الكتاب: اتباع السنن واجتناب البدع
المؤلف: ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى: 643هـ)
**************************
أخبرنا العدل أبو الفضل عبد الواحد ببغداد أن الإمام العالم أبا محمد عبد الله بن عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله المقرىء النحوي، أجاز لهم وأنشد لنفسه:
تَركُ التَكلُف فِي التَصَوفِ وَاجَبُ ... ومِن المُحَالِ تَكَلُفُ الفُقَرَاءِ
قَومُ إِذا اِمتَدَ الظَلامُ رَأيتُهم ... يَتَرَكَعُون تَرَكُعُ القَرَاءِ
والوَجدُ مِنهُم فِي الوِجُوهِ مَحَله ... ثُمّ السَماعُ يَحِلُ فِي الإغضَاءِ
لا يَرفَعُون بِذاَكَ صَوتاً مُجَهَراً ... يَتجَنَبُون مُوَاقِع الأَهوَاءِ
ويَواصِلون بِذاَك صوتاً مُجهَراً ... فِي الَبَأسِ إن يأتِي وفِي السَراءِ
وتَراهُم بَينَ الأَنَامِ إذا أتوا ... مِثلَ النِجُومِ الغرّ فِي الظَلماءِ
صَدقت عزَائمهُم وعَزم مَرامهِم ... وعَلت منَازِلُهُم عَلى الجَوزاءِ
خَدَمُوا الإله حَقيقَة وعَزيمة ... ورَعوا حِقُوقَ الِلهِ فِي الآناءِ
وَالَرقصُ نَقصَ عِندهم فِي عِقُولِهم ... ثُمّ القَضِيب بِغيرِ ما إخفَاءِ
هَذا شِعارُ الصَالِحين ومن مَضَى ... مِن سَادةِ الزُهاَدِ والعُلمَاءِ
فإذَا رَأيت مُخَالفاً لِفعَالِهم ... فاحكُم عَليه بعَظمِ الإغواءِ
وأنشدنا لنفسه وأخبر به عن العدل أبو الفضل إجازة:
حُرمَةُ اَلمرءِ تَستَقيمُ إذا مَا ... كان فِي دِينِه عَلى تَحقيقِِ
لا يَرَى الرَقصُ واَلقَضَيبُ ... وَلا الدَفّ طَريقاً إلِى صَوابِ الطَريقِِ
وكذَا الشِيزَ والتَهافُت فِيه ... بِانكشَافِ الرؤوسِ والَتصَفيقِ
هَذه سِيرةُ الزَنوجِ ذَوي النقَ ... ص إذا مَا هَبُوا لِفعلِ الَفسُوقِ
*********
قال رحمه الله: أنشدني أخي الفقيه الإمام أبو العباس أحمد بنعبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي من لفظه قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن الجاجة - بذلك كان يعرف - وكان رجلاً صالحاً إن شاء الله لنفسه:
يَا سَائِلِي مِن طَرِيقِ الَفَضلِ واَلأَدبِ ... عَن مَعَشرِ فِعلهم أدَى إلِى العَطبِ
قَوُمُ إلى رَاحَةٍ اِستأنَسُوا وَنأوُا ... عَن الَتكَسُبِ بَينَ الَنَاسِ والتَعبِ
قَالُوا بَلا سَبَبِ اللهُ رَازقُنَا ... واللهُ راَزِقُنَا بِالَسعِي والسَببِ
ألَيس مَريَم رَبُ العَرشِ قَالَ لَها: ... هُزِي إلِيكِ بِجذَعِ يَانَع رَطَبِ
وَلو يَشاَء أتَاهَا رَزقَها رَغَداً ... مِن غَيرِ مَا تَعبِ مِنها وَلا نصَبِ
وكَان رزِقُ رَسَولَ اللهِ جَاعِله ... رَبُ الَبرَيةِ تحَت القَصرِ واَلقصبِ
وباكرُوا اللهوَ واللذاتِ واتخذوا ... لهُوَ الحَدِيثِ لهُم دِيناً مع الطربِ
إذَا أتُوا مَنزَلاً قَالُوا َلِصَاحِبِه ... قَبّل يدَ الشيَخِ ذِي الإكرَام والأدَبِ
هَذا لهُ نَظَرُ هَذا لهُ هِمَمُ ... لهُ الكرامَاتُ بَين العُجم والعَرَبِ
يَمشي عَلى الماءِ يطَوي الأَرضَ قاَطبَةً ... وَفاتحُ كلّ بَابِ مُغلَقٍ أَشِبِ
اطلب رِضا الشَيخِ وانَظر أين مَذهَبه ... وَليَس مَذهبه إلا إلِى الذَهَبِ
هَذا وقد جَاءَ بِالمَعلومِ فَابتَدرُوا ... مُحسَرين عَن الأيدِي عَلى الَركبِ
كُل امرِىء مُنهم فِي الأكلِ مُعضَله ... ومُرجِف الأرَضِ يَوم الرَوع بالهَربِ
إذا تَغَنى مُغنيهُم سَمِعت لهُم ... صُراخ قُومٍ رُموا بالويلِ والحَربِ
ما زَال ليلهُم رقَصاً فإن تِعبوا ... تطَارحُوا فِي زوَايا البيتِ كالخَشَبِ
ضَربُ الَقضَيبِ مَدى الأيَامِ شُغلُهم ... والرقصُ دأبهُم والضرب فِي الضَربِ
قَالوا لنا مَذهُب وهو الحقيقةُ لا ... نَقُول بِالشَرعِ ثُم الدَرسِ فِي الكُتبِ
ولا نُريد مِن الرَحَمنِ جَنتَّهُ ... ولا نَخافُ لظى جَاءت عَلى غضبِ
وما بِهذا كِتابُ اللهِ أخبرنا ... وجَاءت الرُسلُ بِالتَرغِيبِ والرَهبِ
َزارُوا النِساءَ وآخوهُنّ هل عُصِمُوا ... مِنهن أم أمنُوا مِن طَارقِ النّوَبِ
نَسُوا قضيةَ هاروتٍ وصَاحِبه ... ماروت إذ شَرِبا كَأساً مِن العَطبِ
وَهَمّ يوسُفَ لولا أن رأى عَجَبَاً ... بُرهَان خَالِقِه فاعجب مِن العَجبِ
ونَظَرةً تَركَت داودَ ذا حَرَق ... عَلى خَطيئَتِه باكٍ أخا كُرَبِ
أبرا إلى اللهِ مِن قَومِ فِعالُهم ... هذا وعَن ذَمّهم ما عشت لم أتُبِ
قال: وأخبرنا أخي رحمه الله أن أحمد المذكور أنشدهم ولم يعزها، والظاهر - والله - أنها له:
يا سالِكي سُبُلَ العُدوانِ وَالتُهَمِ ... وَتابِعي نِعَمِ الرَحمَنِ بِالنِقَمِ
وَتارِكي سُبلَ الَمعرَوُفِ عَافِيةً ... وآخِذِي طُرَق الخذلانِ والندَمِ
أَلبَستُمُ الدينَ عاراً مِن فِعالِكُم ... ما ليسَ يَحسُنُ مِن عُربِ ولا عَجَمِ
سَمّيتُمُ الدِينَ مِن لهوٍ ومِن لَعبٍ ... دِيناً وقُربى إلى الرَحمَنِ ذِي الكَرمِ
يا مُشبهي حُمُرَ الصَحراءِ رامِحةً ... لمّا تَمَلّت مِن الخضراءِ والدّيمِ
هل كَان فِيما مَضَى مِن فِعلِ سيَدكُم ... ضَربُ القَضِيب ورفسُ الأرض بِالقَدمِ
*********
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من جميع البدع ما ظهر منها وما بطن وأن يحيينا على سنة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يميتنا على ملته وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من القول والنية والعمل والهدى وأن يوزعنا شكر نعمه، ويزيدنا من عطائه وقسمه، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
منقول