قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا أيها الناس ! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض ، منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله - عز وجل - لم يبعث نبيًا إلا حذر أمته الدجال ، وأنا آخر الأنبياء ، وأنتم آخر الأمم ، وهو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج ؛ وأنا بين أظهركم ، فأنا حجيج لكل مسلم ، وإن يخرج من بعدي ، فكل حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم .
وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق . فيعيث يمينًا وشمالاً .
يا عباد الله ! أيها الناس ! فاثبتوا ؛ فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي .
يقول : أنا ربكم ، ولا ترون ربكم حتى تموتوا ، وإنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، وإنه مكتوب بين عينيه : كافر ، يقرؤه كل مؤمن ، كاتب أو غير كاتب .
وإن من فتنته : أن معه جنةً ونارًا ، فناره جنة ، وجنته نار ، فمن ابتلي بناره ؛ فليستغث بالله ، وليقرأ فواتح الكهف .
وإن من فتنته : أن يقول للأعرابي : أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك !؟
فيقول : نعم ، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه ، فيقولان : يا بني اتبعه ، فإنه ربك .
وإن من فتنته : أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها ، ينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين ، ثم يقول : انظروا إلى عبدي هذا ، فإني أبعثه ؛ ثم يزعم أن له ربًا غيري ، فيبعثه الله ، ويقول له الخبيث : من ربك !؟ فيقول : ربي الله ، وأنت عدو الله ، أنت الدجال ، والله ما كنت قط أشد بصيرة بك مني اليوم .
وإن من فتنته : أن يأمر السماء أن تمطر ، فتمطر ، ويأمر الأرض أن تنبت ، فتنبت .
وإن من فتنته : أن يمر بالحي ؛ فيكذبونه ، فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت .
وإن من فتنته : أن يمر بالحي ، فيصدقونه ، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت ، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت ، وأعظمه ، وأمده خواصر وأدره ضروعًا .
وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه ، إلا مكة والمدينة ، لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة ، حتى ينزل عند الضريب الأحمر ، عند منقطع السبخة ، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فلا يبقى فيها منافق ولا منافقة إلا خرج إليه ، فتنفي الخبيث منها ، كما ينفي الكير خبث الحديد .
ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص .
قيل : فأين العرب يومئذ !؟
قال : هم يومئذ قليل ، وإمامهم رجل صالح ، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح ، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح ، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى ، فيضع عيسى يده بين كتفيه ، ثم يقول له : تقدم فصل ؛ فإنها لك أقيمت ، فيصلى بهم إمامهم ، فإذا انصرف ، قال عيسى : افتحوا الباب ، فيفتحون ووراءه الدجال ، معه سبعون ألف يهودي ، كلهم ذو سيف محلى وساج ، فإذا نظر إليه الدجال ذاب ؛ كما يذوب الملح في الماء .
وينطلق هاربا ، فيدركه عند باب لد الشرقي ، فيقتله ، فيهزم الله اليهود ، فلا يبقى شيء مما خلق الله - عز وجل - يتواقى به يهودي ، إلا أنطق الله ذلك الشيء ، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة ، إلا الغرقدة ؛ فإنها من شجرهم لا تنطق ، إلا قال : يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله .
فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكمًا عدلاً ، وإمامًا مقسطًا يدق الصليب ، ويذبح الخنزير ، ويضع الجزية ، ويترك الصدقة ، فلا يسعى على شاة ولا بعير .
وترفع الشحناء والتباغض ، وتنزع حمة كل ذات حمة ، حتى يدخل الوليد يده في في الحية ، فلا تضره ، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها ، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها ، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء ، وتكون الكلمة واحدة ، فلا يعبد إلا الله ، وتضع الحرب أوزارها ، وتسلب قريش ملكها ، وتكون الأرض كفاثور الفضة ، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ، ويكون الثور بكذا وكذا وكذا من المال ، ويكون الفرس بالدريهمات .
وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد ، يصيب الناس فيها جوع شديد ، يأمر الله السماء السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها ، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها ، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها ، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله ، فلا تقطر قطرة ، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء ، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله .
قيل : فما يعيش الناس في ذلك الزمان !؟
قال : التهليل ، والتكبير ، والتحميد ، ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام .
الراوي : أبو أمامة الباهلي .
تصحيحه : " صحيح الجامع " : ( 7875 )