*[ فَصْلٌ فِي بَيَانِ اشْتِمَالِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْشِفَاءَيْنِ شِفَاءِ الْقُلُوبِ وَشِفَاءِ اﻷَْبْدَانِ]* ◾
*[ اشْتِمَالُهَا عَلَى شِفَاءِ الْقُلُوبِ]*
فَصْلٌ فِي بَيَانِ اشْتِمَالِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْشِفَاءَيْنِ شِفَاءِ الْقُلُوبِ وَشِفَاءِ اﻷَْبْدَانِ
👈🏻فَأَمَّا اشْتِمَالُهَا عَلَى شِفَاءِ الْقُلُوبِ: فَإِنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَتَمَّ اشْتِمَالٍ، فَإِنَّ مَدَارَ اعْتِﻼَلِ الْقُلُوبِ وَأَسْقَامِهَا عَلَى أَصْلَيْنِ: فَسَادِ الْعِلْمِ، وَفَسَادِ الْقَصْدِ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا دَاءَانِ قَاتِﻼَنِ، وَهُمَا الضَّﻼَلُ وَالْغَضَبُ،
👈🏻فَالضَّﻼَلُ نَتِيجَةُ فَسَادِ الْعِلْمِ، وَالْغَضَبُ نَتِيجَةُ فَسَادِ الْقَصْدِ، وَهَذَانَ الْمَرَضَانِ هُمَا مِﻼَكُ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ جَمِيعِهَا، فَهِدَايَةُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ تَتَضَمَّنُ الشِّفَاءَ مِنْ مَرَضِ الضَّﻼَلِ، وَلِذَلِكَ كَانَ سُؤَالُ هَذِهِ الْهِدَايَةِ أَفْرَضَ دُعَاءٍ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ، وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي كُلِّ صَﻼَةٍ، لِشِدَّةِ ضَرُورَتِهِ وَفَاقَتِهِ إِلَى الْهِدَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَﻻَ يَقُومُ غَيْرُ هَذَا السُّؤَالِ مَقَامَهُ. وَالتَّحَقُّقُ بِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
[ الفاتحة: 5]
"عِلْمًا وَمَعْرِفَةً، وَعَمَﻼً وَحَاﻻً يَتَضَمَّنُ الشِّفَاءَ مِنْ مَرَضِ فَسَادِ الْقَلْبِ وَالْقَصْدِ، فَإِنَّ فَسَادَ الْقَصْدِ يَتَعَلَّقُ بِالْغَايَاتِ وَالْوَسَائِلِ، فَمَنْ طَلَبَ غَايَةً مُنْقَطِعَةً مُضْمَحِلَّةً فَانِيَةً، وَتَوَسَّلَ إِلَيْهَا بِأَنْوَاعِ الْوَسَائِلِ الْمُوَّصِلَةِ إِلَيْهَا كَانَ كِﻼَ نَوْعِي قَصْدِهِ فَاسِدًا، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مَنْ كَانَ غَايَةُ مَطْلُوبِهِ غَيْرَ اللَّهِ وَعُبُودِيَّتِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَمُتَّبِعِي الشَّهَوَاتِ، الَّذِينَ ﻻَ غَايَةَ لَهُمْ وَرَاءَهَا، وَأَصْحَابِ الرِّيَاسَاتِ الْمُتَّبِعِينَ ﻹِِقَامَةِ رِيَاسَتِهِمْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، فَإِذَا جَاءَ الْحَقُّ مُعَارِضًا فِي طَرِيقِ رِيَاسَتِهِمْ طَحَنُوهُ وَدَاسُوهُ بِأَرْجُلِهِمْ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ دَفَعُوهُ دَفْعَ الصَّائِلِ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ حَبَسُوهُ فِي الطَّرِيقِ، وَحَادُوا عَنْهُ إِلَى طَرِيقٍ أُخْرَى، وَهُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِدَفْعِهِ بِحَسَبِ اﻹِْمْكَانِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا مِنْهُ بُدًّا أَعْطَوْهُ السِّكَّةَ وَالْخُطْبَةَ وَعَزَلُوهُ عَنِ التَّصَرُّفِ وَالْحُكْمِ وَالتَّنْفِيذِ، وَإِنْ جَاءَ الْحَقُّ نَاصِرًا لَهُمْ وَكَانَ لَهُمْ صَالُوا بِهِ وَجَالُوا، وَأَتَوْا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، ﻻَ ﻷَِنَّهُ حَقٌّ، بَلْ لِمُوَافَقَتِهِ غَرَضَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ، وَانْتِصَارِهِمْ بِهِ {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
[ النور: 48]
👈🏻وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ قَصْدَ هَؤُﻻَءِ فَاسِدٌ فِي غَايَاتِهِمْ وَوَسَائِلِهِمْ، وَهَؤُﻻَءِ إِذَا بَطَلَتِ الْغَايَاتُ الَّتِي طَلَبُوهَا، وَاضْمَحَلَّتْ وَفَنِيَتْ، حَصَلُوا عَلَى أَعْظَمِ الْخُسْرَانِ وَالْحَسَرَاتِ، وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ نَدَامَةً وَتَحَسُّرًا إِذَا حَقَّ الْحَقُّ وَبَطَلَ الْبَاطِلُ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ أَسْبَابُ الْوَصْلِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ، وَتَيَقَّنُوا انْقِطَاعَهُمْ عَنْ رَكْبِ الْفَﻼَحِ وَالسَّعَادَةِ، وَهَذَا يَظْهَرُ كَثِيرًا فِي الدُّنْيَا، وَيَظْهَرُ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الرَّحِيلِ مِنْهَا وَالْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ، وَيَشْتَدُّ ظُهُورُهُ وَتَحَقُّقُهُ فِي الْبَرْزَخِ، وَيَنْكَشِفُ كُلَّ اﻻِنْكِشَافِ يَوْمَ اللِّقَاءِ، إِذَا حَقَّتِ الْحَقَائِقُ، وَفَازَ الْمُحِقُّونَ وَخَسِرَ الْمُبْطِلُونَ، وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ، وَكَانُوا مَخْدُوعِينَ مَغْرُورِينَ، فِيَالَهُ هُنَاكَ مِنْ عِلْمٍ ﻻَ يَنْفَعُ عَالِمَهُ، وَيَقِينٍ ﻻَ يُنْجِي مُسْتَيْقِنَهُ.
وَكَذَلِكَ مَنْ طَلَبَ الْغَايَةَ الْعُلْيَا وَالْمَطْلَبَ اﻷَْسْمَى، وَلَكِنْ لَمْ يَتَوَسَّلْ إِلَيْهِ بِالْوَسِيلَةِ الْمُوَصِّلَةِ لَهُ وَإِلَيْهِ، بَلْ تَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِوَسِيلَةٍ ظَنَّهَا مُوَصِّلَةً إِلَيْهِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْقَوَاطِعِ عَنْهُ، فَحَالُهُ أَيْضًا كَحَالِ هَذَا، وَكِﻼَهُمَا فَاسِدُ الْقَصْدِ، وَﻻَ شِفَاءَ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ إِﻻَّ بِدَوَاءِ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
[ الفاتحة: 5]
"فَإِنَّ هَذَا الدَّوَ
📚الاستقامة على منهج السلف, [يونيو 19، 2020 في 7:55 PM]
اءَ مُرَكَّبٌ مِنْ سِتَّةِ أَجْزَاءٍ (1) عُبُودِيَّةِ اللَّهِ ﻻَ غَيْرِهِ (2) بِأَمْرِهِ وَشَرْعِهِ(3) ﻻَ بِالْهَوَى (4) وَﻻَ بِآرَاءِ الرِّجَالِ وَأَوْضَاعِهِمْ، وَرُسُومِهِمْ، وَأَفْكَارِهِمْ (5) بِاﻻِسْتِعَانَةِ عَلَى عُبُودِيَّتِهِ بِهِ(6) ﻻَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَقُوَّتِهِ وَحَوْلِهِ وَﻻَ بِغَيْرِهِ. فَهَذِهِ هِيَ أَجْزَاءُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
[ الفاتحة: 5]
فَإِذَا رَكَّبَهَا الطَّبِيبُ اللَّطِيفُ، الْعَالِمُ بِالْمَرَضِ، وَاسْتَعْمَلَهَا الْمَرِيضُ، حَصَلَ بِهَا الشِّفَاءُ التَّامُّ، وَمَا نَقَصَ مِنَ الشِّفَاءِ فَهُوَ لِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.
👈🏻ثُمَّ إِنَّ الْقَلْبَ يَعْرِضُ لَهُ مَرَضَانِ عَظِيمَانِ، إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُمَا الْعَبْدُ تَرَامَيَا بِهِ إِلَى التَّلَفِ وَﻻَ بُدَّ، وَهُمَا الرِّيَاءُ، وَالْكِبْرُ، فَدَوَاءُ الرِّيَاءِ بِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [ الفاتحة: 5]
وَدَوَاءُ الْكِبْرِ بِ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [ الفاتحة: 5]
وَكَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ شَيْخَ اﻹِْسْﻼَمِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}[الفاتحة: 5]
تَدْفَعُ الرِّيَاءَ {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[ الفاتحة: 5]
تَدْفَعُ الْكِبْرِيَاءَ.
فَإِذَا عُوفِيَ مِنْ مَرَضِ الرِّيَاءِ بِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}
[ الفاتحة: 5]
وَمِنْ مَرَضِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعُجْبِ بِ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[ الفاتحة: 5]
وَمِنْ مَرَضِ الضَّﻼَلِ وَالْجَهْلِ بِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
[الفاتحة: 6]
عُوفِيَ مِنْ أَمْرَاضِهِ وَأَسْقَامِهِ، وَرَفَلَ فِي أَثْوَابِ الْعَافِيَةِ، وَتَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ، وَكَانَ مِنَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَهْلُ فَسَادِ الْقَصْدِ، الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ وَالضَّالِّينَ وَهُمْ أَهْلُ فَسَادِ الْعِلْمِ، الَّذِينَ جَهِلُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ.
وَحُقَّ لِسُورَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى هَذَيْنِ الْشِفَاءَيْنِ أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنْ كُلِّ مَرَضٍ، وَلِهَذَا لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى هَذَا الشِّفَاءِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْشِفَاءَيْنِ، كَانَ حُصُولُ الشِّفَاءِ اﻷَْدْنَى بِهَا أَوْلَى، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ، فَﻼَ شَيْءَ أَشَفَى لِلْقُلُوبِ الَّتِي عَقَلَتْ عَنِ اللَّهِ وَكَﻼَمِهِ، وَفَهِمَتْ عَنْهُ فَهْمًا خَاصًّا، اخْتَصَّهَا بِهِ مِنْ مَعْنَى هَذِهِ السُّورَةِ.
وَسَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَضَمُّنَهَا لِلرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبِدَعِ بِأَوْضَحِ الْبَيَانِ وَأَحْسَنِ الطُّرُقِ. __________
📕 مدارج السالكين لابن قيم الجوزية رحمه الله
https://t.me/alaistiqamat/2919
https://t.me/alaistiqamat/2920