المقدّمـة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:70،71].
أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا شك أن موضوع الربا، وأضراره، وآثاره الخطيرة جدير بالعناية، ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه ليبتعد عنه، لأن من تعامل بالربا فهو محارب لله وللرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ولأهمية هذا الموضوع جمعت لنفسي ولمن أراد من القاصرين مثلي الأدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا، وبيّنت أضراره، وآثاره على الفرد والمجتمع.
وقد قسمت البحث إلى: مقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة على النحو الآتي:
الباب الأول: الربا قبل الإسلام واشتمل على فصول:
الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعاً.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا. وشمل ما يلي:
الفصل الأول: التحذير من الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ ـ بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص.
ب ـ حكمه وسائر أنواع الربا.
ج ـ أسباب تحريم الربا وحِكَمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ ـ تعريفه.
ب ـ بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
الفصل الرابع: بيع العينة.
أ ـ تعريف بيع العينة.
ب ـ حكمه وبعض ما ورد من النصوص من ذمه.
الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة:
الفصل الأول: جواز التفاضل في غير المكيل والموزون. وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات.
الباب الرابع: فتاوى في مسائل من الربا المعاصر.
الباب الخامس: مضار الربا، ومفاسده، وآثاره.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله حجة لي لا حجة عليَّ، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه، فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الباب الأول
الربا قبل الإسلام
الفصل الأول: تعريف الربا: لغة، وشرعاً.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعا
أ ـ تعريف الربا في اللغة:
الربا في اللغة: هو الزيادة. قال الله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5].
وقال تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل:92]، أي أكثر عدداً يقال: ”أربى فلان على فلان، إذا زاد عليه“ [انظر المغني لابن قدامة 6/51].
وأصل الربا الزيادة، إما في نفس الشيء وإما مقابله كدرهم بدرهمين، ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضاً [انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/8، وفتح الباري لابن حجر، 4/312].
ب ـ تعريف الربا شرعاً:
الربا في الشرع: هو الزيادة في أشياء مخصوصة.
وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة [انظر المغني لابن قدامة 6/52 وفتح القدير للشوكاني 1/294].
الفصل الثاني: الربا عند اليهود
لا شك أن اليهود لهم حيل، وأباطيل كثيرة كانوا يحتالون بها، ويخادعون بها أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام. ومن تلك الحيل الباطلة، احتيالهم لأكل الربا وقد نهاهم الله عنه وحرَّمه عليهم.
قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً، وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء:160،161].
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: ”إن الله قد نهاهم – أي اليهود – عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل“ [تفسير ابن كثير 1/584].
وقد صرف اليهود النص المحرِّم للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا، فجعلوه جائزاً لا بأس به.
يقول أحد ربانييهم وسامه راب: ”عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه أو حتى يضاهي المال مع فائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه – غريمه – وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه“ [الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر ص31] فاتّضح من كلام الله تعالى أن الله قد حرّم الربا في التوراة على اليهود، فخالفوا أمر الله، واحتالوا، وحرَّفوا، وبدَّلوا، واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون ذلك محرماً في زعمهم الباطل، ولذلك ذمّهم الله في كتابه العزيز كما بيّنت ذلك آنفاً.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية
لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً وقد عدوه من الأرباح العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري – رحمه الله – بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: ”كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه“ [جامع البيان في تفسير آي القرآن 3/67].
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّرله الأجل إلى حين، وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً. وفي السِّنِّ كذلك، فإذا كان للرجل فضل دين على آخر فإنه يأتيه إذا حلّ الأجل. فيقولله: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوله إلى السّنِّ التي فوق سنه من تلك الأنعام التي هي دين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضى، جعلها حقّة في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيّاً وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة. وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضاً، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه [انظر جامع البيان في تفسير آي القرآن 4/59، وفتح القدير للشوكاني 1/294، وموطأ الإمام مالك 2/672، وشرحه للزرقاني 3/324] فهذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:130].
فالربا في الجاهلية كان يُعدّ – كما ذكرت آنفاً – من الأرباح التي يحصل عليها ربّ المال، ولا يهمه ضرر أخيه الإنسان سواء ربح، أم خسر أصابه الفقر، أم غير ذلك؟ المهم أنه يحصل على المال الطائل، ولو أدّى ذلك إلى إهلاك الآخرين، وما ذلك إلا لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلاقهم، وتغيّر فطرهم التي فطرهم الله عليها، فهم في مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى، والرذائل، وعدم احترام الآخرين، فالصغير لا يوقّر الكبير، والغني لا يعطف على الفقير، والكبير لا يرحم الصغير، فالقوم في سكرتهم يعمهون. ومما يؤسفله أن الربا لم يقتصر على عصر الجاهلية الأولى فحسب، بل إنه انتشر في المجتمعات التي تدعي الإسلام، وتدعي تطبيق أحكام الله تعالى في أرض الله...! فيجب على كل مسلم أن يطبق أوامر الله وينفذ أحكامه، أما من تعامل بالربا ممن يدعي الإسلام فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونحذره من هذا الجرم الكبير:
إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم.
