شرح ألفية ابن مالك [2]
الكلام عند النحويين هو ما ركب من كلمتين فأكثر حقيقة أو حكماً، وهم يقسمون الكلام إلى اسم وفعل وحرف، فلا يخرج لفظ عربي عن هذه الثلاثة، وكل قسم منها له علامات يعرف بها.
الكلام وما يتألف منه
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كلامنا لفظ مفيد كاستقم واسم وفعل ثم حرف الكلم واحده كلمة والقول عم وكلمة بها كلام قد يؤم] ......
تعريف الكلام عند النحاة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الكلام وما يتألف منه] هذه ترجمة، وأصلها: هذا باب الكلام وما يتألف منه، ففيها محذوفان: المحذوف الأول: المبتدأ، والثاني: الخبر الذي هو المضاف، حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار: الكلام وما يتألف منه. أي: ما يجتمع منه الكلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كلامنا لفظ مفيد كاستقم] قوله: (كلامنا): ابن مالك رحمه الله من أئمة النحو، فإذا قال: (كلامنا) وأضاف الكلام إلى نفسه ومن كان على شاكلته صار المراد: (كلامنا نحن النحويين) احترازاً من الكلام في اللغة؛ لأن الكلام في اللغة أعم مما قاله رحمه الله. الكلام في اللغة يطلق على ما تكلم به الإنسان من مفيد وغير مفيد؛ أما عند النحويين فهو كما سيأتي: لفظ مفيد. لفظ: وهو ما ينطق به اللسان. فخرج بهذا القيد الكتابة والإشارة والعلامات التي تفيد، والعقد بالأصابع، فإنها تفيد ما يفيده الكلام وليست كلاماً، وكذلك النصب. الإشارة مثل أن أشير لشخص أن يذهب. والكتابة معروفة، فالكتابة تفيد ما يفيده الكلام لكنها ليست لفظاً. والعقد: في حديث صفة الصلاة أنه عقد في التشهد ثلاثاً وخمسين، يعني أن العرب تعقد بأصابعها عقوداً تدل على عدد معين. وهذا أيضاً مفيد لاشك ويقوم مقام الكلام؛ لكنه ليس لفظاً فلا يكون كلاماً عند النحويين. والنصب: العلامات، مثل علامات الطريق، بأن توضع علامات في الطريق من أحجار أو أخشاب منصوبة أو غيرها بدون أن يكتب عليها شيء، وكأنها تقول لك: الطريق من هنا، فهي قائمة مقام النطق لكنها ليست لفظاً فلا تكون كلاماً. إذاً خرج بكلمة (لفظ) أربعة أشياء.
أعلى الصفحة
اشتراط الفائدة في تعريف الكلام
وقوله: (مفيد) ما معنى الفائدة؟ يقولون: هي أن يفيد الكلام فائدة يحسن السكوت عليها من قبل المتكلم ومن قبل المخاطب، بمعنى أن المخاطب لا يترقب شيئاً سوى ذلك. فإذا قلت: أذن المؤذن، تمت الجملة، فلا تترقب شيئاً آخر. إذاً هو لفظ مفيد. وإذا قلت: (إن أذن المؤذن) فهنا لا يحسن أن تسكت، لأن المخاطب يترقب شيئاً يستفيد به، لأنك علقته بهذا الشرط، وسيكون في ذهنه كل الاحتمالات: إن أذن المؤذن قامت القيامة، إن أذن المؤذن خرج من المسجد، إن أذن المؤذن صار كذا وكذا. إذاً: هل أفدته بهذا؟ والكلام هنا لما زاد نقص، فقد كان قولنا: (أذن المؤذن) تامّاً، فلما زدنا (إن) نقص، ويلغز بها فيقال: ما شيء إذا زدته نقص؟ نقول: هو الكلام المفيد إذا دخلت عليه أداة الشرط جعلته ناقصاً غير مفيد. وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (كلامنا لفظ مفيد) لم يذكر أن تكون الفائدة جديدة أو غير جديدة، بل أطلق. فإذا كان مفيداً فسواء كانت الفائدة جديدة أو معلومة من قبل فإنه يكون كلاماً عند النحويين، فإذا قلت: السماء فوقنا، فهذا كلام؛ لأنه أفاد. ويرى بعض النحويين أنه إذا لم يأت بفائدة جديدة فإنه ليس بكلام، ولكن الصحيح بلا شك أنه كلام، صحيح أن المخاطب لم يحصل الفائدة المطلوبة؛ لكنه كلام لو خاطبت به من لا يعلم لاستفاد فائدة جديدة. وقوله: (كاستقم) الكاف هنا للتمثيل، يعني: مثاله استقم. استقم: هذا لفظ مفيد؛ لكن كيف أفاد وهو كلمة واحدة؟ نقول: هو كلمة واحدة لكن في ضمنها كلمة أخرى؛ لأن قولك (استقم) أي أنت، ففيها ضمير مستتر وجوباً فهو في حكم الظاهر، وعليه فلا يحتاج أن يكون الكلام مركباً من كلمتين فأكثر تركيباً محسوساً، بل إذا ركب ولو تركيباً تقديرياً فإنه يعتبر كلاماً. إذاً يشترط في الكلام أن يكون لفظاً، وخرج به أربعة أشياء: الإشارة، والكتابة، والعلامات، والعقد. مفيداً: خرج به ما لا يفيد فإنه لا يسمى كلاماً. والمراد بالفائدة ما يحسن السكوت عليها، سواء كانت متجددة أو غير متجددة، فإذا قلت: ربنا الله فهو كلام؛ لأنه مفيد. نبينا محمد، كلام لأنه مفيد. النار حارة؛ كلام لأنه مفيد وإن كانت الفائدة معلومة. الماء جوهر سيال، كلام لأنه مفيد. وإذا قلت: (إن قام محمد؟) فليس بكلام؛ لأن المخاطب يترقب إذا قام محمد ماذا يكون؟
أعلى الصفحة
تعريف الكلم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واسم وفعل ثم حرف الكلم] الكلم سيأتي أن واحده كلمة، فالكلم جمع كلمة، والمراد به أن كلام الناس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف. فبدأ بالاسم لأنه أشرف الأقسام الثلاثة، ثم ثنى بالفعل وعطفه بالواو دون ثم، إما لضيق النظم وضرورة الشعر، وإما لأن الاسم والفعل ليس بينهما كما بين الاسم والفعل وبين الحرف. وأخر الحرف لقصوره؛ ولأنه لا يمكن أن يكون له معنى في نفسه، فمثلاً (من) حرف جر، لو تأتي بها وحدها ما استفدت منها شيئاً أبداً، لأنه لا يعرف معنى الحرف إلا بغيره. أما الفعل فيعرف معناه بنفسه وإن كان ليس كلاماً، فلو قلت: قام، استفدت معنى القيام. والاسم كذلك، فإذا قلت: (البيت) فله معنى معروف، لكن (من) وجميع الحروف لا يعرف معناها بنفسها، ولذا فالحرف متأخر رتبة. إذا قال قائل: ما هو الدليل على أن الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام؟ قلنا: التتبع والاستقراء، وذلك أن العلماء الذين اعتنوا باللغة العربية تتبعوا كلام العرب ووجدوه لا يخرج عن هذه الثلاثة: الاسم والفعل والحرف. فإن قال قائل: ما تقولون في أسماء الأفعال، مثل: مه وصه وما أشبهه؛ هل تجعلونها قسماً رابعاً أو تجعلونها من الأقسام الثلاثة؟ نقول: هي من الأقسام الثلاثة، ولهذا نقول: اسم فعل، مثل (صه) بمعنى اسكت، كما تقول (محمد) تسمي به شخصاً، فأنا سميت اسكت بكلمة (صه)، ولهذا نقول: (اسم فعل) يعني اسماً دالاً على فعل كما يدل العلم على الشخص. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واسم وفعل ثم حرف الكلم واحده كلمة]. يعني أن واحد الكلم الذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام كلمة، وعلى هذا فهو اسم جنس جمعي أو اسم جمع. واسم الجنس الجمعي هو الذي يفرق بينه وبين مفرده بالتاء، مثل شجرة وشجر، وبالياء مثل رومي وروم وإنس وإنسي.
