منتديات الإسلام والسنة  

العودة   منتديات الإسلام والسنة > المنتديات الشرعية > منتدى الدفاع عن الإسلام والسنة

حقوق الإنسان .. الحرية .. المساواة

منتدى الدفاع عن الإسلام والسنة


إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )  أعطي أ/أحمد مخالفة
أ/أحمد غير متواجد حالياً
 
أ/أحمد
عضو مميز
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
 
رقم العضوية : 121
تاريخ التسجيل : Apr 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 1,285 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10

افتراضي حقوق الإنسان .. الحرية .. المساواة

كُتب : [ 10-02-2011 - 10:10 PM ]

إن أصل الحقوق يرجع إلى فهم معنى قول الله -جل وعلا- ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ﴾ [ الإسراء : 70 ] .

وتكريم الله -جل وعلا- لبني آدم -كما قال العلماء- يرجع إلى شيئين :
الأول : تكريم الله -جل وعلا- لبني آدم في خلقه إياهم ، وفيما سخر لهم مما في السماء ، ومما في الأرض ، والله -جل وعلا- بين ذلك في الآية .
والثاني : أن الله -جل وعلا- رفع ابن آدم عن الحيوان ، وعن غيره من المخلوقات ، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلًا .

ومن أجل ذلك جاءت الشرائع في تبيين حق الله -جل وعلا- وحق العباد ، فقول الله -جل وعلا- ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ﴾ [ الإسراء : 70 ] ، وفي آخر الآية ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [ الإسراء : 70 ] ، هذا يرجع إلى الخلق ، ويرجع أيضًا إلى التشريع والتنظيم ، وما أمروا به من عبادة الله وحده ، ومن اتباع المرسلين والأنبياء .

والحقوق التي تدخل تحت هذه كلمة "حقوق الإنسان" ترجع عند الغربيين إلى الحرية ، وإلى المساواة ، وكلمة "الحرية" هذه التي نادوا بها لا توجد بهذه الصورة التي تكلموا عنها ، حتى في بلادهم .

الحرية

فالحرية المطلقة في أن يفعل الإنسان ما يشاء دون أن يحاسَب على ما فعل ، لا وجود لها في أي مكان من الأرض ، بل هذه الحريات تنتهي عند حد معين ، وبعده يقال للشخص : هذا ممنوع ، لست حرًّا في ذلك .

وهذا يبين لنا أن كلمة "الحرية" لا توجد على الأرض إلا بصورة نسبية ، أما الحرية المطلقة في كل شيء ، في المال ، وفي السياسة ، وفي القضاء ، وفي التصرف في النفس ، وفي الدماء ، ومع الأولاد ، إلى غير ذلك ، لا توجد كاملة بلا قيد في أي مكان من الأرض ، وإنما توجد حرية تختلف البلاد فيها من حيث التوسع والتضييق بحسب الأعراف والتقاليد .

فإذًا كلمة "الحرية" التي هي جزء من حقوق الإنسان ، لا توجد بشكل مطلق عند من يتشدقون بها ، فإذا وضع هؤلاء لها القيود البشرية بمحض آرائهم ، فإنا نقول : إن هذه القيود تمحو كلمة "الحرية" ، وتجعلها كأن لم تكن موجودة ، فإذا كنتم تنادون بالحرية ، فأعطوا الإنسان حريته ليفعل ما يشاء ، أما إذا قيدته في حرية دون حرية ، بوضع قانون مثلا فقد قيدت حريته ، إذ ألزمته بهذا القيد .

إذًا فأساس الحرية التي نودي بها في مجال حقوق الإنسان ، يجب أن تنظر إليها من جهة أن الحرية لا توجد مطلقة ، بل لا بد أن تكون مقيدة ، يعني أن الإنسان ليس حرًّا في أي مكان من الأرض ، تام الحرية في تصرفاته يفعل ما يشاء ، وإنما له حدود يجب عليه ألا يتخطاها .

من أجل ذلك جاء ما يسمى بـ "البروتوكولات" ، وجاء ما يسمى بـ "الإيتيكيت" ، وهي عبارة عن أشياء يجب الالتزام بها ، كالتزام الشخص بلباس معين ، عند الحضور في بعض الأماكن ، ونحو ذلك .

