبرار القسم أو المقسِم ، ونصر المظلوم ، وإجابة الداعي ، وإفشاء السلام ) .
وإن كرر الأيمان قبل التكفير على فعل واحد موجبها واحد ثم حنث فيها ، فعليه كفارة واحدة . وكذا لو حلف يمينًا واحدة على عدة أشياء ؛ كما لو قال : والله لا آكل ولا أشرب ولا ألبس ، ثم حنث في أحد من هذه الأشياء فعليه كفارة واحدة وانحلت البقية ، لأنها يمين واحدة . أما إذا حلف عدة أيمان على عدة أفعال ثم حنث فيها ، فعليه كفارة لكل يمين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( من كرر أيمانا قبل التكفير ؛ فروايات ثالثها - وهو الصحيح - : إن كانت على فعل فكفارة وإلا فكفارات ) . انتهى .
وإن حلف لا يفعل شيئًا ففعله ناسيًا ، أو مكرهًا ، أو جاهلاً أنه المحلوف عليه لم يحنث ، ولم تجب عليه كفارة ، لقوله تعالى : ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ ، ولأن فعل المكره غير منسوب إليه ، وقد رفع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( إذا حلف على إنسان قاصدًا إكرامه لا يحنث مطلقًا إلا إذا كان قاصدًا إلزامه فإنه يحنث ... ) . انتهى .
تنبيه : يقول الله - تعالى - بعدما ذكر كفارة اليمين : ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ ، فأمر - سبحانه - بحفظ الأيمان ، ومعناه عدم المسارعة إلى اليمين ، أو المسارعة إلى الحنث فيها ، أو أنها لا تترك بدون كفارة ، وعلى كل ففي الآية الكريمة الأمر باحترام اليمين وعدم الاستهانة بها .
ومما يجب التنبيه عليه : أن بعض الناس إذا حلف يحتال على مخالفة اليمين ويظن أنه بهذه الحيلة يسلم من تبعة اليمين .
وقد نبه الإمام ابن القيم - رحمه الله - على ذلك بقوله : ( ومن الحيل الباطلة : لو حلف لا يأكل هذا الرغيف ، أو لا يسكن في الدار هذه السنة ، أو لا يأكل هذا الطعام ، قالوا : يأكل الرغيف ويدع منه لقمة واحدة ، ويسكن السنة كلها إلا يومًا واحدًا ، ويأكل الطعام كله إلا القدر اليسير منه ولو أنه لقمة ، وهذه حيلة باطلة باردة ، ومتى فعل ذلك فقد أتى بحقيقة الحنث ، وفعل نفس ما حلف عليه ، ثم يلزم هذا المتحيِّل أن يجوِّز للمكلف كل ما نهى الشارع عن جملته ، فيفعله إلا القدر اليسير منه ؛ فإن البر والحنث في الأيمان نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي ، ولذلك لا يبرأ إلا بفعل المحلوف عليه جميعه لا بفعل بعضه كما لا يكون مطيعًا إلا بفعله جميعه ، ويحنث بفعل بعضه كما يعصي بفعل بعضه ) . انتهى .
ومن الناس من يحلف على عدم فعل شيء ثم يوكل من يفعله بدلاً عنه ، وهذا من الحيل التي لا تبرئ ذمته من تبعة اليمين إلا إذا كان قاصدًا عدم مباشرة فعل الشيء بنفسه فله ما نوي .
وعلى كل حال ؛ فشأن الأيمان شأن عظيم ، لا يجوز التساهل به ، ولا الاحتيال للتخلص من حكمه .