الباب الثاني
موقف الإسلام من الربا
الفصل الأول: التحذير من الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ ـ بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص.
ب ـ حكمه، وسائر أنواع الربا.
ج ـ أسباب تحريم الربا وحِكَمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ ـ تعريفه.
ب ـ بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
الفصل الرابع: بيع العينة.
أ ـ تعريف بيع العينة.
ب ـ حكمه، وبعض ما ورد من النصوص في ذمّه.
الفصل الأول: التحذير من الربا
لقد ورد في التحذير من الربا نصوص كثيرة من نصوص الكتاب والسنة، وبما أن كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم هما المصدران الصافيان، اللذان من أخذ بهما واتبع ما جاء فيهما، فقد فاز وأفلح، ومن أعرض عنهما فإن له معيشة ضنكاً وسيحشر يوم القيامة أعمى، ونسمع بعض ما ورد في شأن الربا من نصوص الكتاب والسنة، والله المستعان، وعليه التكلان.
1ـ قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275].
2ـ وقال سبحانه وتعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276].
3ـ وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278،279].
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – (هذه آخر آية نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم) [فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/314].
4ـ وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:130].
5ـ وقال سبحانه وتعالى في شأن اليهود حينما نهاهم عن الربا وحرمه عليهم، فسلكوا طريق الحيل لإبطال ما أمرهم به قال سبحانه في ذلك: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء، الآية: 161].
6ـ وقال عز وجل: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم، الآية: 39].
7ـ وعن جابر رضي الله عنه قال: ”لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“ [مسلم 3/1218 برقم 1597].
8 ـ وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا“ [البخاري 3/11 برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/313].
9ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ”الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات“ [البخاري مع الفتح 5/393 برقم 2015، ومسلم برقم 89].
10ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة“ [سنن ابن ماجه 2/765 برقم 2279 وقال الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع الصغير 5/120 ”إنه حديث صحيح“].
11ـ وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول: ”ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات“ [سنن أبي داود 3/244 برقم 3334].
ففي هذا الحديث أن ما أدركه الإسلام من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بالرّدّ والتّنكير، وأنّ الكافر إذا أربى في كفره ثم لم يقبض المال حتى أسلم فإنه يأخذ رأسه ماله، ويضع الربا، فأما ما كان قد مضى من أحكامهم فإن الإسلام يلقاه بالعفو فلا يتعرض لهم فيما مضى، وقد عفا الله عن الماضي، فالإسلام يجبّ ما قبله من الذنوب [انظر عون المعبود بشرح سنن أبي داود 9/183].
12ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِن الحلال أم مِنَ الحرام“ [البخاري مع الفتح 4/313 برقم 2083 و4/296، برقم 2059 باب من لم يبال من حيث كسب المال] أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا تحذيراً من فتنة المال، فهو من بعض دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلّم بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذّمّ من جهة التّسوية بين الأمرين وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من حيث هو والله أعلم [انظر الفتح 4/297].
13ـ وعن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ”نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصوِّر“ [البخاري مع الفتح 4/426 برقم 2228].
14ـ وعن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإنَّ أربى الربا عرض الرجل المسلم“ [أخرجه الحاكم في المستدرك 2/37 وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال شعيب الأرنؤوط: صححه الحافظ العراقي، انظر حاشية 8/55 من شرحه السنة للبغوي تحقيق زهير وشعيب الأرنؤوط. وأخرج نصفه الأول ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه 2/27، وانظر: كلام العلامة ابن باز في ص138 من هذا الكتاب].
15ـ ورُوِيَ عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنية“ [أخرجه أحمد 5/225، قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/29، برقم 1033، وقال شعيب في حاشية شرح السنة للبغوي: صحيح الإسناد 2/55، وهذا إسناد أحمد، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جيرير – يعني ابن حازم – عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله الحديث].
16ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تشترى الثمرة حتى تطعم، وقال: ”إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله“ [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/37].
لفصل الثاني: ربا الفضل
أ ـ بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص:
1ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تبيعوا الذهبي بالذهب، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض [أي لا تفضلوا بعضها على بعض، والشف الزيادة ويطلق أيضاً على النقصان فهو من الأضداد. من تعليق محمد فؤاد على مسلم 3/1208] ولا تبيعوا الوَرِق بالورِق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز“ [البخاري 3/31 برقم 2177 ومسلم 3/1208 برقم 1584]. والمراد بالناجز الحاضر، وبالغائب المؤجّل.