أعلى الصفحة
تعريف القول
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والقول عم] كلمة (عم) تحتمل أن تكون فعلاً ماضياً، يعني أن القول عم الكلام والكلمة. وتحتمل أن تكون اسم تفضيل، أي أن القول أعم من الكلمة وأعم من الكلم. وتحتمل أن تكون اسم فاعل حذفت منه الألف تخفيفاً، والتقدير: والقول عام. ولكن أحسن التقديرات أن نجعلها فعلاً ماضياً؛ لأنا إذا جعلناها فعلاً ماضياً لم نحتج إلى شيء، أما إذا قلنا إنها اسم تفضيل فمعناه أنه حذف منها شيء، وهو الهمزة، وإن جعلناها اسم فاعل فقد حذف منها شيء وهو الألف، وإذا جعلناها فعلاً ماضياً لم يحذف منها شيء وحصل المقصود بذلك. إذاً القول يعم الكلام والكلمة، فالكلام وهو اللفظ المفيد يسمى قولاً، والكلمة تسمى قولاً. إذا قلنا: قام محمد. نسميه كلاماً ونسميه قولاً، ولا نسميه كلمة. وإذا قلنا: محمد. نسميه كلمة ونسميه قولاً، ولا نسميه كلاماً.
أعلى الصفحة
تعريف الكلمة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكلمة بها كلام قد يؤم] يؤم: بمعنى يقصد، يعني قد يراد بالكلمة الكلام. والمعنى أن الكلمة التي هي قول مفرد قد يراد بها الكلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا هو المراد بها في القرآن والسنة، يعني: كلما وجدت (كلمة) في القرآن أو في السنة فالمراد بها الكلام، وليس المراد بها القول المفرد. ومن ذلك قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:99-100] الكلمة هنا يعني بها: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ). وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) إذاً قول ابن مالك : (قد يؤم) نقول: إن (قد) هنا للتحقيق وليست للتقليل، ويجوز أن نجعلها للتقليل باعتبار اصطلاح النحويين؛ لأن النحويين لا يريدون بالكلمة الكلام، إنما يريدون بالكلمة القول المفرد، فيجعلون مثل (قام محمد) كلمتين. فعلى هذا نقول: إن (قد) في كلام ابن مالك إما للتحقيق وإما للتقليل، لكن للتحقيق باعتبار اللغة العربية، فإن اللغة العربية تعني بالكلمة الكلام، حتى لو كانت خطبة مؤلفة من ثلاث صفحات فهي في اللغة العربية كلمة. أو للتقليل بناء على اصطلاح النحويين؛ لأن الكلام في اصطلاح النحويين لابد أن يتركب من كلمتين فأكثر.
أعلى الصفحة
علامات الاسم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بالجر والتنوين والندا وأل ومسند للاسم تمييز حصل] يعني: حصل للاسم تمييز بهذه الأشياء الخمسة، يعني حصل له شيء يميزه عن الفعل والحرف،
وهو واحد من هذه الخمسة: الجر والتنوين والنداء وأل والإسناد. ومعنى كلام المؤلف أن كل كلمة مجرورة فهي اسم، وليس المعنى أن كل كلمة تجرها فهي اسم؛ لأنك لو قلت:
كل كلمة تجرها فهي اسم لجاء شخص وقال: أنا أجر (ضرب) وأقول: ضربي. لكن المعنى: كل كلمة مجرورة فهي اسم، فهي علامة تبين المعلوم، كما لو قلت:
العرب علامتهم لبس العمامة، يعني معناه أنهم يتميزون عن غيرهم بذلك، فكلما وجدنا شخصاً ذا عمامة فهو عربي، وكذلك كلما وجدنا كلمة مجرورة فهي اسم.
وقول المؤلف: (بالجر) يشمل الجر بالحرف، والجر بالإضافة، والجر بالتبعية، وقد اجتمعت في البسملة: (بسم الله الرحمن الرحيم) فكلمة اسم مجرورة بالحرف (الباء)،
ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة، ولفظ الرحمن مجرور بالتبعية. إذاً: الجر من علامات الاسم، فكل كلمة مجرورة فهي اسم، سواء جرت بالحرف، أو بالإضافة، أو بالتبعية.
