بسم الله الرحمن الرحيم ..
فرايتُ شرّ تدليسٍ أتى به علي الحلبي - هداه الله -
فقد نقل الأثر كالآتي :
ذكر الإمامُ الذهبيُّ في «سير أعلام النبلاء» (10/58) عن الإمام المبجّل أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - أنه سُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ - ، فَقَالَ:
لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهِ، لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلاَمَ القَوْمِ، وَكَتَبْنَا كُتُبَهُمْ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا سَمِعْنَا كَلاَمَهُ، عَلِمْنَا أنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ.
وَقَدْ جَالَسْنَاهُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ، فَمَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ كُلَّ خَيْرٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَانَ يَحْيَى وَأَبُو عُبَيْدٍ لاَ يَرْضَيَانِهِ - يُشِيْرُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَأنَّهُمَا نَسَبَاهُ إِلَى ذَلِكَ -!
فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا نَدْرِي مَا يَقُوْلاَنِ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً.
وقال الإمام الذهبي-عَقِبَه-:
مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَتَشَيَّعُ، فَهُوَ مُفْتَرٍ، لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ.)
قال علي بن أحمد الدخمسيني: سمعت علي بن أحمد بن النضر الأزدي، سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن الشافعي، فقال: لقد من الله علينا به، لقد كنا تعلمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم، حتى قدم علينا، فلما سمعنا كلامه، علمنا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا منه إلا كل خير، فقيل له: يا أبا عبد الله، كانيحيى وأبو عبيد لا يرضيانه - يشير إلى التشيع وأنهما نسباه إلى ذلك - فقال أحمد بن حنبل: ما ندري ما يقولان، والله ما رأينا منه إلا خيرا...، ثم قال أحمد لمن حوله: اعلموا رحمكم الله تعالى أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئا من العلم، وحرمه قرناؤه وأشكاله، حسدوه فرموه بما ليس فيه، وبئست الخصلة من أهل العلم.
لذا قال الإمام الذهبي: "من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفتر، لا يدري ما يقول. [1]
فإن كان يحب آل البيت ويمدحهم بشعره، فهذا لا يوجب القدح فيه بل يوجب أعظم أنواع المدح؛ لأن حب آل البيت واجب على كل مسلم، وهذه وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين أجمعين، وهذا بعض ما نظمه الشافعي في مدح آل البيت - رضي الله عنهم - إذ يقول:
يا راكبا قف بالمحصب من منى *** واهتف بقاعد خيفنا والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى *** فيضا، كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد **** فليشهد الثقلان أني رافضي
وقد عقب الذهبي على هذه الأبيات بقوله: "لو كان شيعيا - وحاشاه من ذلك - لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة، بدأ بالصديق، وختم بعمر بن عبد العزيز" [2]
وقال أيضا:
آل بيت النبي ذريعتي **** وهم إليك وسيلتي
أرجو بأن أعطى غدا ****بيد اليمين: صحيفتي
فهذه هي الأبيات التي استدلوا بها على تشيعه ورفضه إمامة أبي بكر وعمرـ رضي الله عنهما - ليس فيها شيء من ذلك، وإنما هي تعبير عن حبه الصادق لآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - كحب غيره من المسلمين لهم.
ولكشف هذا التدليس والذّب عن عرض الإمام يحيى بن معين
ما روى البيهقي عن أبي داود السجستاني أنه قيل لأحمد بن حنبل: إن يحيى بن معين ينسب الشافعي ابن إدريس إلى التشيع.
فقال أحمد ليحيى بن معين: كيف عرفت ذلك؟
فقال يحيى: إني نظرت في تصنيفه في قتال أهل البغي، فرأيته قد احتج من أوله إلي آخره بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقال أحمد: يا عجبا لك، فبمن كان يحتج الشافعي في قتال أهل البغي؟
فإن أول من ابتلى من هذه الأمة بقتالأهل البغي هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
قال : فـخـلـى يـحـيى مـن كـلامـه [3]
والذي أدى بالإمام يحيى بن معين إلى هذا القول أنه كان متشددا جدا في قبول الرجال وتعديلهم، فلا يعدل الرجل إذا وجد فيه أي مظنة للطعن فيه، فلما رأى الإمام الشافعي يكثر من ذكر أقوال الإمام علي في باب قتال البغاة بالإضافة إلي أنه من آل البيت الذين أطراهم بشعره كثيرا - ظن أنه شيعي، لكنه رجع عن رأيه بعد أن حاجهالإمام أحمد بن حنبل كما بيّنّاه في هذا الأثر السابق.
ومما يؤيد ثقة الإمام يحيى في الإمام الشافعي وأخذه بأقواله ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن هاشم بن مرثد قال: سمعت يحيى بن معين يقول: الـشــافعي صـدوق لـيـس بـه بـأس..."
وقال الزعفراني: " كنت مع يحيى بن معين في جنازة فقال له رجل: يا أبا زكريا، ما تقول في الشافعي، قال: دع هذا عنك، لو كان الكذب له مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب ".[4]
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخوكم : أبوأيوب محمد الكلاري
__________________________
الحواشي :
[1]
سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/58).
[2]
سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (10/59).
[3]
مناقب الشافعي، البيهقي،(1/450)
[4]
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصفهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1405هـ، (9/97).
سحاب