فهناك نوع من عدم الحرية موجود في كل مكان ، وهذا يرجع إلى ما رأوه من أنه لا يناسب أن يعطى الإنسان حريته لمنافاته للذوق تارة ، أو لمنافاته للعلاقات تارة أخرى ، أو لمنافاته لحقوق أخرى .

المساواة

والمساواة التي نادوا بها ، تعني مساواة الرجل بالمرأة في كل شيء ، وتعني مساواة جميع الناس ، في أخذ الحقوق ، وفي إعطاء حقوقهم في كل شيء ، في التعليم ، وفي الصحة ، وفي الاستشفاء ، وفي السفر ، وفي تحديد المكان الذي يرغب أن يقيم فيه في حدود دولته ، كما نصت عليه موادهم ، وفي إلغاء الرق ، إلى آخر ذلك .

وهذه المساواة منها ما هو مقبول ، ومنها ما ليس بمقبول ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله –تعالى- ونحن لسنا بصدد نقد ذلك الإعلان الوثائقي ، وما تبعه من تصحيحات وإضافات ، لكننا بصدد بيان أن حقوق الإنسان الكاملة ، قد أعطاها رب الإنسان للإنسان .

والبشر إذا أرادوا أن يعطوا الحق لغيرهم ، فإن الأمر لن يسلم من الهوى ، فالذي يضع القانون أيًّا كان ، فإنه سيدخل فيه هواه ، ولهذا تجد أن القوانين الغربية ، سواء منها القانون الفرنسي ، أو الأمريكي ، أو غيرهما من القوانين ، تجد أنها تخضع للتغيير بين فترة وأخرى ، إما لأن أول ما نشأ القانون كان لأجل مصلحة ما ، إما للدولة في إنشائه ، أو لنفوذ من الكبراء في تلك الدولة في بعض المسائل ، أو لتغير الزمان ، فتغير تبعًا للأحوال ، ولهذا بين الله -جل وعلا- أن حكم الجاهلية هو حكم عن الهوى ، فقال –سبحانه- ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [ المائدة : 49 ] ، لأن كل حكم يخالف حكم الشريعة ، فلا بد أن يكون قد تسلط عليه الهوى ، فمُنع من الصواب .

إذًا فتلك المبادئ قامت على أساس نظرٍ بشري يدخله الهوى ، وتدخله مصالح الدول ، ويدخله الرغبة في السيطرة على الدول الضعيفة ، أو الدول التي فيها خيرات .

بعد هذا العرض ، إذا رأيت ما كان الناس عليه قبل مبعث محمد -عليه الصلاة والسلام- سواء عرب مكة وما حولها ، أو من في الجزيرة ، أو من في الشام ، أو العراق ، أو مصر ، أو فارس ، أو الروم ، وجدت أن سلب الحريات مفتوح على مصراعيه ، وأن المساواة منفية ، والذي يحكم هو شريعة الغاب ، لأن القوي يأكل الضعيف ، يتسلط الناس بعضهم على بعض ، ولهذا قال ربعي بن عامر -رضي الله عنه- لقائد الفرس حينما سأله مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالَ : اللَّهُ ابْتَعَثْنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَمِنْ ضيق الدنيا إلى سِعَتِهَا ، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ(1) .

لقد جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأوحي إليه بشريعة الإسلام ، وأمره الله -جل وعلا- بأن ينذر عشيرته الأقربين ، ثم ينذر الناس جميعًا ، وجعل رسالته رحمة للعالمين ، فقال ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنبياء : 107 ] .

لما جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك المجتمع كانت السمة الغالبة لهذا المجتمع ، أنه مجتمع فيه صراع طبقي ، وتميز طبقي على أشده ، فهذه القبيلة أفضل من هذه القبيلة ، وهؤلاء أرفع من هؤلاء ، وهؤلاء متسلطون على غيرهم ، ونحو ذلك من الأعراف القبلية التي فيها تبايُن ، وفيها تفضيل بعض الناس على بعض .

فجاءهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأصل العظيم ، وهو قول الله -جل وعلا- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [ الحجرات : 13 ] ، فجعل الكرم والفضل والتميز لمن كان أتقى ، فلا عبرة بالجنس ولا باللون ولا بالقبيلة ولا بالبلد ، فالتفاضل بين الناس فقط بحسب التقوى .