قوله: (والتنوين): المعنى: كل كلمة منونة فهي اسم، فكلما وجدت كلمة منونة فاحكم بأنها اسم. والتنوين: نون ساكنة تلحق أواخر الكلم لفظاً لا خطاً، فمثلاً: زيدٌ فيها نون ساكنة،
لكنها غير مكتوبة. وقال معلمونا ونحن في أول الطلب: التنوين ضمتان أو فتحتان أو كسرتان، وهذا التعريف صحيح وواضح. لكن عند التعمق نقول:
إن الضمتين والفتحتين والكسرتين علامة على التنوين وليست هي التنوين. إذاً: كل كلمة فيها تنوين فهي اسم، واستثنى بعضهم تنوين الترنم والتنوين الغالي،
ولكن لا حاجة إلى التطويل، نقول: المراد التنوين الذي يكون به الصرف، فهذا هو الذي يكون علامة الاسم. قوله: (والندا): والنداء أيضاً من علامات الاسم، فكل كلمة مناداة فهي اسم.
ويمكن أن نقول: إن النداء علامة سواء كانت في التركيب أو في التقدير. إذاً: كل كلمة يصح أن تناديها فهي اسم، وكل كلمة مصدرة بيا النداء فهي اسم، مثل: يا رجل!
كذلك لو قلت: يا ضرب، تكون (ضرب) اسماً؛ لأننا ناديناها، وهذا يعني أن عندنا رجلاً اسمه ضرب. وهناك اسم (يزيد) وأصله فعل مضارع، و(شمر) وأصله فعل ماض.
إذاً: كل كلمة صح أن تنادى فهي اسم، وكل كلمة صدرت بالنداء فهي اسم. قوله: (وأل): أل أيضاً من علامات الأسماء، فكل كلمة فيها أل فهي اسم، مثل: المساجد، البيوت،
الإبل، الجبال، الشمس، القمر. وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الموصول أن من الأسماء الموصولة أل، وأنها ربما تكون صلتها فعلاً كقول الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل فلفظ (الترضى) فيه أل، وهي اسم موصول؛ فالمراد إذاً في قول المؤلف: (وأل) ما سوى أل الموصولية؛
لأن أل الموصولية قد توصل بالفعل. قوله: (ومسند) أي وإسناد، فهي مصدر ميمي وليست اسم مفعول. قال ابن هشام رحمه الله: وهذه العلامة -أعني الإسناد- أحسن العلامات؛
لأن من الأسماء ما لا يقبل إلا هذه العلامة. فكل ما يقبل العلامات الأربع السابقة يقبل هذه العلامة، وليس كل ما يقبل هذه العلامة يقبل العلامات السابقة، فهي إذاً أعم وأشمل،
فكل كلمة يصح أن تسند إليها شيئاً اسم. لو قال لك قائل: قمت، فالتاء اسم؛ لكنها لا تقبل العلامات السابقة، فهي لا تجر ولا تنون ولا تنادى ولا تحلى بأل. إذاً ما الذي دلنا على أنها اسم؟
إسناد القيام إليها، فالإسناد إذاً هو أنفع العلامات وأحسنها، لدخوله على جميع الأسماء. والخلاصة أن للأسماء خمس علامات كما ذكرها ابن مالك : الجر، والتنوين، والنداء، وأل،
والإسناد، وأشملها وأعمها الإسناد. ورد في القرآن: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [يس:26]، فدخلت يا النداء على (ليت) وليست باسم، لكنهم يقولون إن (يا) هنا ليست للنداء، ولكنها للتنبيه،
وعلى القول بأنها للنداء يكون المنادى محذوفاً والتقدير: يا رب ليت قومي يعلمون. الكاف في قول القائل مثلاً: إنك قائم، اسم؛ لأنه أسند إليه الخبر، والله أعلم. قوله تعالى:
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا [الإنسان:4]، عرفنا أن أغلالاً اسم بالتنوين، أي فالأصل أنها قابلة للتنوين لكن هنا مانع، مع أن هناك قراءة: (سلاسلاً وأغلالاً).
وإذا قلت: يا محمد؛ فالذي دل على اسميته النداء، لأنه ليس فيه أل، ولا تنوين ولا جر، ولا إسناد، وليس فيه إلا النداء. ......
علامات الفعل
ثم انتقل المؤلف رحمه الله تعالى إلى بيان علامات الفعل فقال: [بتا فعلت وأتت ويا افعلي ونون أقبلن فعل ينجلي] ذكر أربع علامات: قوله: (بتا فعلت) أي يتبين الفعل بتا فعلت،
يعني أن كل كلمة اتصلت بها تاء الفاعل فهي فعل، طيب. ومنها تا فعلتما، وتافعلتِ. إذاً تاء الفاعل من علامات الفعل. قوله: (وأتت) تاء أتت تاء تأنيث،
إذاً فتاء التأنيث من علامات الفعل، فكل كلمة اتصلت بها تاء التأنيث فهي فعل، وليست اسماً ولا حرفاً. قوله: (ويا افعلي) هذه ياء المخاطبة، يقول: افعلي،
يخاطب امرأة يأمرها أن تفعل، ومن ذلك قوله تعالى: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم:26] إذاً: ياء المخاطبة من علامات الفعل. قوله: (ونون أقبلن) وهي نون التوكيد،
فكل كلمة تقبل نون التوكيد فهي فعل. والمؤلف رحمه الله خلط هنا علامات الأفعال ولم يفصل؛ لكنه سيفصل! فتبين أن علامات الأفعال التي ذكرها ابن مالك أربع: تاء الفاعل،
وعبر عنها بقوله: (بتا فعلت)، وتاء التأنيث الساكنة، وعبر عنها بقوله: (وأتت)، وياء المخاطبة، وعبر عنها بقوله: (ويا افعلي)، ونون التوكيد، وعبر عنها بقوله: (ونون أقبلن). ......
علامات الحرف
ثم قال رحمه الله: [سواهما الحرف كهل وفي ولم] قوله: (سواهما): الضمير يعود على الاسم والفعل. والحرف: هو الذي لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، فإذا سئلنا: ما علامات الحرف؟ نقول: علامته أن لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، ولهذا قال الحريري في ملحة الإعراب: والحرف ما ليست له علامه فقس على قولي تكن علامه أي أن الحرف ليست له علامة، فهو لا يقبل علامات الفعل ولا علامات الاسم. فإذا قلت: قد قامت الصلاة، فـ(قد) حرف و(قام) فعل؛ لأنه قابل لتاء التأنيث الساكنة، و(الصلاة) اسم لأن فيها أل التعريفية. ......
تفصيل علامات الأفعال
......
علامة الفعل المضارع
ثم قال رحمه الله: [فعل مضارع يلي لم كيشم]. هنا شرع المؤلف في بيان العلامات الخاصة لكل نوع من أنواع الأفعال، وأنواع الأفعال الثلاثة: مضارع وماض وأمر. وعلامة الفعل المضارع الخاصة به (لم)، فكل كلمة تقبل لم فهي فعل مضارع. قوله: (فعل مضارع يلي لم كيشم). في إعراب هذا الشطر إشكال؛ لأنه قال: (فعل) فبدأ بالنكرة، والمعروف أن البداءة بالنكرة لا تصلح؛ لأن المبتدأ لابد أن يكون معرفة لأنه محكوم عليه، والنكرة لا يحكم عليها. والجواب: أن هذه نكرة وصفت، وإذا وصفت النكرة تخصصت. وهنا نسأل: لماذا سمي المضارع مضارعاً؟ قالوا: إن المضارعة هي المشابهة، والفعل المضارع يشبه اسم الفاعل في حركاته، فمثلاً: (قائم) يشبه في حركاته (يقوم)، كذلك (يستغفر) يشبه (مستغفر)، فقالوا: إنه يشبه الاسم فلهذا سموه مضارعاً. وقوله: (يلي لم كيشم) من الشم، وهو الحاسة المعروفة في الأنف، فإذا قلت: فلان يشم الريحان كانت (يشم) فعلاً مضارعاً. يقوم: فعل مضارع لأنه يجوز أن تدخل عليه (لم) تقول: لم يقم. يضرب: فعل مضارع، تقول: لم يضرب. يفعل: فعل مضارع، تقول: لم يفعل، قال الله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:24].
أعلى الصفحة
علامة الفعل الماضي
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وماضي الأفعال بالتا مز] بالتا: جار ومجرور. مز: فعل أمر، يعني: ميِّز ماضي الأفعال بالتاء، وعلى هذا المعنى نقول:
إن (ماضي) مفعول مقدم لكلمة (مز)، يعني: ميز ماضي الأفعال بالتاء. والذي مر علينا تاءان: تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة، فأي التاءين يراد؟
الجواب: كلتاهما، فتاء الفاعل لا تدخل إلا على الماضي، وتاء التأنيث الساكنة لا تدخل إلا على الماضي،
وعلى هذا فنقول: أل في قول ابن مالك (بالتا) للعهد الذكري، أي أنها تشير إلى تاء سبق ذكرها في قوله: (بتا فعلت وأتت) فالفعل الماضي يتميز عن المضارع والأمر بقبول التاء.
أعلى الصفحة
علامة فعل الأمر
ثم قال رحمه الله: [وسم بالنون فعل الأمر إن أمر فهم] (سم بالنون) يعني: اجعل النون سمة فعل الأمر، والسمة هي العلامة، لكن قيد فقال: (إن أمر فهم).
إذاً: فعل الأمر يتميز عن صاحبيه بقبول النون مع إفهام الأمر، وأل في قوله: (بالنون) للعهد الذكري، والنون السابقة هي (نون أقبلن) أي نون التوكيد.
يعني: فعلامة فعل الأمر قبول نون التوكيد لكن بشرط أن يفهم منه الأمر. وإنما قال المؤلف: (إن أمر فهم) ليخرج بذلك المضارع؛ لأن المضارع يقبل نون التوكيد لكن لا يفهم منه الأمر.
ويكون القيد الأول (سم بالنون) يخرج الفعل الماضي؛ لأن الفعل الماضي لا يقبل نون التوكيد، و(إن أمر فهم) يخرج المضارع؛ لأن المضارع لا يفهم منه الأمر.
وبهذا تميزت الأفعال بعضها من بعض، حيث يتميز الفعل الماضي عن صاحبيه بقبول تاء الفاعل وتاء التأنيث، ويتميز المضارع عن صاحبيه بقبول لم، ويتميز فعل الأمر
عن صاحبيه بقبول نون التوكيد مع دلالته على الأمر. ونون التوكيد تدخل على المضارع، ومن ذلك قوله تعالى: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:8].
فإذا قال قائل: أليس الفعل المضارع تدخل فيه النون مع الدلالة على الأمر فيما إذا اقترنت به لام الأمر، مثل أن تقول: لتفهمَنَّ أيها الطالب؟ فالجواب: بلى،
لكن فهم الأمر ليس من الفعل بل هو من اللام، ومراد ابن مالك بقوله: (إن أمر فهم) أي إن فهم الأمر من نفس الكلمة لا من أمر خارج،
والمضارع إذا فهم منه الأمر في قول القائل: لتفهمن، فإنما كانت الدلالة هنا باللام، لا من حيث صيغة الفعل.
أعلى الصفحة
الفرق بين فعل الأمر واسم الفعل
ثم قال: [والأمر إن لم يك للنون محل فيه هو اسم نحو صه وحيهل] أشار المؤلف بهذا البيت إلى أنه إذا كانت الكلمة تدل على معنى الفعل ولكن لا تقبل علامته فإننا نسميها اسم فعل،
مثل: صه بمعنى اسكت، وأص بمعنى أسكت، ومه بمعنى كف، وحيهل بمعنى أقبل، و(حيَّ)، في قول المؤذن: حي على الصلاة اسم فعل أمر؛ لأنها بمعنى أقبل.
وهذا البيت ذكر فيه ابن مالك حكم ما دل على الأمر ولم يقبل علامته، فهو اسم فعل أمر، فهل نقول: وما دل على المضارع ولم يقبل علامته فهو اسم فعل مضارع،
وما دل على الماضي ولم يقبل علامته فهو اسم فعل ماض؟ والجواب: نعم. هو كذلك. إذاً: هنا قاعدة: وهي أن ما دل على معنى الفعل ولم يقبل علامته فهو اسم لذلك الفعل.