2ـ وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدّرهم بالدّرهمين“ [مسلم 3/1209 برقم 1585].
3ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء“ [مسلم 3/1211 برقم 1584].
4ـ وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد“ [مسلم 3/1210 برقم 1587، والترمذي 3/532، وأبو داود 3/248].
5ـ وعن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه ثم اشتر به شعيراً، فذهب الغلام فأخذ صاعاً وزيادة بعض صاع فلما جاء معمراً أخبره بذلك. فقالله معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلاً بمثل فإني كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”الطعام بالطعام مثلاً بمثل“ قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير، قيلله: فإنه ليس بمثله قال: إني أخاف أن يضارع [مسلم 3/1214 برقم 1592].
واحتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفاً واحداً لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً. أما مذهب الجمهور فهو خلاف ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى، فإن الجمهور على أن الحنطة صنف، والشعير صنف آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد، كالحنطة مع الأرز، ومن أدلة الجمهور قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد“ [مسلم 3/1211 برقم 1587، وانظر: شرح النووي 11/14].
6ـ وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر يداً بيد، وأما نسيئة فلا“ [سنن أبي داود 3/248 برقم 3349، وانظر: عون المعبود 3/198]. وأما حديث معمر السابق فلا حجة فيه كما قال ذلك الإمام النووي رحمه الله، لأنه لم يصرح بأن البر والشعير جنس واحد وإنما خاف من ذلك فتورع عنه احتياطاً [انظر شرح النووي 11/20].
وعلى هذا فلا إشكال في ذلك والحمد لله، فيكون الشعير جنساً مستقلاً، والبر جنساً آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد والقبض قبل التفرق.
7ـ وعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة، وأبا سعيد حدثاه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب [نوع من التمر من أعلاه وأجوده] فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”أكلّ تمر خيبر هكذا“؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع [نوع من التمر الرديء وقد فسر بأنه الخليط من التمر]، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تفعلوا ولكن مثلاً بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان“ [مسلم 3/1215 برقم 1593].
8 ـ وعن أبي سعيد قال: جاء بلال بتمر برني فقالله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”من أين هذا“؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء بعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك ”أوّه [كلمة توجع وتحزن]، عين الربا [عين الربا: أي حقيقة الربا المحرّم]، لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري فبعه ببيع آخر ثم اشترِ به“ [البخاري، برقم 2201، 2202، ومسلم 3/1215 برقم 1594].
9ـ وعن أبي سعيد الخدري قال: كنا نرزق تمر الجمع على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الخلط [أي المجموع من أنواع مختلفة وإنما خلط لرداءته] من التمر، فكنا نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”لا صاعي تمر بصاع، ولا صاعي حنطة بصاع، ولا درهم بدرهمين“ [مسلم 3/1216 برقم 1595].
10ـ عن فضالة بن عبيد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: أُتِيَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز، وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالذهب الذي في القلادة فنُزعَ وحده، ثم قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب وزناً بوزن“ [مسلم 3/1213 برقم 1591، وانظر: شرح النووي 11/17].
11ـ وعن فضالة أيضاً قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصّلتها [ميّزت ذهبها وخرزها] فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”لا تباع حتى تفصل“ [مسلم 3/1213 برقم 1591، وانظر: شرح النووي 11/18].
ففي هذا الحديث أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل، فيباع الذهب بوزنه ذهباً، ويباع الآخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة لا تباع مع غيرها بحنطة، والملح مع غيره بملح، وكذا سائر الربويات بل لا بد من فصلها، وهذه المسألة المشهورة والمعروفة بمسألة (مُدُّ عَجْوَة) وصورتها باع مدّ عجوة ودرهماً بمدي عجوة أو بدرهمين لا يجوز، لهذا الحديث. وهذا منقول عن عمر بن الخطاب وابنه، وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل [انظر شرح النووي 11/1
ب - حكم الربا:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه وتعاريفه“ [شرح النووي على مسلم 11/9].
ونص النبي صلّى الله عليه وسلّم على تحريم الربا في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح.
قال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة، بناء على أصلهم في نفي القياس.
وقال جميع العلماء سواهم: لا يختص بالستة بل يتعدى إلى ما في معناها وهو ما يشاركها في العلة.
واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة:
فقال الشافعية: العلة في الذهب، والفضة كونهما جنس الأثمان، فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات، وغيرها لعدم المشاركة، والعلة في الأربعة الباقية: كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم.
ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة.
أما في الأربعة الباقية فقال: العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له.
وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: فهو أن العلة في الذهب، والفضة الوزن وفي الأربعة الكيل فيتعدى إلى كل موزون... وإلى كل مكيل.
ومذهب أحمد، والشافعي في القديم، وسعيد بن المسيب: أن العلة في الأربعة كونها مطعومة موزونة، أو مكيلة، بشرط الأمرين [انظر شرح النووي 11/9].
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ”اتفق جمهور الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة على أنه لا يباع الذهب، والفضة، والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، بجنسه إلا مثلاً بمثل، إذ الزيادة على المثل أكل للمال بالباطل“ [فتاوى ابن تيمية 20/347، وانظر: الشرح الكبير، 12/11، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، 12/11، وشرح الزركشي 3/414].
وأجمع العلماء كذلك على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً كالذهب بالذهب، وأجمعوا على أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه – كالذهب بالذهب، أو التمر بالتمر – أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير [انظر شرح النووي 11/9]. وقال الإمام ابن قدامة – رحمه الله – في حكم الربا: ”وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع“ [المغني 6/51].
والحاصل مما تقدم أن العلة في جريان الربا في الذهب والفضة: هو مطلق الثمنية، أما الأربعة الباقية فكل ما اجتمع فيه الكيل، والوزن، والطعم من جنس واحد ففيه الربا، مثل: البر، والشعير، والذرة، والأرز، والدخن.
وأما ما انعدم فيه الكيل، والوزن، والطعم واختلف جنسه فلا ربا فيه وهو قول أكثر أهل العلم، مثل: القت، والنوى [وانظر المغني لابن قدامة 6/53، ونيل الأوطار للشوكاني 6/346-358].
ج ـ أسباب تحريم الربا وحِكَمهُ:
لا يشك المسلم في أن الله عز وجل لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء، إلا وله فيه حكمة عظيمة، فإن علمنا بالحكمة، فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يطلب منا هو أن ننفذ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1ـ الربا ظلم والله حرم الظلم.
2ـ قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة.
3ـ الربا فيه غبن.
4ـ المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع.
5ـ الربا مضاد لمنهج الله تعالى
الفصل الثالث: ربا النسيئة
أ ـ تعريف ربا النسيئة:
ربا النسيئة: هو الذي كان مشهوراً في الجاهلية، لأن الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل، على أن يأخذ منه كل شهر قدراً معيناً، ورأس المال باق بحاله، فإذا حلّ طالبه برأس ماله، فإن تعذر عليه الأداء زاد في الحق والأجل، وتسمية هذا نسيئة مع أنه يصدق عليه ربا الفضل، لأن النسيئة هي المقصودة منه بالذات.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يحرم إلا ربا النسيئة محتجّاً بأنه المتعارف بينهم [انظر تفسير المنار 4/124].
وسيأتي ذكر أدلة رجوعه عن قوله رضي الله عنه قريباً وانضمامه إلى الصحابة في تحريم ربا الفضل، وربا النسيئة جميعاً، فلا إشكال في ذلك ولله الحمد والمنة.
ب ـ بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص:
لا شك أن ربا النسيئة لا خلاف في تحريمه بين الأمة جمعاء، إنما الخلاف في ربا الفضل بين الصحابة وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وقد ثبت عن ابن عباس أنه رجع عن قوله وانضمّ إلى الصحابة في القول بتحريم ربا الفضل.
أما بالنسبة لربا النسيئة فتحريمه ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.
عن أبي صالح قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلاً بمثل. فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فقلتله: إن ابن عباس يقول غير هذا. فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلتله: أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم أجده في كتاب الله، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا في النسيئة“ [مسلم 3/1217 برقم 1596، وانظر: شرح النووي 11/25].
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا إنما الربا في النسيئة“ [البخاري 3/31 برقم 2178 ورقم 2179، ولفظ البخاري (لا ربا إلا في النسيئة) وانظر الفتح 4/381، ومسلم 3/1218، وشرح النووي 11/24].
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”كان معتمد ابن عباس وابن عمر حديث أسامة بن زيد ”إنما الربا في النسيئة“ ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك، وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض، متفاضلا حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً، وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدلّ على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفضل في غير النسيئة، فلما بلغهما رجعا إليه.
وأما حديث أسامة ”لا ربا إلا في النسيئة“ فقال قائلون: بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه“ [شرح النووي 11/25].
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ”اتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد. فقيل: منسوخ. لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وقيل: المعنى في قوله: (لا ربا) الربا الأغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل. وأيضاً نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد، لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدّم. والله أعلم“ [فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/382].
فاتّضح مما تقدّم تحريم: ربا الفضل، وربا النسيئة فلا إشكال في ذلك ولله الحمد.