وفي هذا المعنى قال نبينا -عليه الصلاة والسلام- :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلَّا بِالتَّقْوَى » (2) .

وهذا -كما هو معروف- في التكليف ، جعل الله -جل وعلا- الناس سواسية ، يعني في الخطاب ، الذكر والأنثى ، والحر والعبد ، والغني والفقير ، على اختلاف طبقاتهم .

فالناس جميعًا مأمورون بتوحيد الله -جل وعلا- ومأمورون بامتثال أوامره وتقواه بحسب الاستطاعة ، وهذا نوع من المساواة بين الناس في التكليف .

وكذلك لما جاء الإسلام ألغى التفرقة بين الناس ، بل آل الأمر إلى المؤاخاة ، فآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، بل قد أوخِيَ بين حر وغيره في المدينة ، بل جاء عن علي -رضي الله عنه- أنه جعل سلمان الفارسي من أهل البيت ، فقد صح عن علي -رضي الله عنه- أنه قال : سلمان منا أهل البيت(3) .

ويروى مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يصح مرفوعًا ، وإنما يصح موقوفًا على علي -رضي الله عنه- .

وقد أمّر النبي -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة – وهو مولى – على جمع كبير من المسلمين ، وأمّر بعده أسامة بن زيد ، وأمضى ذلك اللواءَ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- .
ولما فتح المسلمون الأمصار ، وشاع الإسلام وانتشر ، آل الأمر إلى أن يكون الأعاجم –الذين هم من غير العرب- من أكابر العلماء ، فكانوا من أئمة المسلمين ، يستقي الناس منهم العلم ، بل قد رأينا في تاريخ الإسلام كثيرًا من الأعاجم الذين قادوا المسلمين في العلم ، وقادوهم في الفتوى ، وقادوهم في في أمور كثيرة .

ومن هذه الأمثلة في العلم : الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- وهو ليس بعربي ، وكذا الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- كيف صار كتابه مصدرا رئيسا من مصادر السنة ، فليس هناك عالم ، أو طالب علم من المسلمين إلا ويعرف الإمام أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري .

فالإسلام قد ألغى الفوارق ، وصار هؤلاء الأعاجم قادة وأئمة للعرب ، وصاروا مقدَّمين ، لأنهم حملوا الدين ، ورفعوا راية التوحيد ، وراية "لا إله إلا الله محمدًا رسول الله" ، فلا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى .

والمسلمون لما كانوا متأدبين بأدب الإسلام ، لم يكن بينهم ذلك النزاع الطبقي ، وتلك الفروق الجاهلية ، فقبلوا إمامة هؤلاء ، وسلموا لهم ، لأن الناس في هذا المقام سواء .

ثم آل الأمر بعد ذلك إلى أن ذهبت الدولة الأموية ، والدولة العباسية ، ونشأت دولة المماليك ، ثم نشأت دولة بني عثمان –يعني في أولها حين كانت صالحة- ودان المسلمون لهم ، وصاروا هم القادة ، وهم الأمراء ، لأنهم رأوا أن في ذلك المصلحة الشرعية للبلاد والعباد .

إذًا فأول من ألغى التفريق الطبقي ، ومارسه فعلًا ، وأرشد الناس إليه ، وصار جميع الناس لا حرج في صدورهم من تطبيقه ، هو الإسلام ، وتاريخ الإسلام غني بهذا ، فتطبيق الإسلام لهذا الأصل العظيم -أصل المساواة- خير شاهد على هذا .

وفي جانب المساواة في الحقوق ، جاءت الشريعة بالمساواة في الحقوق ، وهنا أمران مهمان في الشريعة : الأول : المساواة ، والثاني : العدل .

والعدل واجب مطلقًا ، والمساواة تكون في أبوابها ، وليست مطلقة ، وتوضيح ذلك : أن العدل هو أداء الواجب ، بإعطاء كل ذي حقٍّ حقه ، بلا تَعَدٍّ في ذلك ، فهذا هو العدل ، والله -جل وعلا- أمر بالعدل أمرًا مطلقًا ، قال –تعالى- ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [ النحل : 90 ] .