فقوله تعالى: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ [المؤمنون:36]، هذا اسم فعل ماض؛ لأنها بمعنى بَعُدَ. وكذلك: شتان ما بينهما، بمعنى بَعُد أيضاً فهذا اسم فعل ماض. فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ
[الإسراء:23] اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر. بحث في كلمة صه ومه: يقول النحويون: إن أردت أن تسكته عن كل كلام فقل: صهٍ! حتى يسكت عن كل شيء،
وإن أردت أن تسكته عن كلام معين فقل: صهِ بدون تنوين، وذلك لأنها إذا نونت صارت نكرة، وإذا لم تنون فهي معرفة فإذا سمعت شخصاً يتحدث بكلام ليس بجيد قلت: صهِ!
بدون تنوين، أي: اسكت عن هذا الكلام المعين. فإذا سمعت شخصاً يتحدث عند قوم نيام قلت له: صهٍ! يعني: اسكت عن كل كلام لئلا توقظ النيام. خلاصة البحث الذي سبق:
أن للفعل علامات وأن للحرف علامات، كما أن للاسم علامات، وأن علامات الأفعال تتنوع بحسب تنوع الأفعال. فعلامة الفعل الماضي الخاصة به التاء،
أعني تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة. وعلامة المضارع دخول لم. وعلامة الأمر قبول نون التوكيد مع دلالته على الأمر.
أعلى الصفحة
علامات أخرى للأفعال وقاعدة أسماء الأفعال
هل هناك علامات أخرى للأفعال؟ الجواب: نعم، لها علامات، لكن ابن مالك رحمه الله ذكر أنموذجاً من هذه العلامات يعرف بها الفعل، وإلا فهناك علامات أخرى.
مثلاً: (قد) من علامات الأفعال، لكنها تدخل على الماضي وعلى المضارع، ولا تدخل على الأمر. السين وسوف من علامات الأفعال، ولكنها تختص بالمضارع.
فهذه علامات لها، لكن لا حرج على المؤلف إذا اقتصر على شيء منها. لكن يبقى النظر في البيت الأخير: (والأمر إن لم يك للنون محل فيه هو اسم نحو صه وحيهل)
فلو أنه رحمه الله ذكر القاعدة العامة لكان أحسن، بحيث يقول: ما دل على الفعل ولم يقبل علامته فهو اسم لذلك الفعل، وهذا يشبه ما سبق
من بعض المحشين حيث قال في قول ابن مالك : والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره أنه لو قال: والله يقضي بالرضا والرحمه لي
وله ولجميع الأمه لكان أعم، مع أن ابن مالك رحمه الله لا يعترض عليه ذلك كما سبق أن بينا.
أعلى الصفحة
تقسيم الحروف إلى خاص وعام
وقول المؤلف: (كهل وفي لم) مثل بثلاثة حروف منها خاص ومنها عام. هل: حرف عام يدخل على الأسماء وعلى الأفعال، وفي: حرف خاص يدخل على الأسماء فقط؛
لأنه من حروف الجر. ولم: حرف خاص بالدخول على الفعل المضارع. فالمؤلف رحمه الله نوع الأمثلة ليشير إلى أن الحرف يكون مختصاً ويكون مشتركاً،
والغالب أن الحروف المشتركة لا تعمل، وأن الحروف الخاصة تعمل فيما تختص به، فما يختص بالاسم يعمل في الاسم، وما يختص بالفعل يعمل في الفعل،
وأما الحروف العامة المشتركة فلا تعمل، ولهذا تجدون الحرف (هل) لا يعمل. تقول: هل تعلمُ أن فلاناً قد بدأ بدراسة ألفية ابن مالك ؟ فـ(هل) ما أثرت في الفعل شيئاً.
في: خاصة بالاسم فتعمل فيه الجر. ولم خاصة بالفعل فتجزمه. لا النافية مشتركة، تقول: لا رجل في البيت ولا امرأة، وتقول: لا يفعل فلان كذا وكذا،
ولذلك لا تعمل. وأما لا الناهية فهي خاصة بالفعل المضارع، ولهذا تعمل فيه الجزم. وهذه القاعدة أن الخاص يعمل والمشترك لا يعمل هي أغلبية،
وليست مطردة، فقد يوجد أشياء خاصة ولا تعمل وأشياء عامة وتعمل. ......