فما يحرم أحد من حقه لأجل أنه ضعيف ، أو فقير ، أو غير ذلك ، بل يُعطَى حقه بما يناسب مقامه ، ولهذا جاءت الشريعة بعدم تساوي الناس في ارتكاب المخالفات التي هي دون الحدود ، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :« أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ » (4) . وهذا فيه ترك المساواة في هذا الأمر ، وذلك مراعاة للمصالح الشرعية العظيمة المترتبة على ذلك .

فعُمَر -رضي الله عنه- لم يساوِ في العطاء من بيت المال بين أهل بدر وبين غيرهم ، لم يساوِ بين السابقين إلى الإسلام ، وبين المتأخرين ، بل أعطى كل ذي حق حقه ، وأعطى كل أحد بحسب سابقته ، وهذا هو العدل ، لأن التسوية بين الناس مع اختلافهم في نصرة الإسلام ، واختلافهم في قدراتهم ، ليست مشروعة ، بل المشروع هو العدل .

إن المساواة في الشرع مأمور بها ، في الحقوق وغيرها ، ويدخل في ذلك الحقوق القضائية ، وما يجب على الدولة ، وما يجب على ولاة الأمور ، وما يجب على القاضي ، من أنه يجب أن يكون الناس عنده سواسية ، لا يفضل أحدا على أحد ، حتى إذا كان حكمه بين المسلم ، وغير المسلم ، فإنه لا يجوز له أن يميز المسلم على غير المسلم في مجلس القضاء ، لأن هذا مجلس عدل وحكم ، وفي مثل هذا يجب أن يكون الناس سواسية ، وهذا حق مطلق للإنسان في أن يُحكَم بشريعة الإسلام ، فيأخذ حقه بقوة القضاء ، وقد قال الله -جل وعلا- ﴿ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا ﴾ [ المائدة : 42 ] ، يعني في أهل الكتاب ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [ المائدة : 42 ] .

وهذا الحق قد أعلنه نبينا -عليه الصلاة والسلام- أعظم إعلان ، في مسائل كثيرة ، أولها في بيان سبب هلاك اليهود ، وهو أنهم هلكوا لما فرَّقوا في الأحكام الشرعية والحدود والقضاء ، ما بين الشريف والوضيع ، وبين علية القوم ، وبين غيرهم ، فقال -عليه الصلاة والسلام- :« وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » (5) .

فدماء المسلمين متكافئة ، وكذلك أموالهم وأعراضهم ، فليس ثَم تفريق بين عِرض وعرض ، أو دم ودم ، وليس ثَم تفريق في القضاء بين حق ماليٍّ وآخر ، بل جميع المسلمين مستوون أمام شرع الله -جل وعلا- كلهم سواسية في هذا الحق ، ولعلنا نلحظ هذا المعنى في قصة أُسيد بن حُضَير ، حيث قال : بَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ -وَكَانَ فِيهِ مِزَاحٌ- بَيْنَا يُضْحِكُهُمْ ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَاصِرَتِهِ(6) بِعُودٍ ، فَقَالَ : أَصْبِرْنِي( 7 ) فَقَالَ : « اصْطَبِرْ » قَالَ : إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ ، « فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَمِيصِهِ ، فَاحْتَضَنَهُ ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ(8) » ، قَالَ إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ(9) .

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قد مكنه من نفسه ، ليقتص منه ، بل قال -عليه الصلاة والسلام- رحمة بأمته :« اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ » (10) .

إذًا ففي الحقوق القضائية ، حق الإنسان -سواء أكان مسلما ، أو غير مسلم- واحد ، لا يختلف الناس في ذلك ، فلا نأخذ الحق للمسلم على حساب النصراني ، أو اليهودي ، بل هذه الحقوق مبناها على البينات ، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- :« أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ » ( 11 ) .

وقال الله –تعالى- ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ [ المائدة : 49 ] ، كما أمرنا ربنا -جل وعلا- أن نكون قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسنا ، قال –تعالى- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ [ النساء : 135 ] ، وقال -جل وعلا- ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [ المائدة : 8 ].

ولهذا وجدنا في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- أن اليهودي كان يأتي مع المسلم –في الخصومة- فلا يُميز المسلم على اليهودي في المجلس ، بل هم من جهة الحكم الشرعي ، ومن جهة القضاء ، هذا خصم ، وهذا خصم ، يجب أن يكونوا سواء ، وأن لا يكون هناك حَيْف ، لأنه إذا وجد التمييز في هذه المسائل ، دب الفساد إلى الأرض ، والله -جل وعلا- أمرنا بإصلاحها ، ونهانا عن إفسادها ، فقال -سبحانه وتعالى- ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ [ الأعراف : 56 ] ، وإصلاح الأرض إنما يكون برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وبأداء الحقوق الشرعية ، التي جاء بها نبينا -عليه الصلاة والسلام- وأعظم ما جاء به هو التوحيد ، وترك الشرك ، والفساد إنما يكون بالتفريط في حق الله -جل وعلا- أو بالتفريط في حقوق الخلق .

فبهذا يدبّ الفساد شيئًا فشيًا ، حتى يحِلّ غضب الله -جل وعلا- ويدل لهذا قوله –جل وعلا- ﴿ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [ طه : 81-82 ] .

فالناس في شريعة الإسلام ينقسمون إلى أقسام :

القسم الأول : المسلمون .

والقسم الثاني : الكافرون الذميون ، يعني اليهود والنصارى ، أو أهل الكتاب الذين لهم ذمة .

القسم الثالث : المعاهدون .

القسم الرابع : المستأمنون .

القسم الخامس : الحربيون .

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بأداء الحقوق لغير المسلمين إذا لم يكونوا حربيين ، أو مظهرين العداوة للإسلام والمسلمين ، وذلك عملا بقوله -جل وعلا- ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ الممتحنة : 8-9 ] .

أصل المادة محاضرة ألقاها معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ بعنوان : حقوق الإنسان في الإسلام .

***************
(1) انظر القصة بتمامها في البداية والنهاية ، لابن كثير 7 / 46 .
(2) أخرجه أحمد ( 5 / 411 ، رقم 23536 ) . وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2963 .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 12 / 148 ، رقم 12380 ) ، وابن سعد ( 2 / 346 و 4 / 85 ) ، وأبو نعيم في الحلية ( 1 / 187 ) ، وابن عساكر ( 7 / 411 و 415 ) . وصحح الألباني الموقوف ، وضعف المرفوع جدا ، انظر الضعيفة 3704 .
(4) أخرجه أحمد ( 6 / 181 ، رقم 25513 ) ، والبخاري في الأدب المفرد ( 1 / 165 ، رقم 465 ) ، وأبو داود ( 4 / 133 ، رقم 4375 ) . وصححه الألباني في الصحيحة 638 .
(5) أخرجه أحمد ( 6 / 162 ، رقم 25336 ) ، والبخاري ( 6 / 2491 ، رقم 6406 ) ، ومسلم ( 3 / 1315 ، رقم 1688 ) .
(6) الخَصْرُ وَسَطُ الإِنْسَانِ ، وَقيل : هُوَ المُسْتَدِقُّ فَوق الوَرِكَيْن ، كَمَا فِي المِصْباح . تاج العروس : خصر .
(7) أَيْ أَقِدني مِنْ نَفْسِك . النهاية : صبر .
(8) الكَشْح : الخَصْر . النهاية : كشح .
(9) أخرجه أبو داود ( 4 / 356 ، رقم 5224 ) . وصححه الألباني في المشكاة 4685 .
(10) أخرجه أحمد ( 2 / 496 ، رقم 10439 ) ، والبخاري ( 5 / 2339 ، رقم 6361 ) ومسلم ( 4 / 2007 ، رقم 2601 ) .
(11) أخرجه أبو داود ( 3 / 290 ، رقم 3535 ) ، والترمذي ( 3 / 564 ، رقم 1264 ) وقال : حسن غريب . وصححه الألباني في الصحيحة 423 .

 

رد مع اقتباس
الواثقة بالله غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 2 )
الواثقة بالله
المراقب العام

رقم العضوية : 4
تاريخ التسجيل : Aug 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 8,252 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع
افتراضي

كُتب : [ 10-03-2011 - 02:26 AM ]

ديننا دين العدالة و المساواة اسأل الله ان يثبتنا على هذا الدين
بارك الله فيك


رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لا يوجد


تعليمات المشاركة
تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:41 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML